بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
أكتب كلماتي هذه تعبيرًا عن إحساسات متباينة تتراوح بين التردد والالتزام بعدم إدانة الآخرين -كما علمنا "السيد المسيح", والغضب والاضطراب والقلق والشعور بالمذلة.. ثم أخيرًا بعض الارتياح بعد انتهاء الأزمة التي سأتناولها.
تناتبني هذه المشاعر وربما أكثر منها بدرجات متفاوتة من الشدة, وكلها تتعلق بحادث غياب السيدة "كاميليا شحاتة", حرم جناب "القس تدّاوس سمعان" كاهن كنيسة مارجرجس بدير مواس بالمنيا.
أبدأ أولاً بالاعتراف بأني على غير علم مؤكد بمبررات غياب السيدة عن أسرتها لمدة تقارب الستة أيام، لذلك لم أجد مفرًا –ككل مَن اهتم بهذا الأمر- من تبني أحد احتمالين لأسباب ذلك الغياب: أولهما الإبعاد القسري بواسطة شخص أو جماعة سعت لمثل هذا الإجرام لدوافع دنيئة نعلمها جميعـًا، وكثر الحديث عنها والشكوى منها في هذا الأيام المتوترة.
وثانيهما يعزى إلى خلاف أسري وقع بين السيدة وزوجها الأب الكاهن.
لن أتطرق إلى محاولة تبيان أكثر السببين احتمالاً في اعتقادي، حيث أنه لا علم لي بأية تفاصيل خاصة عن هذا الأمر سوى ما قدمه لنا الإعلام.
ولن أتطرق كذلك إلى الحديث عن احتمال الإبعاد القسري؛ ليس لعدم اقتناعي بإمكانيته, بل لأن الكثيرين ممَن هم أثقب مني فكرًا وأقوى حجة وأكثر بلاغة قد تناولوا ذلك بجدارة، ولكنني قررت التصدي للتفسير القائل بوجود خلافات زوجية أدت إلى ابتعاد السيدة عن منزلها بكامل إرادتها.
لذا.. كان من المحتم عليّ أن أراعي أمرين: الاعتذار المخلص وبكل تواضع للسيدة الجليلة؛ إن لم يكن هذا هو سبب ابتعادها.
ثم إلقاء جانب من اللوم على زوجها بصرف النظر عن قدر إسهامها في إحداث الخلاف والشقاق؛ ذلك لأنه كاهن وما يقتضيه هذا الشرف وهذه المسئولية من محبة وافرة واحتمال وصبر وعطف ورحمة وحكمة, ذلك مع وعيي التام بأن الكاهن هو أيضًا من البشر.
كان الغضب هو أول انفعالاتي؛ فقد عاد ذهني لمآساة "وفاء قسطنطين"، ألم تتذكر السيدة "كاميليا" ما جلبته هذه السيدة على الأقباط وعلى الكنيسة من متاعب جعلت الذئاب ما زالت تعوي إلى الآن، وبعد ست سنوات "حزنـًا" على فقدان دين الحق لتلك الدرة الثمينة, وعويل ذوي الدوافع الإجرامية متهمين الكنيسة بحبسها رغمًا عنها، وتعذيبها لإجبارها على التخلي عن الإسلام العظيم وإطعامها للأسود الجائعة المحتجزة خلف أسوار الأديرة.
هل تناست السيدة "كاميليا" ما يُقال عن أن الكنيسة القبطية التي تعاني الأمرين من اضطهاد الدولة بأنها أصبحت دولة داخل هذه الدولة بسبب حادث "وفاء قسطنطين"؟
ألم ترى وتسمع تهكمات السوقة والرعاع ممَن يدعون ممارسة مهنة الصحافة على قداسة البابا لأنه "انتزع الشهيدة وفاء" من أحضان الإسلام الرحبة الدافئة؟
ألم تتذكر لوعة الشعب القبطي على فقدان كرامته وإذلاله بالتعدي على محارم رجال الكهنوت؟
وماذا عن المعاناة بالتصدي لألاعيب الدولة غير المشرفة و"أمنها" الوهابي؟
ألا تعلم السيدة "كاميليا" أن غريزة الانتقام الوضيعة دفعت المسعورين إلى زيادة حمى اقتناص القصر من بنات الأقباط عوضًا عن الشهيدة "وفاء قسطنطين"؟
ألم ترى حسرة وعناء أبناء بلدتها وتعرضهم للمشقات والأخطار، وهم يحاولون استعادتها واسترجاع هيبة الكنيسة.. بينما قبعت هي في مخبأها بلا صوت ولا خبر؟؟
كيف يكمن مثل هذا التحجر في عقل وقلب سيدة متعلمة وأم لطفل ذو عامين؟
أين التحسب على ما قد يجري من مذابح بين المصريين من جراء اختفائها؟
أين الخوف على سلامة الوطن في زمن انعدم فيه الاستقرارتمامـًا أو يكاد؟
وماذا يقول عنا شركاؤنا في الوطن من المسلمين عندما تظهر الحقيقة ويتبين للجميع أن أحدًا لم يختطفك؟
كيف ستكون معاناة مَن سيُختطفون بعد ذلك فعلاً بعد أن أثبت الأقباط أنهم كاذبين في إدعائهم باختطافك؟؟ وإلى أي مدى ستنحدر مصداقية الأقباط أمام الدولة والعالم؟
ألا ترين الأنانية وسوء التصرف وعدم المبالاة بجلال الكهنوت وهيبة الكنيسة؟
هل انغلق فكرك عن طلب العون من عقلاء أسرتك ورئاسة كنيستك؛ فتعيدين تجربة ومغامرة "وفاء قسطنطين" الهوجاء؟؟
ألا تعلمين أن ما اقترفته من سلوك هو أسوأ مما اقترفته "وفاء قسطنطين" التي ربما لم تكن تتوقع مدى عنف رد الفعل الناتج عن تهورها، حيث أنه كان يجب أن يكون في تجربتها تحذير كاف لكِ بعدم التكرار والوقوع في ذات الخطأ؟
هل أخذتِ في الحسبان موقف نيافة الأسقف وتكتمه وامتناعه عن الإفصاح عن سبب تغيبك، لما في ذلك من حرج يرجع إلى نشر الغسيل القذر على العالم؟ وضرورة الاعتذار عما قيل عن اختطافك قسرا؟؟
فهل كان التستر على حقيقة أمر اختفائك من قبيل عدم التعرض لحياة الكاهن الخاصة؟؟ أم أنه شرط من شروط الدولة وضعته كثمن لإعادتِك إلى الكنيسة بعد اختطافك؟ وبذلك يحفظ للدولة بعض ماء الوجه؟
يا تاسوني.. لو كان هروبك بمحض غرادتك لحق للمصريين المطالبة بمحاكمتك لتعريض أمن مصر لخطر مذابح لم يكن يعلم مداها إلا الله، وينطبق رأيي هذا ايضًا على مَن "استضافتك" عندها لعدة أيام؛ رأت فيها البلاد وقد غدت قاب قوسين أو أدنى من الانفجار.
هل كان ما فعلتِ رعونة أم سوء تقدير أو قلة فهم أو أنانية مفرطة أو عدم مبالاة بأخطار بالغة أم أن الرعب قد تملك عليك بعد أن تبين لكِ مدى وقع سلوكك على البلاد؟
الله وأنتِ والمسؤولون في الكنيسة والدولة أعلم.
أما نحن باقي شعب مصر فسنبقى مرتعـًا للشكوك والإحساس بالوقوع تحت الوصاية كالأطفال؛ طالما لم تُعلَن لنا الحقيقة كاملة, سنعاني أيضًأ الكثير من الترقب والخوف من أن تعيد أخريات من الزوجات المحبطات, أو مَن شبه لهن
ذلك, مغامرتِك الرعناء أنتِ و"الشهيدة وفاء".
مرة أخرى أقدم للسيدة "كاميليا شحاتة" خالص اعتذاري -وبتواضع جم- إن كنت قد أُبعدتِ عن بيتِك وأسرتِك قسرًا وعلى غير إرادتك.
وأنت يا أبونا... ابقى خف إيدك شوية انت كمان |