بقلم: هند مختار
أيام قليلة ويهل شهر رمضان علينا جميعًا، وشهر رمضان في "مصر" كان- وأنا حريصة على أن أقول كان- له مذاق مختلف تمامًا على الكل مسلمين ومسيحيين..
فقد كان رمضان في السابق شهر للبهجة..فتجد الأوراق الملونة مُعلّقة في الشوارع، والفوانيس اليدوية البديعة، التي يتفنن الصانع المصري في صنعها بالزجاج، والنحاس، وتضاء بشموع ملونة..
كانت الأبواب مفتوحة بين الجميع، وكانت ربات البيوت يتبارين في صنع الحلويات، وكل جارة تكون حريصة على أن تعطي جارتها مما تطهيه، فكان الطبق يخرج ممتليء ليعود ممتلئًا مرة ثانية..
كنت تجد على مائدة الإفطار العم والخال، وكنا أطفالاً نلهو ونحن جوعى عيوننا مُعلّقة على المطبخ والساعة..
لازلت أذكر جارتينا في شقتنا القديمة أم "مريم"، وميس "ليلى" المسيحيتان، وهن يقولان لأمي: إحنا صايمين معاكوا هانشرب ميه بس..ولازلت أذكر حلوياتهما المنزلية اللتين كانتا تبعثان بها للجيران بعد الإفطار تعبيرًا عن روح المحبة..
لازلت أذكر المسلسل الرمضاني، وفوازير "نيللي"، وحديث "الشعراوي"، والتلفزيون الذي كان يسهر فقط في رمضان..
السهرات الليلية في الشرفات مع الضحكات الصافية، ومشاوير الكورنيش، وعصير التمر، وعصير القصب المصري الأصيل لري العطش...
أشياء كثيرة كانت فقط تحوّل شهر رمضان بالنسبة لي على الأقل لشي يجثم على صدري..
فبعد الفوانيس، والزينة الملونة، تتطالعك في الشوارع إعلانات الـ(118) مسلسلًا، التي أنتجتهم الفضائيات، وسوف تكون مقررة علينا طوال العام..
أصبحت تحاصرني إعلانات السمن، والزيت في الشوارع والجرائد...
تطاردني صيحات الرجال: ها نجيب منين لموسم الصيف، ورمضان، والعيد والمدارس؟ تطاردني لعنة البرامج الرمضانية، تطاردني وجبات الدليفري، ولعنة المشروبات الغازية، يطاردني التليفزيون برغبته أن يظل الجميع في المنزل يراقب الشاشة الملعونة؛ حتى تستطيل أذان الجميع لتصبح مثل هذا الحيوان الوديع..
أصبح الفانوس الصيني البلاستيكي اللعين بنغمات "شعبولا" و"عبد الباسط"، وبطارياته تطاردني في كل مكان..
تطاردني الفضائيات الوهابية اللعينة، وأصوات الآذان الخليجية التي لا تتحملها أذني بنغماتها النشاز..
يطاردني التحفز من الجميع للجميع...تطاردني إفطارت الوحدة الوطنية التي تريد أن تقول: "كله تمام"، مع أن الواقع يغلي بالتعصب..
تطاردني أغاني دينية متصنعة، بدلاً من إبتهالات "النقشبدني"، ونغمات الموبايل الدينية..
تطاردني فكرة تحويل كل ما هو جميل إلى سبوبة..الإبتسامة، والمحبة، والعائلة، والجيرة تحولت كلها إلى كلمات بفضل أبطال السبوبة..
سوف أقاوم، وسوف أقول: رمضان كريم للجميع، بدون سبوبة.
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت | عدد التعليقات: ٣ تعليق |