بقلم: حنا حنا المحامى
أقرأ فى كثير من التعليقات أسئلة من الإخوة المسلمين. وهذه الأسئلة فى واقع الأمر تَعَجُّبية. وما يدعو إلى العجب هو ألوهية إله تعذب ثم مات!! ويثور التساؤل عما يسمونه هرطقات كيف يكون إلهًا يتعذّب ويُصلَب؟
وفى واقع الأمر هناك عدة أسباب لهذا المعتقد. الأول: أن المصريين بوجه عام لا يقرأون بل لا يحبون القراءة. والثانى هو أن مشايخ المتطرفين يبثون الرعب فى الكافة حتى لا يقرأون الكتاب المقدس. والثالث: هو الإدعاء بأن الكتاب المقدس مُحرَّف. وعلى العامة أن يؤمنوا بما يقول فقهاؤهم دون أن يبحثوا عن مدى صحة هذا الزعم لأنهم لا يقرأون كما سبق القول.
ورغم هذا فقد قررت أن أخوض هذا اللغز رغم بساطته؛ عسى أن يفهم من لا يعرف، أو يبحث من يريد أن يعرف. ذلك أن المعرفة تقتضى ذهنًا متفتحًا وعقلاً ناضجًا يريد أن يعرف الحقيقة فيبحث عنها. وفى نطاق البحث يكون ذلك بغرض المعرفة وليس بغرض الرفض. وليعلم الجميع أننا إذا تكلمنا عن الأديان فإننا نتكلم عن الحياة الأبدية، حياة الخلود حيث لا ينفع الندم بعد العدم. ذلك أن السيد المسيح قد قال: من آمن بى ولو مات فسيحيا. (يو 11:5). كذلك قال: أنا هو الطريق والحق والحياة. (يو 14: 6).
لذلك من يقرأ هذا المقال، يتعين أن يقرأه بقصد الفهم والمعرفة المجردة عن الهوى، والرفض الأولى، والتعصب الأعمى. مرة أخرى إننا نتكلم عن حياة الخلود حيث لا ينفع الندم بعد العدم.
تنبأ الأنبياء فى العهد القديم عن مجئ المسيح وأسباب مجيئه، ومن أهم من تنبأوا هم "داود" النبى، و"أشعياء" النبى. و"داود" النبى كان ألف سنة قبل الميلاد. فنجد أن "داود" النبى فى المزمور (22: 16-17) قال: "ثقبوا يدى ورجلى، أحصى كل عظامى. وهم ينظرون ويتفرسون فىّ. يقسمون ثيابى فيما بينهم وعلى لباسى يقترعون."
وهذا هو عينه عملية الصلب، ولعل من شاهد فيلم "الرداء" يتحقق من أن هذا هو ما حدث فعلاً للسيد المسيح. مرة أخرى كان ذلك ألف عام قبل مجئ المسيح.
أما "أشعياء" النبى فكان حوالى 750 سنة قبل الميلاد. وما قاله وتنبأ به "أشعياء" النبى هو:
"لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحمَّلها. ونحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق من أجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا. ظُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاة تُساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه." (أش 53: 5-8)
ويُلاحظ أن كل الرافضين لصلب المسيح وآلامه، يقفون عند مرحلة التعذيب. ولكن ينسون أو يتناسون أنه بعد التعذيب الذى وصل إلى درجة الموت قد قام من الأموات. وما هو أهم تناسوا أنه صعد إلى السماوات.
وهنا يثور التساؤل: من ذا الذى قام من بعد الوفاة فى تاريخ البشرية سوى السيد المسيح؟ وهنا تأتى الإجابة: لتفرض نفسها، الوحيد الذى قام من بعد الوفاة هو السيد المسيح. لماذا؟ هنا أيضًا تفرض الإجابة نفسها؛ لأنه ليس إنسانًا عاديًا...بل إنه إله، بدليل أنه صعد إلى السماوات.
بعد ذلك..لماذا يُعذَّب الإله؟ ولماذا يموت ثم يقوم من الأموات؟
لقد تعرضتُ فى مقال سابق لهذه النقطة، وقد حثنى قول "أشعياء" النبى المذكور أعلاه أن أعود إلى هذا الموضوع مرة ثانية.
لماذا يُجرح الإله لأجل معاصينا ويسحق من أجل أثامنا؟ الإجابة نجدها فى الإنجيل أيضًا، إذ يقول: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية". (يو 3:16)
ذلك أن الله حين خلق "آدم" وأسكنه فى الجنه، لم يفضِّل أن يكون وحيدًا، بل وجد أنه من الأفضل أن يخلق له "معينًا نظيره". وبعد أن خلق الله "حواء" من ضلع "آدم"، قال لهما: "تكاثروا". ولكن حتى هذه المرحلة لم يكن "آدم" أو "حواء" قد عرفا الخطية، ولم يُدركا أنهما عريانان. وفى أثناء وجودهما بالجنة، قال لهما الله: لا تأكلا من شجرة معرفة الخير والشر وإلا موتًا تموتا، ولكن خالفت "حواء" الوصية بغواية الحية، وأغوت "آدم"، وبذلك عرف كلاهما الخطية. وبعد أن عرفا الخطية تغيرت طبيعتهما، ولأول مرة شعرا أنهما عريانان.
ولما كان لكل خطية جزاؤها فقد لعن الله الحية، وقال لها: على بطنك تزحفين ومن تراب الأرض تأكلين، ثم لعن "آدم"، وقال له: بعرق جبينك تأكل خبزك. ولعن "حواء" بأن قال لها: بالوجع تحبلين وتلدين. وقال لـ"آدم": ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وبعرق جبينك تأكل خبزك حتى تعود إلى الأرض التى أُخذت منها؛ لأنك من التراب، وإلى التراب تعود، ثم طردهما من الجنة. (تك 3:19)
من المعروف أن كل كائن فى هذه الحياة ينتج مثيله. فكل بذرة ثمرة تُزرع وتنتج نفس الثمرة التى نبتت منها، وكل فرع شجرة يُنبت حسب أصله، وبطبيعة الحال لن يشذ الإنسان عن هذه القاعدة. وعلى ذلك فقد أصبح الإنسان من نفس طبيعة "آدم" بعد أن عرف الخطية.
كان من تداعيات طرد "آدم" من الفردوس، وحرمانه من الجنة، أن أُغلقت أبواب الفردوس أمام "آدم" وذريته، ولما قام المسيح من الأموات قهر الموت، ووهب الصالحين الحياة الأبدية. ولذلك كل من توفى قبل قيامة المسيح لم يذهب إلى الفردوس، بل ذهب إلى الجحيم لأن الفردوس كان مغلقًا. مع ذلك فكل من كان له ايمان بمجئ المسيح، وكان من الصالحين، قام مع قيامة المسيح، وانتقل من الجحيم إلى الفردوس.
ويتعين أن نفرِّق بين الفردوس وملكوت السماوات؛ فالفردوس هو مكان الإنتظار للصالحين، أما ملكوت السماوات فهو المكان المُعد للصالحين بعد يوم الدينونة أى اليوم الأخير. وهناك ما أعدّه الله للمختارين ما لم تره عين ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر. (1كو 2: 9)
كذلك يتعين أن نفرّق بين الجحيم وجهنم، ذلك أن الأخير هو المكان المُعد للخطاة بعد يوم الدينونة، والذى وصفه السيد المسيح بأن ناره لا تُطفأ، ودوده لا يموت. (مر 9: 44). أما الجحيم فهو المكان الذى لا ينعم فيه الإنسان بأية مزايا سماوية قبل قيامة المسيح.
بعد أن توصلنا إلى حقيقة أن المسيح هو الله، وأنه قام من الأموات قاهرًا الموت ومنتصرًا عليه، يتعين أن نبحث لماذا يموت الله ويُعذَّب؟
إن الإنسان– كل إنسان– ولد بالخطية، ولا يمكن أن تُحصى تلك الخطايا التى ارتكبها العالم، أى أن الخطية غير محدودة. ولما كانت الخطايا يتم التكفير عنها بذبيحة، وهذا معروف فى الدين اليهودى والمسيحى والإسلامى، لذلك حين يتم التكفير عن الخطايا يجب أن تكون الذبيحة غير محدودة أيضًا، كذلك لما كانت الخطية فيها تعد على الله غير المحدود، فلابد أن تكون الذبيحة غير محدودة.
ولما كان المفتدى إنسانًا فلابد أن يكون الفادى إنسانًا أيضًا. ولما كان أى إنسان قد وُلد بالخطية، فلا يمكن لإنسان عادى أن يفتدى بنى الإنسان لأن فاقد الشئ لا يعطيه.
من هنا، ولأن الله قد أحب خليقته، فقد استحسن أن يفتديه، ويرده مرة أخرى إلى الفردوس (طبعًا الصالحين). كذلك لا يُعقل عقلاً ومنطقًا أن تستمر الحياة على نفس الوتيرة، ثم نقول إن الله قد عفا عن الإنسان! مثل هذا القول يتعارض مع مبدأ العدل الإلهى. لا بد أن تكون ثمة تضحية خطيرة، أو حادث جلل يتضح منه أن الله قد عفا عن الإنسان أو افتداه، وأن باب الفردوس قد فُتح له مرة أخرى.
تأسيسًا على ذلكـ، جاءت فكرة الفداء. ومن ثم تجسد الله فى صورة إنسان حتى يحمل خطية العالم، ويفتح له الطريق للفردوس. ذلك أن الله بلا خطية كما سبق القول، فمثلاً حين قطع "بطرس" أذن عبد رئيس الكهنة الذى جاء ليقبض على المسيح، قال له المسيح: ارجع سيفك إلى غمده؛ لأن كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون، أتظن إنى لا أستطيع أن أطلب إلى أبى فيقدّم لى أكثر من إثنى عشر ألفًا من الملائكة؟ فكيف تكمل الكتب؟ هكذا ينبغى أن يكون (مت 26: 51-54)..يتبين من تلك العبارة (وهى قطرة من نهر)، أن المسيح هو الله، وأنه أتى ليخلِّص العالم.
وفى سبيل رفض الكتاب المقدس، والذى يتحدث عن أسمى أنواع القداسة وعن الفداء، نجد أن من يرفضون الكتاب المقدس، لمجرد الرفض، أو لمصلحة شخصية كما هى الحال لدى المنتفعين، يدَّعون أن الكتاب المقدس مُحرّف. وذلك دون أن يذكروا متى حُرِّف؟ وماذا كان قبل التحريف؟ وفى أى جزء تحرّف؟ وبأى لغة قد تحرّف؟ ذلك أن الكتاب المقدس قد كُتب بكل لغات العالم. وإذا كان الله قد قال: "كلمة من كلامى لا تُنقض" (يو 6: 35)، وكذلك قال القديس "بطرس":"..بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد (1بط 1: 23).
هل يمكن أن نعتقد أن الكتاب المقدس قد حُرّف خلافًا على تلك الآيات؟
أما فيما يتعلق بموضوع أن الذى صُلب لم يكن هو المسيح، فحاشا لله، وألف حاشا. ذلك إننا نكون بصدد عملية نصب، يُصلَب شخص بينما فى الحقيقة هو شخص آخر؟ كيف يمكن أن ننسب هذا الفعل أو التصرف إلى الذات الإلهية؟ مرة أخرى: حاشا، وألف حاشا.
وفى آخر المقال أتساءل: ألم يذكر الإسلام أن المسيح بن مريم سوف يأتى ليدين العالم؟ من ذا الذى يدين العالم سوى الله؟
أرجو بهذا البحث المتواضع أن أكون قد أجبت على سؤال يتردد كثيرًا لدى الإخوة المسلمين، ومن يريد الإستزادة ويحب أن يقرأ، عليه بقراءة الكتاب المقدس. وأرجو أن أذكِّر الإخوة المسلمين أنه لن ينفع الندم بعد العدم.
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت | عدد التعليقات: ٧٢ تعليق |