CET 01:00:00 - 24/04/2009

مساحة رأي

بقلم: د. وجيه رؤوف
كثيراً ما أرى بعيني الأطفال في الحدائق العامة حينما يبتعدون عن أهلهم ويشكلون فرقاً للعب معاً فتجدهم من عائلات مختلفة ومن فئات مختلفة, فالأطفال بطبيعتهم بسطاء لايميلون إلى التعقيد فالطفولة والبراءة تجمعهم، فلعب كرة القدم مثلاً لا يحتاج أن تسأل من يشاركك اللعب عن عقيدته ولكن تساله إن كان يود اللعب معك أم لا، وتبدأ المبارة وتنتهي وربما لا يعرف الأطفال أسامي البعض الآخر ولكنهم فرحوا بقضاء وقت طيب معاً.
هكذا الروح البريئة التي خلقها الله سبحانه وتعالى طاهرة بريئة لم تتلوث بعد لأن الله طاهر ويخلق الأشياء طاهرة, إذ أن مخلوقات الله التي خلقها خلقها طاهرة أما إذا تلوثت فيما بعد فيجب البحث عن أسباب هذا التلوث ودراسته للخلوص إلى نتيجة تمنع استمرار هذا التلوث في الأجيال القادمة وهذا هو ما يهمنا.
في بداية إلتحاقي بالجامعة في كلية الطب في أسيوط وكنا مقبلين على الحياة فقد التحقنا بهذه الكلية بعد جهد جهيد ومذاكره باجتهاد، ومن المعلوم أن كلية الطب تحتوي على الطلاب المميزين والحاصلين على أعلى الدرجات بالثانوية العامة, المهم جمعني بالمدرج أكثر من مرة الصحبة مع زميل لي وتعرفت عليه وعرفت أن اسمه فتحي وهذا كل شيء، ونمت بيننا صداقة الزمالة والدراسة من أخذ المحاضرات من بعضنا البعض وتبييضها وشرب الشاي معاً في الكافيتريا الخاصة بالجامعة, المهم أصبحنا أصدقاء ولم يتطرق أي منا إلى أمور خاصة بالآخر ولم نتدرج إلى معرفه إلى أي طائفة ينتمي أي منا لأننا لم نكن نضع ذا بال على هذه الجزئية ولم نسعى إلى معرفتها, وفي يوم جاء إليّ فتحي قائلاً لي: وجيه تعال معى توجد أجندة ورقية مدعمة في شئون الطلبه توزع على طلاب كلية الطب فتعال معي لنشتري شيئاً منها، فقلت له: ياللا بينا يا فتوح, وذهبنا إلى مكتب شئون الطلاب والذي كانت المسؤولة عنه مدام مهذبه جداً ومحجبة ولكنها ألوفة في الحديث أعتقد أن اسمها مدام وفاء على ما أتذكر وكان هذا الحديث.
مدام وفاء: أيوة إيه طلباتكم يا دكاترة؟
فتحي: عايز أجندة.
مدام وفاء: اسمك إيه؟
فتحي: فتحي.

مدام وفاء: فتحي مين؟
فتحي: فتحي محمد.
فمدت مدام وفاء بيدها إلى رف بالدولاب وأعطته رزمة بها أجندة وقالت له: اتفضل.
فسألها فتحي: مطلوب كام يا مدام؟
فردت عليه بإشاره من وجها معناها أنه ليس مطلوب شيء ثم التفتت إليّ سائلة: أيوة أي خدمة؟
وجيه: أيوة يا أفندم عايز أجندة؟
مدام وفاء: اسمك إيه؟
وجيه: وجيه يا أفندم.
مدام وفاء : أيوه وجيه مين؟
وجيه : وجيه رؤوف يا أفندم.
مدام وفاء: معلهش وجيه رؤوف ميين؟
وجيه: وجيه رؤوف أيوب يا أفندم.
مدام وفاء: وجيه رؤوف أيوب مين؟
وجيه بعد أن فهم مغزى السؤال: مسيحي يا أفندم.
فأطرقت مدام وفاء بصورة مهذبة نظرها إلى أسفل وفي أدب شديد قالت لى: معلهش أنا آسفة ولكن طلبية الأجندة دي جايه من بنك فيصل وهي منحة قاصرة التوزيع على المسلمين فقط, بأكرر أسفلي لك.
فأجبتها بدورى حتى أرفع الأسى والضيق الذي اعتراها من الموقف: لا ما فيش حاجة يا مدام وفاء أنا كنت فاكر أنكم بتبيعوا الأجندة وأنا جاي أشتري.. عموماً ما فيش مشكلة أكيد هلاقي في المكتبه.. سلام، وخرجنا أنا وفتحي الذي رأيت على وجهه ملامح الضيق مما حدث وبادرني بالكلام: أنا آسف يا وجيه من الموقف ده والله أنا ما أعرف القصة دي ولو عايز الأجندة خدهم أو نقسمهم مع بعض.
فأربت على كتف صديقي فتحي بلطف قائلاً له: تعيش يا فتحي أجندة إيه وكتب إيه الموضوع أكبر من كده يا فتحي الموضوع أكبر من أجنده وللا كتاب.. الموضوع موضوع فرز طائفي، أنا لا كنت أعرف إنك مسلم ولا كنت أنت تعرف إني مسيحي وكنا عايشين مع بعض أصحاب وزي الفل، النهاردة عرفنا إن إحنا مختلفين من هنا هتبدأ المشكلة.
فأجاب فتحي: عمري يا وجيه إحنا أصحاب وهنبقى أصحاب طول العمر.
كنت أتمنى أن يكون ما قاله فتحي لي حقيقي وأن تستمر صداقتنا لأنه إنسان متفتح حبّوب، ولكن ما أخشاه قد حدث فقد التف حوله البعض الذين أفهموه الولاء والبراء وكل على دين خليله حتى وجدت أن فتحي قد انسحب رويداً رويداً حتى لم أعد أراه, كل هذا كان يحدث بعلم من قياده الجامعة وأساتذتها اللذين رسّخوا للطائفية داخل الجامعة مما دفعنا إلى التحويل من أسيوط إلى جامعة أخرى حتى نستطيع التنفس قليلاً.
ومن أسيوط ومن هم على شاكلتها إلى الخبر الذي سمعناه منذ عدة سنوات من قانون منع الملصقات الدينية على السيارات، واستبشرنا بهذا الخبر خيراً حيث أن منع الملصقات الطائفية سوف يؤدي إلى الإقلال من انتشار الفرز الطائفي في المجتمع، وأسرع الأقباط في ساعتها إلى إزالة الملصقات الدينية، حيث من المعروف عن الأقباط أنهم سباقون إلى إظهار الولاء للقيادة، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن حيث انتشرت على العربات الملصقات الوهابية التي تدعو إلى الفرز الطائفي، وبرغم قوه قانون المرور الجديد فإنك تجد أثناء فحص السيارات بالمرور تقف السيارات شامخة وعليها الإعلانات الوهابية ولا يجرأ ضابط المرور ولا مهندس الفحص من طلب إزالة الملصق قبل الترخيص، ويا عجبي.. في الوقت الذي بادرت فيه القيادة الدينية القبطية في مصر باستنكار أقوال البابا بندكت التي قال فيها أن الدين نُشر بالسيف كما بادر أقباط مصر باستنكار هذا الكلام نجد إخوتنا في الوطن يرسمون السيف على سياراتهم ويا عجبى؟
ومن هنا إلى الفاضلة صاحبة الكوفي شوب التي منعت غير المحجبات من ارتياد الكافيه، ومن هذا وهذا إلى أعلى رتبة علمية في المجتمع حين تقرر أن نقل الأعضاء بين مختلفي الديانات حرام, ها نقول إيه وللا إيه وللا إيه.
برجاء الإنتباه لكل من يزرع بذور الطائفية وينشر بذور الفرز الطائفي في المجتمع, وهنا نقول من يزرع الشوك إياه يحصد..

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ١٦ تعليق