بقلم: ميرفت عياد
كان الجو حارًا، والشمس في منتصف النهار، تُسلط أشعتها بعنف لدرجة أنك تظن أنها تريد الانتقام منك، وارتفاع نسبة الرطوبة يُزيد الأمر سوءًً على سوءٍ، وكنت أقف أنتظر وصول الأتوبيس لمدة نصف الساعة لكنه لم يأتِ بعد؛ فقررت أن أسأل معاون الموقف عن ميعاد وصول الأتوبيس، فرد عليّ ببرود: "كله حسب تساهيل ربنا"، فقلت له: "من المفروض أن يكون للأتوبيس ميعاد"، فأجاب كمَن يعطيني درسًا في الأخلاق: "يا بنتي.. الصبر طيب، وربنا فرجه قريب".
ولا أخفيكم سرًا أنني زهقت وتعبت من الانتظار، وهذا ما جعلني أقرر أن أركب تاكسي ليقيني من ضربة شمس مؤكدة إذا ظللت أقف انتظارًا للأتوبيس لساعات طويلة، لا يعلم عددها الا الله سبحانه وتعالى.
المهم.. شاءت الأقدار أن أجد تاكسي يوافق على أن يستقلني إلى حيث أريد، وكان أسلوبه يدل على أنه إنسان جامعي؛ فأخذت أتجاذب معه أطراف الحديث عن حال البلد وأزمة المرور؛ فحكى لي عن قصة آثارت عجبي أريد أن أقصها عليكم.
كان لسائق التاكسي هذا صديق مهاجر إلى إحدى البلاد الأوربية، وكان هذا الشخص يسكن في مقاطعة تقع على أطراف المدينة، وفي إحدى الليالي فوجئ بخبطات عنيفة على باب منزله، ففتح الباب.. فإذا بأحد جيرانه يطلب أن يسعفه على أقرب مستشفى، فما كان من صديقنا المصري إلا أن استقل سيارته وأخذ يجري بسرعة شديدة مخالفـًا جميع تعليمات الطريق حتى ينقذه، وبالفعل تم إنقاذه.
وبعد عدة أيام فوجئ أيضًا صديقنا المصري بخبطات متتالية على الباب، ففتح ووجد هذا الجار يقدم له باقة من الزهور والشكر والعرفان بالجميل، وأنه سيظل أسير معروفه، ومع تلك الباقة جواب من المرور برصد لجميع المخالفات التي قام بها في سبيل إنقاذ حياته، وتأسف هذا الرجل لجاره المصري لأنه أبلغ عما قام به من مخالفات وانتهاك لقوانين المرور الموضوعة في سبيل إنقاذه، وأنه على استعداد لدفعها.
مؤكدًا له أنه تربى على أن صالح بلاده وقوانينها يجب أن تُحترم، حتى لو كلفه هذا حياته، وأن بلاده لن تفقد تقدمها بموت شخص، ولكن ستفقد إزدهارها وحضارتها بخرق القوانين الموضوعة لصالح جميع أفراد الشعب.
وهنا أحسست بحجم الفجوة المرعبة بيننا وبين هؤلاء الشعوب التي تربت على الانتماء لبلادها واحترام قوانينها، وتفضيل المصلحة العامة على المصلحة الشخصية.
كانت تلك القصة عجيبة بالنسبة لي من سائق تاكسي، فالمعروف عن تلك الفئة من المجتمع أنهم يخترقون الكثير من قوانين المرور بطبيعة عملهم طيلة النهار في الشوارع والزحام، إلا أنني وجدت سلوك هذا السائق مختلفـًا، فوجدته يحترم الإشارات المرورية، ولا يتسابق مع السيارات، ولا يأخذ "غُرز" -بلغة السائقين- فتمنيت أن تصل تلك الرسالة إلى جميع أهل مصر، ليس في قوانين المرور فقط، بل في جميع القوانين التي تسنها الدولة، كما يجب أن تراعي الدولة عند وضع القوانين الصالح العام وليس صالح فئات محددة، حتى تنشأ الثقة في تلك القوانين، وبالتالي نكون قد وضعنا أرجلنا على أول طريق الرقي والتقدم. |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|