ممكن حدّ ربنا يدِّيله القوة والسلطة، الجاه والمال فيفترى على خلق الله، كده، مزاج... يطلع عُقدُه على الناس ويقرفهم فى عيشتهم؟ وممكن حدّ يبقى فوقيه ألف رئيس لكن العشرة الغلابة اللى تحته يطّلع (عينهم) ويمارس سطوته وساديته وعنفوانه؟ نعم وهذا يحدث كثيراً فى مصر الآن، ولأن العنيف ضعيف أصلاً، لا يتمكن من الحوار، يلجأ إلى الاستقواء بمنصبه أو بعيلته أو ببدلته الميرى، أو بأنه محام أو مستشار أو.. أو.. ويهين من أمامه، يصفعه، يُحقِّر من شأنه، وربما وضعه تحت حذائه، وأسوأ ما يمكن أن يكون هو أن يحدث هذا على الملأ.. والناس تعرف أن فلان وفلانة وعلاّن.. ملطشة الباشا أو البيه المدير أو الريس!
الفتوّة والفتونة وإبراز العضلات وبطش الأحذية الغليظة والأيدى الضخمة على صغار الناس، لا تدل إلاّ على تخلف شديد ونفس وضيعة.
يحدث هذا على كل المستويات، فى شلّة مراهقين، مجموعة شباب، البيت، الحيّ، النادى، المدرسة، الشركة، الكلية، وكذلك المؤسسات الكبرى الحكومية والخاصة.. والمؤسسات بكافة أنواعها تعتمد فى أساسها على البنى آدم، لا على المبانى والمكن، المؤسسة مضمون يشمل السياسى والبوليسى والتعليمى، الاجتماعى والسكانى والطبى، القضائى والصحافى والصناعى، وسوق البنوك والبورصة والتداول .. .. صحتها وإنتاجها ومستقبلها من صحة العاملين فيها، الصغار قبل الكبار، ورقيّها يكون من خلال قدرتها على الإنصات والبوْح وفتح كل المسارات للهواء الطليق والشكوى المحكومة والقدرة على ردْع المفترى والبلطجى والفتوّة، أياً كان.. ابن مين أو وظيفته إيه؟ لابد للمؤسسة وللناس فيها، أن يتشاركوا فى حُلمها وهمّها، وأن تكون أهدافهم واضحة ومستقبلهم إلى حدٍ كبير مضمونا.
وعلى الرغم من أن أبناء المؤسسة الواحدة يحكمهم نظام وظيفى واحد يحدد الثواب والعقاب، الترقّى والرفت، السؤال والاستغناء، إلا أن تكوين الشلل والمجموعات والمعسكرات الكبيرة والصغيرة أمرٌ لا مفرّ منه، ويجب النظر إليه بعين الاعتبار، فمن تضمّهم منطقة سكنية واحدة، أو الذين يأتون من محافظة واحدة، أو المنتمون لحزب ما، يحكمُهم وينظّمُهم الفهم العميق والقدرة على التواصل مع الآخر بسلاسة، وإدراك أن الاختلاف والتنوّع يثرى المؤسسة، وأن الخطر- كل الخطر- يحدث عندما تتحول أى «شلّة» أو «مجموعة» إلى مركز قوة أو أداة ضغط أو سبيل تحكم لممارسات سلبية.
السؤال المهم الآن هو هل البنى آدم ده؟ الذى يضع يده على قفا مرءوسيه وعلى جسد سكرتيراته ويدبها فى طبق طعامه بلا هوادة.. هل هو مطمئن! هل يحُس بضعفه أم أنه يختار ضحيته بعناية، الضحية ليس بالضرورة ضعيفاً لكنه قد يكون فى المكان الغلط فى الوقت الغلط فالمستقوى انتهازى.
الفتونة والبلطجة تطال الكُل ويمكن أن يمارسها الكُل فالجار، الزوجة المفترية، والابن المدمن، الزوج البخيل، البواب، سواق التاكسى، والموظف الصغير الذى لديه ورقة يمسك بها رقبتك.. وبالطبع المخبر والضابط وكل من له صلة بالقانون وتطبيقه.
المفترى الغِتِت اللّبَط السخيف يبحث عن من له شعبية، ويؤدى وظيفته «تمام»، ويخشى تماماً من كشف عورته الضعيفة، ونقص كفاءته.
إن نجاح أى شخص فى مكان عمله حتى لو كان مرءوساً صغيراً يسبب للمدير المفترى، حرجاً بالغاً وخشية نفسية يغذيها وقود هذا (المثالى) .. البلطجى فى أماكن العمل يستهدف القَيم الذى لا يهادن ولا يتنازل عن حق، وتظهر هنا صورة الأسد الجبان الذى يخشاه الجميع لمجرد أنه أسد، ولا يدرون بضعفه وخوفه الداخلى.
وهناك المدير (أو المديرة لأن بعض النسوة فى مواقع النفوذ يكن أكثر شراسة من الرجال)، الفتوة المندفع ببلطجته وصوته العالى وتهزيئه للعاملين تلقائياً يجد صعوبة فى ضبط نفسه ولا تهمه النتائج وقد يتعرض هو نفسه لفعل القهر لاحقاً.
أما هؤلاء الذين يستخدمون أيديهم فى (زقّة) أو (صَفعة) أو (شلّوت) أو تكسير ما هو على المكتب يعد نوعاً متطوراً لا نجده إلاّ فى أماكن العمل غير المحترمة أو أن تكون الست المديرة أو الباشا ثقيل الظل واليد ومسنود الضهر و«مفترى» ومالوش كبير. وهناك-أيضاً- الفتوة بالكلام الذى يهين ويسب ويحقر.
أما أخطر أنواع هؤلاء البلطجية فهم وهن هؤلاء الذين يسيطرون نفسياً ومعنوياً على ضحاياهم، بخلق حالة من الخوف والغضب، باستخدام السخرية والتريقة والمزاح الثقيل، التجاهل، الكذب، أو بسحب المهام الوظيفية من صاحبها وتعريته من مسؤولياته فيصبح بلا فائدةً.
لكن الآن ما العمل؟!
تجاهل ذلك الفتوة! لكن البلطجى زنان ويستمر فى دفعه للأمور، ضع فى اعتبارك فى كل الأحوال أن (العنيف ضعيف)، وأن هذه التى أمامك أو هذا الصائح الصارخ يُحس داخله بعدم الأمان وبالتوتر والقلق والاكتئاب. عموماً مهما كتبنا وقرأنا فلن يفيدك إلاّ أن تنظر لنفسك قوياً فوق الأزمة، أن ترى الفاعل الجانى كسيحاً نفسياً، معوقاً اجتماعيا، غير قادر على تأكيد ذاته إلاّ بالنيل من الآخر الأقل منه مرتبة ووظيفة.
تجَاهَل هذه الفتوة أو هذا المدير، تفَّهم أنه يفعل ذلك لأنه غير سوى وغير آمن، وأنه بأفعاله تلك إلى زوال، دقق فيما قد يبدو له من سمات حسنة فليس هناك شرّ مطلق أو خيرٌ عام، تعامل مع البصيص الإنسانى فى هذا الغول، أربت على ظهره ولا تحاول الانتقام منه لأن هذا هو ما يريده، أن يجرك إلى عالمه ويهدر طاقتك وجهدك وذهنك فى الشجار اللا مُجدى واللا منتج.
لابد وأن يقف أكثر من واحد للمفترى وأن يصدّوه، لابد وأن تكون المواجهة قوية ومحسوبة حتى لا تنتهى نهاية الرصاص بين سويلم وعبد الفتاح فى «أتوبيس المقاولون»، لابد من الفهم والإنصات، هذا باستمرار وبلا كلل ودون خوف أو توقف لابد من التوحد وإبلاغ ذوى الأمر.
الشباب أكثر عرضة للانجراح، لهم أن يتعرفوا على خريطة تلك المواجهات، أن يتدربوا على ممارسة الثقة بالنفس، أن يتحدثوا فى صوت واثق وقادر ومعبر وجريء دون خوف والتصريح جهاراً (عليك أن تتوقف عن تلك المعاملة، لا أسمح لك بالسخرية منى، احترمنى واحترم مشاعري). اخلق مسافة، وشتت انتباه البلطجى، حاول خلْق روح الدعابة لتُميت قلب المفترى، انزع عنه أسلحته دون أن تدع ما يمرّ يتكرر كثيراً.
نقلاً عن المصري اليوم |