بقلم: ماهر طلبة
سنده المخبران وهو ينزل من العربة..مال برأسه على كتف أحدهما، عاجله الآخر بضربة على وجهه عدّلت رأسه المائل النازف دون أن يَصْدُر عن الرأس صوت ألم أو تذمر..
- أين كان..؟
أشار المخبران إلى مركز الكون.
- اتركاه مكانه..
تركاه..استلقى على وجهه، عاجلته ضربة قدم؛ فتكوّر حول نفسه فى وضع جنيني، لكنه لم يستطع الوقوف..تحرك المخبران إلى حيث يلقى الضابط بظله الثقيل ووقفا كظله.
ما قبل الحادث بدقائق
دون أن يدرك أن هذه كلماته الأخيرة سأله...
- ماذا تفعل؟
- أحاول أن استعدى الكون بأن أعيده إلى نقطة الصفر.
- ماذا تفعل؟
- أحاول أن أعيد طلائه من جديد بلون غير هذا الرمادى لعلنا نرى..
- ماذا تفعل؟
انهزم أمام السؤال...فقال: أرفع فيديو على النت.
وسكت لأنه عرّى السماء.
ما حدث
1- القسم
أثناء مرور قوة من المباحث لمتابعة الحالة الأمنية، شاهدت القتيل (سابق اتهامه فى 4 قضايا سرقة، حيازة سلاح أبيض، تعرض لأنثى بالطريق العام، هروب من الخدمة، مطلوب ضبطه فى حكمين بالحبس شهرًا فى قضيتى حيازة سلاح أبيض)..و..بحوزته لفافة يُشتبه أن بها مادة مخدِّرة، و...فر هاربًا، إلا أن الشرطيين تمكنا من ضبطه...لكنه ابتلعها..ليُصاب بحالة (إعياء شديدة) نقلاه على إثرها...للمستشفى...إلا أنه فارق الحياة.
ملاحظة: لم يستطع الشرطيان التعرف على ملامح الجثة وربطها بالقتيل، وإن أكّدا أن هذا الشكل– الذى لا يشبه الإنسان– كثيرًا ما يقابلهما فى عملهما أو بعد عملهما.
2- شاهد عيان
رفض الشاب التفتيش؛ فإنهال عليه المخبران بالضرب، دفع أحدهما برأسه إلى الحائط فاندفع الدم منها، عندها طلبتُ منهما الخروج من المقهى وأغلقته...فى الشارع لم يتوقفوا عن ضربه...(رغم الدماء)...حتى سقط على الأرض...سحلوه إلى مدخل عقار...ودُفع رأسه لأكثر من مرة فى البوابة الحديدية وفى السلم....بالضرب المُبرح حتى صمت الشاب عن الصراخ. وظلا يعتديان عليه رغم صمته...أن نقول لهم إنه مات، لكنهم...إنه (يدَّعى) الموت...فأكّد لهما أنه مات...اصطحباه داخل سيارة الشرطة، ثم عادا بعد قليل، وقاما بإلقاء الجثة على الأرض، ومن ثم استدعيت الإسعاف..
ملاحظة...سأل الشاهد المحقق فجأة...كيف لإنسان أن يدخله كل هذا الحقد والغل؟..أى آلة تستطيع صنع مثل هذه النماذج الحيوانية؟..تعتقد أنا هأقدر أموت موتة ربنا؟
3- بيان صادر عن مكتب النائب العام
أثناء سيره بالطريق العام...الشرطيان تتبعا المجنى عليه...وشلا مقاومته، وقيدا حركته، (بدون وجه حق )، وحاولا انتزاع اللفافة من يده (عنوة)، فتمكن من (مغافلتهما )، وابتلاعها. وإثر ذلك تعديا عليه بالضرب، ودفعا رأسه ليرتطم بجدار من الرخام فى المقهى...حيث واصلا التعدى عليه بالضرب...فأحدثا به الإصابات الموصوفة..
إن التحقيقات (انتهت) إلى استبعاد جريمتى "القتل العمد" ، و"الضرب المفضى إلى موت"...لإنقطاع (رابطة السببية)...وأنه لا دخل للإصابات بالوفاة..
إن الأحكام الغيابية تقتضى إعلان المحكوم ضده بالحكم...وقد ثبت أن الحكم الغيابى الصادر ضد...لم يكن قد تم إعلانه، (مما لا يجوز معه القبض عليه).
فقرة من كتاب فاقد للقيمة
الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأى قيد، أو منعه من التنقل، إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق، وصيانة أمن المجتمع، يصدر هذا الأمر من القاضى أو النيابة العامة، وذلك وفقًا لأحكام القانون. (الدستور المادة 41).
صورة للقتيل
للأسف، لم يستطع القاص أن ينقلها؛ لأن وجه القتيل قد مُزِّق تمامًا، وما بقى لا يصلح ليكون إنسانًا أو شبه إنسان.
العفو...منه
قالت منظمة العفو: إن الصورة المرعبة دليل صادم على أن الإنتهاكات جارية فى "مصر".
هذه الصورة هى إشارة نادرة ومباشرة للإستخدام الروتينى للقوة الوحشية من قبل قوات الأمن..فى مناخ من عدم المساءلة والحصانة...قانون الطوارئ يوفر المظلة...إن هذه الإنتهاكات قد تستمر بضمان عدم مساءلة مرتكبيها...
نزل وكيل النيابة من العربة...نظر إلى الضابط والمخبرين، سأله..
- تم الأمر هنا؟
هز الضابط رأسه.
نظر وكيل النيابة إلى الوضع الجنينى، وأعاد رسم وضع الجسد بقدمه وفتح باب الأسئلة..
- هكذا كنت...أليس كذلك؟
دعنا نعود إلى البداية...أنت مثلى ترى السماء عارية لا يحجب شمسها ظل..فلا تدعنا نقضى يومنا بعيدًا عن مكاتبنا.
- هل تعرف هذين الشخصين؟..هل تعرف وظيفتيهما؟
- هل صحيح أنك قاومت..؟..وأنك بصقت فى وجه الأول، وسببت الآخر بأمه التى لم ترها...؟
-هل تعترف بأنك مدمن؟ وأنك حين قُبض عليك كان معك...وابتلعتها؛ مما أدى إلى موتك؟
- أتقر بأن صمتك دليل على اعترافك بكل ما هو منسوب إليك؟
- أتقر بأنك عُوملت فى الشارع – كغيرك – بكل الإحترام الواجب أن يعامل به شخص – كغيره- مات من قبل آلاف المرات؟
أقرّ المجنى عليه بما نُسب إليه..يُقفل التحقيق فى ساعته، وتُنقل الجثة إلى المشرحة..
أشار الضابط للمخبرين...رُفع القتيل إلى العربة من جديد. |