بقلم : حنا حنا
الحكمه تقتضى أن يكون الانسان مرنا فى قراراته وفى تصرفاته. وهذه المرونه تقتضى ألا يكون الانسان صلبا فيكسر أو لينا فيعسر.
إلا أن الحكمه لا تتعارض مع الصلابه دائما. ذلك أن الحكمه قد تتطلب صلابه فى الامور التى لا يختلف عليها إثنان. أى أن الصلابه تكون فى المثل العليا والقيم والمبادئ الاساسيه. ومن المثل العليا المساواه فى القرارات. وهذه المساواه تعطى صاحب السلطه مهابه واحتراما لأنه لا يفرق بين قرار وآخر ذلك أن المثل العليا رائده والمبادئ السليمه هى مرشده.
بل مقتضى الحكمه أن يكون الانسان مرنا فى قراراته وبالنسبه لقراراته. والانسان يكون مرنا فى قراراته أى يصدر القرارات طبقا لمقتضى الحال والظروف التى تتأثر بتلك القرارات وتؤثر فيها خاصة فى المسائل التى تقتضى المرونه. ويكون الانسان مرنا بالنسبه لقراراته إى أنه إذا تبين أن قرارا ما قد صدر مخالفا لمقتضى الحال, كان مرنا وعدل من قراراته خاصة فى المسائل التى تمس فردا أو مجموعه أفراد أن شريحه من مجتمع أو المجتمع ككل.
هذه – فى عجاله – هى القواعد العامه التى تقتضى الحكمه فى القرارات حتى نلقى الضوء على الموضوع الذى نحن بصدده.
ففى شهر مارس الماضى تم إبرام اتفاق بين محافظ المنيا الدكتور أحمد ضياء الدين ونيافة الانبا أغاثون أسقف مغاغه والعدوه. أحكام هذا الاتفاق هو هدم المطرانيه القديمه لأنها آيله للسقوط وبناء مطرانيه جديده على أرض مملوكه للمطرانيه.
وهناك مبدأ هام تعرفه كل الاطراف والاطياف سواء ذكر صراحة فى أى عقد أو اتفاق أو لم يذكر, وهذا المبدأ هو "حسن النيه فى تنفيذ العقود". فإذا اتفق مقاول مع مالك على بناء مبنى على قطعة أرض, وقد عاين المقاول تلك القطعه, فمن المعروف أن العقد يتضمن أزالة أى مبنى متهدم على تلك القطعه, ولا يجوز له أن يطالب بمبالغ إضافيه مقابل إزالة ذلك المبنى المتهدم. وأى طلب لأية مبالغ إضافيه لازالة المبنى يعتبر إخلالا بالعقد حتى لو لم يذكر ذلك صراحة.
وحسن النيه فى تنفيذ العقود فى كل بقاع الدنيا هو شرط ملزم لكل متعاقد بقوة القانون حتى لو لم ينص على ذلك صراحة فى العقد.
على ذلك, فشرط حسن النيه منصوص عليه ضمنا فى العقد المبرم بين السيد المحافظ ونيافة الانبا أغاثون. ولما كان المبنى القديم متهدما وأصبح يشكل خطرا على المصلين, فمن ثم مقتضى حسن النيه أن تبنى المطرانيه الجديده حتى يتمكن المصلون من أداء فرائض العباده, ثم يتم إزالة المطرانيه القديمه. ورغم أنه من المعروف أن الاقباط –لامؤاخذه- خصوصا الاكليروس يلتزمون بوعودهم والتزاماتهم. ولكن بالفرض الجدلى إذا أخل نيافة المطران بالتزماته بإزالة المبنى القديم أمكن المحافظ بكل بساطه أن يقوم بإزالة المبنى القديم. والتاريخ القريب جدا يذكر ويتذكر إزالة مبنى كان كنيسة للبروتستانت. فما بالك وهناك –لا قدر الله- إخلال باتفاق مكتوب؟
إلا أن السيد المحافظ رغم أنه الرئيس الاعلى فى المحافظه, وأنه ملتزم طبقا للقانون والدستور أن يسوى بين كافة المواطنين والاديان, كما أنه من المفروض أنه يتحلى بالحكمه فى قراراته وفى تنفيذ تلك القرارت, إلا أنه أصر على عدم إقامة المبنى الجديد إلا بعد إزالة المبنى القديم والسور والصليب. وغنى عن البيان أن ذلك التعنت غير المنطقى ينآى بالسيد المحافظ عن مبدأ حسن النيه أو الحكمه.
سمح السيد المحافظ بكل تعنت وغلظه بل وفظاظه أن يترك المصلين المسيحيين يصلون فى خيمة فى قيظ الصعيد فى فصل الصيف غير عابئ بالنساء والاطفال والشيوخ وما يتكبدونه من أجل عبادة الخالق ولسان حاله يقول "على هؤلاء الكفار أن يتحملوا نتيجة كفرهم" وكأنه هو الوحيد منظم هذا الكون ونسى ماقيل فى الاسلام "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحده". ولكن السيد المحافظ أعلم بكل السمائيات من الكتب السمائيه.
ورغم أن الاقباط فى المحافظه قد عبروا عن احتجاجهم أمام العالم, ورغم أن السيد المحافظ وضع نفسه فى موضع لا يحسد عليه بالنسبه لتعنته غير المنطقى, إلا أنه قد أصر على موقفه لا يتزعزع وكأن هذا هو جادة الصواب وليس قمة الجهل, فأصر على إزالة المبنى القديم بالكامل ودورة المياه والسور وكذا"الصليب". ولو كان السيد المحافظ على شئ من الثقافه لادرك أنه مكتوب فى الكتاب المقدس "الصليب عند الهالكين جهاله أما عندنا نحن المخلصين فهو قوة الله".
هذا الموقف غير المنطقى من قبل السيد المحافظ يذكرنى بتلك الفكاهات والنكات التى صدرت عن الصعايده. فالصعيدى الجاهل إذا قال كلمة لا يتزحزح عنها حتى لو اصابته بضرر بليغ أو جعلته فى موضع سخريه. ومهما شرحت له لا يكون رده إلا ".... لع..." ويكرر
".. لع .." هذه بصوره غير منطقيه لأنه يعتبر ذلك قمة الشهامه والرجوله لأنه "دكر" لا يرجع فى كلامه, فهو بذلك يعبر عن حماقه.
من هنا كانت خطورة عدم اختيار الرجل المناسب فى المكان المناسب. فقد أثبت السيد المحافظ أنه يفتقر إلى حد بعيد إلى الحكمه فى قراراته وفى تعنته فهو لا يؤمن بالمساواه بين طوائف الشعب فى محافظته فقد ساهم وعمل على بناء مسجد فاخر للمصلين المسلمين أما المصلون الاقباط فهم لا يتساوون مع شركاء الوطن. من هنا كان السيد المحافظ فى سلوكه غير الدستورى وغير المنطقى وغير الانسانى خلوا من الحكمه والعداله بل والحنكه.
وأود أن أنوه إلى أن المحافظين ينفذون سياسة الدوله أو على وجه الدقه ينفذون الخطوط الرئيسيه لسياسة الدوله, فإذا أخل أى محافظ بتنفيذ تلك السياسه يقيله فورا رئيس الجمهوريه. ولكن نلاحظ أن السيد محافظ المنيا يتمتع بالسلام الكامل. لماذا؟ لأنه وبكل وضوح ينفذ سياسة الدوله. تلك السياسه التى إذا وصفناها بكل حسن النيه تكون "سياسة فرق تسد".
وإننا ليس لنا سلطة تغيير الاوضاع فى مصر ومن باب أولى ليس لدينا سلطة تغيير المحافظين ولكن من حقنا كمواطنين أن نقيم كل رجل على قمة السلطه.
وعليه يكون من حقنا أن نصف السيد أحمد ضياء الدين محافظ المنيا بأنه محروم كلية من أى حكمه. أما عن اضطهاده للاقباط فأود أن أذكره بالمرحوم السادات. |