CET 00:00:00 - 16/08/2010

مساحة رأي

بقلم: نبيل المقدس
 تكلمنا كثيرًا.. تحدثنا كثيرًا.. كتبنا كثيرًا.. نبرنا كثيرًا.. مجادلات تليفزيونية كثيرة، وبرامج إذاعية كثيرة، ومنتديات كثيرة "Forums".. مؤتمرات كثيرة, كل هذا حول كيفية إقامة دولة علمانية أساسها قوانين مدنية.

 لم يكن هذا المطلب من فئة معينة في مصر، بل طالبت به الكثير من فئات الشعب المثقفين التي كادت تنقرض، أما الفئات الغنية فهذا لا يعنيها، نقف عند الطبقات الشعبية، والتي ربما تضم أنواعـًا مختلفة من المستويات المتعلمة أو الفقيرة أو المتكاسلة؛ لأن منهم من ينشغل في البحث عن وظائف أو مركب يهرب بها إلى بلاد "الفرنجة".

 ومنهم مَن يبحث عن شيئ ينسيه همّه؛ مثل الاهتمام بالكورة, أو البحث عن المخدرات, أو إلقاء نفسه بين أحضان التطرف الديني.

 أما الحياة المدنية التي ينادي بها المسيحيون -الأقلية- مع فئة المثقفين المنقرضة تقريبـًا، هو مطلب من أجل مصر وشعب مصر بجميع فئاته، هذه الفئات تطالب بالحياة المدنية لكي تتجنب الكيل بالمكيالين، هذه الفئات تطالب بالحياة المدنية من أجل التمتع بالحريات الإنسانية، والتي وهبها الله للإنسان.

 أرادت هذه الفئات الحياة المدنية لكي تتحرر من قوانين الفتاوى التي تقيد تقدم الأمة وتنافس البلدان الأخري، والتي كانت مجرد أسماء على الخريطة, وليس لها دور فعّال في حياة الأمم والعالم، لكنها صارت محورًا ومركزًا هامـًا لجميع دول العالم سياسيـًا واقتصاديـًا، تتبعتُ هذه البلدان لكي أعرف ما هو سر هذه الطفرة والتقدم, وجدت أنها بلدان وضعت الأديان على جنب, وجعلته أمرًا شخصيـًا بحتـًا ما بين الفرد وإلهه الذي يدين به.

 لذلك فإن كل البلدان التي اتخذت من الدين أساسـًا لدستورها, أيـًا كانت هذه الديانة نجدها في مؤخرة البلدان، فعلاً.. وعلى رأي المثل الذي يقول: "خدعوك فقالوا: إن الدين هو أساس رقي المجتمع"!! لكن الدين هو أساس رقي الفرد ونموه نحو الله فقط، وهذا أمر يخصه هو وحده.

 الدولة المدنية لها متطلبات خاصة لا تستطيع مصر تحقيقها, وأنا أتحدى أي رئيس حزب -والذي يتشدق بالحرية والوحدة الوطنية, وأن حزبه هو الوحيد الذي لا يكيل بمكالين- أن يتجرأ ويطالب علنـًا أن حزبه يرفض المادة الثانية من الدستور، التي هي عبارة عن عكس ما صرح به.. وعكس مبادئ الحزب، أو على الأقل تعديلها.

 فأي خلل واحد في سياسة الحريات تصيّر الحرية قيدًا؛ فلنا في ذلك مثال بسيط من الأمثلة الكثيرة؛ كيف يُسمح للأخ المسلم أن يتزوج  بمسيحية، ولا يُسمح لـ"أبانوب" المسيحي أن يتقدم لزواج "نبوية" المسلمة؟؟ هم فقط ينادون بالتغيير.. أي تغيير هذا؟؟ هو هذا التغيير الذي يخص نظام الترشيحات للرئاسة فقط، بالرغم من أن قوانين الدستور لم تمنع أي من رؤساء الأحزاب التقدم بترشيح نفسه للرئاسة.

 الدولة المدنية لا تسمح بأن تترك جماعة دينية تمرح وتجول علنـًا، وتتباهى بأفكارها الدينية؛ والتي منها سوف يحكمون البلد سياسيـًا واقتصاديـًا، بالرغم أن الحكومة تعتبرها حركة محظورة ليس لها حق في عقد مؤتمرات، وإعطاء الصلاحية لنفسها بعمل تكتل مع الأحزاب الأخرى.

 هل توافق الحكومة أن تقوم فئات من المسيحيين بعمل تكتل مسيحي مثلما تعمل الحركة المحظورة؟؟ وكأنها حاصلة على "كارت بلانش" بأن تقوم وتتصرف فيما لا يحق لها أن تفعله ضد مصلحة الفتنة وسلامة البلد؟؟

 أكتب هذا المقال بعدما استفزني حديثـًا في "المصري اليوم" بتاريخ 9/8/2010، بين مراسل الجريدة والمتحدث الرسمي باسم الحكومة البريطانية "مارتن داي"؛ حيث يثبت -وبلا جدال- أن الحكومة هي العامل الأول في تقوية هذه الجماعة المحظورة.

 فقد سألت محررة الجريدة "مارتن داي": كيف تنظر الحكومة البريطانية إلى الإخوان المسلمين في مصر؟؟ فكان رده: ننظر لهم على اعتبار أنهم قوة سياسية في الشارع المصري؛ شأنها شأن كل القوى الأخرى, وتلك حقيقة لا يمكن إنكارها، وهم ممثلون في البرلمان.

 هذا إقرار دامغ بأن هذه الفئة المحظورة تعمل في العلن تحت قوانين رسمية مستترة, أو تحت رعاية صارمة من وراء الستار، فهل بعد كل هذا الاعتراف الدولي بأن المحظورة عبارة عن قوة سياسية لا يمكن إنكارها, أن نتعشم خير في أن الدولة المصرية تتجه الآن وتحاول أن تصبح دولة علمانية تحكمها قوانين مدنية؟! وهي نفسها ترفع من شأن المحظورة؟؟ أنا أشك!!

 كل ما بذلناه من محاولات لبناء الدولة المدنية؛ حتى أننا وضعنا الأمل في بعض الأحزاب التي خرجت علينا فجأة، اتضح أنها تتعامل بأسلوب في ظاهرها مبادئ حسنة، ولكن في باطنها شيئ آخر, بدليل سعيها وجريها وراء المحظورة لعمل كتلة معارضة للتغيير, أو التصدي للتوريث, أو أية وسيلة.. شريفة أو غير شريفة, فيها تحريض أو ترغيب, فيها توحيد بين فئات الشعب أو تفريق؛ المهم هو أن تصل إلى الكرسي, وبعدها سوف يتبعون نفس مبادئ الدستور الحالي ويتربعون على تلها.

 وبنفس أسلوب الكيل بالمكيالين, سوف يعاملون الأقلية؛ لأن الدستور لم يتغير وبقيت المادة الثانية تتربع على رقاب الأقلية.

  سوف ينادون بأن الدولة مدنية، وفي نفس الوقت سوف يهتفون قائلين: "زواج "أبانوب" من "نبوية" باطل"!!

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٦ صوت عدد التعليقات: ٣١ تعليق