بقلم: زهير دعيم
أنام مُطمئناً، فما أن يداعب الكرى أجفاني حتى أطيعه، وأبحر في رحلة هادئة، هائمة، هامسة.
أنام والتّرنيم يُكحِّل شفتيّ، والتّسبيح يملأ كياني... ورغم كلّ هذا فأنا مُقصِّرٌ ألف مرّة تجاه من غمرني بحنانه وخيراته ومحبته، فاعتقني من عبودية عدو الخير، وشدّني بخيوط فدائه إلى العلياء، إلى فوق، إلى البنوّة.
أنام ولا أخشى شيئاً؛ حتى الموت الذي كنتُ أموت منه خوفاً، وترتعد فرائصي عند ذكره، أضحى لا يُخيفني ولا يقضَّ مضجعي.
أنام مُطمئناً، أنا العصبيّ المِزاج، الذي انفلتت أعصابي كثيراً، فصالت وجالت تسرُّعاً، ولكنها اليوم بدأت تهدأ رويداً رويداً، وبدأت تستكين، بعد أن هذّبها ابن الإنسان بروحه الأقدس، بل بدأتْ تقنع وتكتفي وتشبع، بعد أن كانت توّاقة إلى رفع الرّصيد، وكانت قلقةً كلّما هبّت ريح المصروفات، وعصفت زوابع الحياة.
قرأت قصّة سيّدة أمريكيّة مؤمنة سافرت في إحدى الطائرات من ولاية إلى أخرى، وذلك لزيارة ابنتها المتزوجة هناك، وأثناء الطيران حدث خللٌ في أحد محركات الطائرة، فأصاب الخوف والذُّعر كلّ من كان على متنها من القبطان وحتى أصغر المسافرين، وبدا الخوف في العيون دموعاً تسيل وتنهمر، وصراخاً يملأ فضاء الفضاء... الكلّ يبكي ويصرخ، إلا تلك السيّدة المؤمنة، فقد أخذت تُصلّي بهدوء ورصانة وبدون خوف.
وشاءت النعمة والإرادة الإلهية أن تُنقذ الطائرة، فحطّت بسلام على أرض المطار، فانفجرت المآقي الباكية بالبسمات، وافترّت الأفمام العابسة بالضّحكات، وأخذ الكلّ يعانق الكلّ، حتى الطاقم القيادي رقص فرحاً بالنجاة..
وظلّت السيدة تُصلّي وتشكر والطمأنينة تستحوذ عليها، فالتفت إليها أحد الرُّكاب قائلاً: هل لي أن أعرف يا سيدتي سبب الرّجاء الذي فيكِ وسبب الطُمأنينة، فحين كُنّا نصرخ ونبكي كُنتِ أنت هادئة مُطمئنة؟
فأجابت والبسمة تعلو وجهها: كلُّ ما في الأمر يا سيدي أنّني كنت أصلّي للربّ، ثُمّ إنني ذاهبة لزيارة ابنتي المتزوجة في هذه الولاية، وكنت أقول في نفسي إذا لم تشأ الإرادة الإلهية أن ازور ابنتي هذه، فسأقوم بزيارة ابنتي الأخرى المؤمنة، التي انتقلت إلى يسوع قبل سنتين!!
جميلٌ أن نركن إلى القويّ الأمين، الذي يعِدُ ويفي، والأهمّ الذي انتصر على الموت وعلى سلطانه، وأعطانا هذا النصر هبةً مجّانيّة.
ذوقوه ولن تندموا...
ذوقوا الربَ، هذا الإله الرّائع الذي جعل الله العظيم والمخوف عند الكثيرين، جعله لنا أباً، حانياً، شفوقاً، عطوفاً، يمنحنا العطايا بلا حساب وبلا مِنّة.
ألمْ يُعطنا ابنه؟!
ألمْ يجُد علينا بقُرّة عينه؟!
بلى وهبنا يسوع، ووهبنا معه كلَّ شيء، وهبنا الأمل والرّجاء، والتزكيّة، والمحبّة وهدأة البال والنصرة... والملكوت.
يسوع الأحلى والأجمل بكَ ومعكَ نتحدّى الدُّنيا والموت وسلطان الهواء.
يسوع بك ومعك نُحبُّ الإنسان، كلّ إنسان، حتى ذاك الذي يعبد الحجر، وأرفع صلاتي لكي ترحمه وتدخل إلى قلبه، وتُنير ظلمات نفسه.
يسوع، بكَ ومعكَ تحلو الحياة، وما بعد الحياة. |