بقلم: مينا ملاك عازر
المتابع للأحداث السياسية الجارية في الشرق الأوسط يستطيع أن يلحظ تغييرًا كبيرًا في مواقف القوى السياسية والعسكرية المؤثرة في المنطقة؛ فالجيش اللبناني الذي كان واقفـًًا على الحياد إبان صدام "حزب الله" مع "إسرائيل"، والتي نجم عنها القرار رقم 1701، والذي أسفر عن تراجع مقاتلي "حزب الله" للوراء مئات الكيلومترات وحلت محلهم قوات دولية، والجيش اللبناني الذي كان على الحياد اصطدم أخيرًا بإسرائيل ووقف "حزب الله" ساكنـًا، يخطب زعيمه خطب رنانة فقط ويحاول تبرئة نفسه من اغتيال "الحريري"، وهو أمر محمود على أي حال.
فواضح أنهم استحوا، فلم يبقى لهم من الجراءة؛ أو قل "البجاحة" ما يستطيعون من خلاله أن يعلنوا عن مسؤوليتهم عن الحادث كما كانوا يفعلون، بل كما فعلوا خاصةً في مصر إبان القبض على تنظيمهم الذين كانوا يريدون زرعه على الحدود الإسرائيلية المصرية؛ ليبدأوا منه كفاح جديد لتحرير "فلسطين"؛ على حد زعمهم.
ولم يتغير الموقف فقط فيما سبق، بل أن المتأمل في الأمور بأكثر تدقيق يستطيع أن يتأكد من أن جبهات الحرب بدأت تتعدد على "إسرائيل"، فصارت الحدود المصرية التي كانت الحدود الوحيدة الآمنة بفعل معاهدة السلام، لم تعد آمنة بفعل تسللات الفلسطينيين عبر الأنفاق، واقتحامهم "طابا" وإطلاقهم الصواريخ على "إسرائيل" و"الأردن".
ونحن لا نندهش من بجاحة الفلسطينيين حين فعلوا هكذا، فقد سبق لهم أن اقتحموا حدودنا، وفي حادثة أخرى قتلوا جندي من جنودنا، لكن ما نندهش له أنهم أنكروا مسؤوليتهم أيضًا عما فعلوا، ولا أفهم هل هم مُحرجين من مصر أم أنهم يحاولون تبرئة أنفسهم أمام البلدان العربية -التي كانت تساندهم- من هذه الجريمة السياسية والخطيئة الكبرى التي وقعوا فيها؟؟
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا صارت الأمور هكذا؟ لماذا ينكر "حزب الله" مسؤوليته عن مقتل "الحريري"؟؟ وتنكر "حماس" وأذيالها واتباعها وأعوانها مسؤوليتهم عما فعلوه من إطلاق صواريخ على "إسرائيل" من الأراضي المصرية؟؟ وهو بدوره تغيُّر كبير في سلوك الاثنين اللذان كانا طالما يبادران في إعلان مسؤوليتهم عن أي شيئ قاما به.
إن قلنا في حالة "حماس" هو الحرج السياسي الذي يقف وراء عدم اعترافهم بفعلتتهم الشنعاء، وإن قلنا أن "حزب الله" ينكر لئلا يشوه صورته في عيون بعض الجماهير اللبنانية التي تحب "الحريري" وتحبهم في آنٍ واحد؛ فهو سبب مقبول لحد ما، لكنني أستطيع أن أذهب لأبعد من هذا حيث أنني أرى سببـًا آخرًا، وهو أن كلاً منهما يحاول إلصاق التهمة بطرف آخر، "حزب الله" يحاول إلصاق التهمة بإسرائيل وتبرئة شهيده "عماد مغنية" من مقتل "الحريري"، و"حماس" تحاول إلصاق التهمة بمصر في عملية إطلاق الصواريخ على "إسرائيل"، ليقع الصدام الذي طال انتظاره من قِبل بعض البلدان العربية بين "مصر" و"إسرائيل"؛ فيما يعد اختبارًا لمدى متانة معاهدة السلام.. بل وجدواها.
وأبرز المتغيرات المذهلة في الساحة، أن الإيرانيين الذين سبق لهم وأن هددوا بإشعال "تل أبيب" لو أساءت "إسرائيل" لـ"إيران"، وذلك قبل اندلاع كل هذه الأزمات، لم نسمع لهم حس ولا عنهم خبر بعد انفجار الموقف في "لبنان" ولا بعد صواريخ "حماس" القديمة المتهالكة التي انطلقت من "مصر" على "الأردن" و"إسرائيل"، ولم نشعر بوجودهم في الحياة السياسية.
تُرى هل هذا لحنكة سياسية؟! ومعرفة بحجمهم الحقيقي -حين تشتعل الأزمات- بأنهم ليسوا قادرين على مواجهة "إسرائيل" إلا بالخطب، أم أنهم يدبرون لمصائب أكبر مما جرت، على كل حال ستكشف لنا الأيام ما لا نستطيع كشفه اليوم، ولكن ما نحن على يقين منه أن الإيرانيين الذين يمالئون "حزب الله" ويساندون "حماس" لم يصرحوا تصريحـًا واحدًا يخزون به العيون، بل أن "سوريا" التي تحتضن "حماس" وزعمائها على أرضها لم تحرك ساكنـًا حيال "حماس"، وما فعلته في "مصر" من انتهاكٍ للسيادة، ولو نظرت نظرة أكثر تأملاً ستجد أن طائرة العاهل السعودي ما زال صوتها يطن بآذان اللبنانيين، وهي التي أتت بالرئيس السوري لإقامة تقارب بين "لبنان" و"سوريا" مُفتقد منذ زمن بعيد، فهل لنا أن نسأل عما إذا كانت الاشتباكات الحدودية التي اندلعت بين جيش "لبنان" وجيش "إسرائيل" بسبب تلك الزيارة -غير المرضي عنها من جانب "إسرائيل"- فافتعلت هذه الأزمة؟!
وقد يقول قائل أن السوريين والإيرانيين الذين اكتفوا للآن -وحتى كتابة هذه السطور- بموقف المتفرج؛ لأنهم يقفون وراء إطلاق صواريخ من الأراضي المصرية فقط، لأننا لا نستطيع أن نحملهم مسؤولية الاشتباكات اللبنانية الإسرائيلية بصفة مباشرة، لكننا نستطيع القول أنهم من المنتفعين بها، فهي غيرت وجهة الرأي العام اللبناني من قضية "الحريري" وبغضه لـ"حزب الله" إلى حدوده الجنوبية التي تحتشد عليها "إسرائيل" بجنودها، وقد تشهد حربـًا جديدة لا يفضل اللبنانيون "سويسريوا الشرق" أن يتورطوا فيها ثانيةً.
وآخر القول سؤال بريء: هل ما فعلته "حماس" من إطلاق صواريخ من الأراضي المصرية هو رد الجميل منها حيال ما فعله النظام المصري بفتحه المعابر بين "مصر" و"غزة" لأكثر من شهرين، وتمريره "قافلة القدس الليبية"، والتي تصادف أن مر ثماني شاحنات منها بالتزامن مع القصف الصاروخي الذي قامت به "حماس" من الأراضي المصرية؟! |