بقلم: ايهاب شاكر
لا يُخفى علينا أن الكثير من الدول تسنّ القوانين لمنع الإزعاج، ومنها منع استخدام آلات التنبيه في بعض الأماكن، وخصوصًا بالقرب من المستشفيات. ومثل هذه القوانين هي من سمات التحضّر والرقيّ، وتعكس وعي الحكومة واهتمامها براحة المواطن، وخصوصًا المريض.
ومركز حديثي هنا هو عن "آذان صلاة المسلمين".. هذه الطريقة البدائيّة لتذكير المسلمين بموعد صلوات الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والذي مع التقدّم الهائل في مجال التكنولوجيا يُذاع عبر مكبّرات الصوت الّتي تعمل بالكهرباء، وتؤدّي إلى تضخيم صوت المؤذِّن، أو بالأحرى تضخيم تسجيل صوت المؤذّن المسجّل على الشريط في أحيان كثيرة، إلى درجة تمكنّ ذاك الصوت المزعج من الوصول إلى مسافة (2) كيلو متر على الأقل، إن لم يكن أكثر بكثير…
تُرى أيّ نوع من الإزعاج والمضايقة غير اللائقة يمكن تصنيف صوت المؤذّن عبر مكبّر الصوت؟؟؟
هل من التحضر أن يعلو صوت المؤذِّن عبر مكبّر الصوت إلى مسافة (2) كيلو متر عند الساعة الرابعة والنصف أو الخامسة صباحًا؛ لكي يوقظ بذلك كلّ الناس النائمين بمن فيهم الأطفال؟!
وفي الحقيقة، موضوع الأطفال هذا هو ما دعاني للكتابة في هذا الموضوع، فقد أعطاني الله ابن عمره الآن شهران، ومنذ أن جاء لعالمنا، ويوميًا، عند انطلاق مكبِّر الصوت الفظيع لإذاعة آذان الفجر، ينفجر الطفل الرضيع في الصراخ والبكاء، مخضوضًا منزعجًا، وكأنه يريد أن يقول: "أعيدوني حيث كنت، حيث الهدوء واحترام آدميتي".
ما أعرفه أن الأذان هو لمعرفة المسلم بموعد الصلاة، وربما كانت هذه الطريقة جائزة في القديم، أيام لم يكن هناك ساعة في اليد، وأيضًا لم يكن هناك مكبرات الصوت المزعجة للكل، لكن ما الداعي إليها الآن؟! فالكل يستطيع ببساطة وسهولة معرفة موعد أداء الصلاة.
وفي الحقيقة، ينزعج الكثيرون من صوت الأذان في مكبّر الصوت، حتى بعض المسلمين أنفسهم، حتى أن الكاتب والشاعر "أحمد عبد المعطي حجازي" كتب في "الأهرام" منذ فترة:
"قبل بضعة أيام لاحظت أن السيد القائم علي نشاط الزاوية التي تحتل جانبًا من الطابق الأرضي في العمارة المواجهة للعمارة التي أسكن فيها، رفع صوت الميكروفون الذي يستخدمونه في الأذان، وفي إذاعة شعائر الجمعة إلي حد لم نعد نطيقه، لا أنا، ولا بقية أفراد الأسرة صغارًا وكبارًا، خاصة والميكروفون المنصوب علي أعلي العمارة التي يفصلها عنا شارع فرعي يواجه غرفة نومي كأنه مصوب عليها. ولم أجد بدًا من الإتصال بقسم الشرطة؛ حيث وجدت ضابطًا شابًا أحسن الإنصات لي، وأرسل أحد الأمناء ليحقق الشكوي، ويطلب من القائم علي نشاط الزاوية أن يتلطف في استخدام الميكروفون حتي لا يتحول إلي آلة لإزعاج الجيران، ومع ذلك فقد حرص الضابط الشاب علي أن يذكرني بأننا في بلد إسلامي!.
(وأضاف): لم أكن بالطبع غافلاً عن هذه الحقيقة التي يعرفها الجميع، لكنني أخذت أتساءل بيني وبين نفسي علي العلاقة بين ما شكوت منه، وما ذكّرني به الضابط الشاب، هل يفرض علينا الإسلام أن نستخدم الميكروفون في الدعوة للصلاة؟ وفي أي كتاب جاء هذا الغرض؟ وعند من من أصحاب المذاهب الإسلامية؟"
وبالطبع لاقى ما لاقاه من انتقادات على مقاله، بل وبعض الشيوخ بدأ في معاداته (والتلكيك) له، ومقاضاته على كل صغيرة وكبيرة.
تخيلوا، لا لا تتخيلوا فأكيد أنتم ترون بل تسمعون كل يوم خمس مرات صوت مكبرات الصوت وهي تعلو، وخصوصًا عند الفجر والناس نيام، ومنهم من عنده عمل في الصباح الباكر، ويريد الراحة من عمل الأمس ليستطيع المواصلة في يوم جديد، ومنهم المريض من يبغي الهدوء حتى ينعم الله عليه بالشفاء، وأحيانًا الطالب الذي يود المذاكرة في هدوء الليل؛ هربًا من ضوضاء النهار البشع في بلدنا من أبواق السيارات وغيرها، ويفاجئه مكبّر صوت الأذان، وهناك الكبار الطاعنين في السنّ، والعاجزين، والمعوّقين، والمسيحيين الّذين لا شأن لهم بهذا.
في النهاية أنا لست ضد أن يقيم أي إنسان شعائر دينه ويمارس عبادته لله كيفما شاء، لكني ضد أن يفعل أي إنسان ذلك، وتكون النتيجة هي إزعاج الآخرين.
كان هناك الكلام الكثير عن توحيد الأذان، فلا أعلم ما أخره هو ربما أُلغي، أو ربما كان مجرد كلام، لا أعلم، لكن أتمنى أن يتم الأمر بسرعة، لندل على أننا بلد متحضر، وأيضًا رفقًا بابني الصغير حتى يستطيع النوم. |