"بنتين من مصر" مشاهده مؤثرة في ظل صورة وموسيقى معبرة فنجد الفتاة "حنان" –والتي جسدت شخصيتها الفنانة "زينة"- ظلمتها الحياة؛ فقد وصلت إلى سن الثلاثين من عُمرها ولم يتقدم لها أي عريس، مما جعلها تتجه لأحد مكاتب الزواج، وكانت طلباتها عبارة عن شبكة رمزية ومهر، والزوج عُمره 38 سنة، ورغم ذلك لم يتقدم لها عريس؛ فعدّلت في طلباتها أنه من الممكن أن يكون عُمر العريس40 أو 42 سنة، ولا تريد شبكة، ثم عادت وأضافت أنها لا تريد فرحًا، ومع ذلك فحظها كان سيئـًا ولم يتقدم لها أي عريس رغم تنازلاتها، فكادت أن تيأس من الحياه وتصيبها الكآبة. فهي فتاة مثالية منذ أن كانت طالبة، وحتى عندما تولت إدارة مكتبة إحدى الكليات فازت بجائزة الموظفة المثالية بالكلية، وسلوكياتها سليمة وتعاملاتها مع كل المحيطين بها طيبة، فلماذا لم تُتح لها الفرصة مثل أي فتاة للزواج والإنجاب والحياة الزوجية السعيدة؟!! فهذا فقط هو طموحها دون أية تطلعات أخرى كما نرى في فتيات اليوم، وعندما دق قلبها لزميل شعرت بالارتياح نحوه، صُدمت عندما تقابلت معه وطلب منها أن تتحدث مع زميلة لها عنه كي يرتبط بها؛ فهو يفضل السن الصغير في الزواج، فلم تتمالك "حنان" نفسها ودمعت عيناها. فكرت "حنان" في الذهاب إلى طبيبة من أجل زيادة حجم ثدييها اقتناعـًا منها بأن هذا ممكن أن يجذب أي رجل، لكن الطبيبة قالت لها أن حجم ثدييها مناسب جدًا لعمرها. وعندما عرضت الأمر على ابنة عمها الطبيبة "داليا" -والتي جسدت شخصيتها الفنانة الأردنية "صبا مبارك"- انفعلت جدًا وسألتها عن كيفية هوان نفسها وجعلها رخيصة لهذه الدرجة؟؟ فأجابتها "حنان" أن هذا سببه البنات سيئة السمعة اللاتي منحت للرجل الحق في طلب أي شيئ قبل الزواج. وبالفعل ذهبت "حنان" مع هذا العريس إلى عيادة طبيبة أمراض نساء، وأوصل العريس للطبيبة أهما تزوجا وأن غشاء البكارة لم ينفض رغم أن العلاقة الزوجية جيدة، فقامت الطبيبة بالكشف عليها وأكدت أنها سليمة وعذراء وغشاء البكارة رقيق جدًا مما يؤكد أنها لم تخض أي تجارب جنسية، عندئذ اضطرت "حنان" إلى إعلان الحقيقة كاملة للطبيبة، والغريب هو انسحاب هذا العريس بعد هذه المقابلة بدون أي مبرر منطقي، إلا أنه من الواضح أنه كان مريضًا نفسيًا. ولم يكتف القدر بفشل "حنان" في البحث عن عريس، بل تتألم من نزيف مفاجئ يلحقه نزيف أخر خلال شهر، مما يجعل الطبيب المعالج لها يطلب منها أخذ عينة لتحليلها؛ لشكه في وجود ورم، ولمعرفة نوع الورم حميد أم خبيث؟ ألم جديد يُضاف إلى آلام "حنان" لكنها تتحمله وتصمد وتنتظر نتيجة التحاليل، وكان آخر يوم فى شهر "رمضان" -أي ليلة العيد- وكانت خائفة جدًا وهي في عيادة الطبيب ومعها ابنة عمها "داليا"، لدرجة أنها تركت المكان عندما دخلت "داليا" لتأخذ من الطبيب نتيجة التحاليل، لكن تلحقها "داليا" لتبشرها بأن الورم حميد؛ فتعود إلى الطبيب الذي ينصحها باستئصال الرحم خلال سنة ونصف لعدم حدوث أورام أخرى يمكن أن تكون خبيثة، فتطلب منه "حنان" أن يمهلها سنتين حتى تستطيع أن تتزوج وتنجب ثم بعد ذلك يفعل بها ما يفعل. سلسلة من المشاهد المتتالية المؤثرة، هذه الفتاة البسيطة المثقفة المثالية الجميلة، التي لا تتمنى إلا الزواج والإنجاب والحياة الأسرية السعيدة، والابتعاد عن أي سلوكيات غير أخلاقية دون أن تكون لها أية أهداف أخرى؛ فتعاني هذه المعاناة الشديدة. كلنا تعاطفنا مع هذا النموذج الإيجابي لفتاة من مصر، كما تعاطفنا مع نموذج إيجابي أخر لفتاة أخرى تتفق معها من حيث الجمال والثقافة والمثالية والبساطة، وهدف الزواج والإنجاب والحياة الأسرية السعيدة والسلوكيات الأخلاقية؛ إنها الطبيبة "داليا"- "صبا مبارك"، عُمرها 32 سنة، وتبحث أيضًا عن عريس، وتغامر في سبيل أن تجد هذا العريس لدرجة انضمامها لجبهة معارضة داخل نقابة الأطباء؛ لاعتقادها أن التعرف أكثر على الناس يتيح لها الفرص للزواج، ولكنها لم تشعر بأن هذا الاتجاه سلاح ذو حدين. فقد تواجه شخصيات لا تتفق وآرائها واتجاهاتها، وبالفعل تلتقي "داليا" بـ "رامي وحيد" صاحب الميول السياسية والآراء المعارضة، كما يتضح لها بعد فترة أنه مخادع، وباطنه يختلف تمامًا عما يتظاهر به، فتتركه وتنسى حبها له وتتعلم من هذه التجربة. تخوض "داليا" تجربة جديدة مع شاب مهندس زراعي جسد شخصيته الفنان "طارق لطفي" عن طريق مكاتب الزواج، حيث كتبت اسمها "زينة"، وهو من الشباب الذي حصل فور تخرجه على أرض زراعية في الصحراء كمنحة من الحكومة لاستصلاحها، ويصارح "داليا" بوضعه هذا؛ فتقبل الارتباط به والكفاح معه والعيش معه وفقـًا لظروفه البسيطة، لكنها تصطدم عندما يفاجئها بأنه لابد من سفره بسرعة وهروبه للخارج؛ لحصوله على قرض من البنك وعدم سداده، حتى لا يصدر حكم ضده فلا يستطيع السفر، ويعتذر عن استكمال علاقته بـ "داليا"، وتنتهي التجربة الثانية دون زواجها، وتضطر للعودة إلى علاقاتها عبر الإنترنت فتلتقي بـ "جمال" -الذي جسد شخصيته الفنان "أحمد وفيق"- وهو مترجم وناقد للمجتمع الذي يعيش فيه، ويكتب أحيانًا مقالات عبر النت ينادي فيها بالتغيير في المجتمع. لم تشعر "داليا" وهي تتحدث مع "جمال" بالوحدة، بل سعدت بحماسه لها عبر النت وشعورها أنه يعيش نفس إحساسها بالحرمان، عندما تعلم أنه لم يتزوج بعد، وعندما بكت ذات مرة وهي تحدثه وسمع بكائها وتأثر بهذا وحاول تهدئتها، ويتجلى هذا عندما نرى مخاطبتهما لبعضهما البعض كأزواج عبر النت، وكيف أنها لا تلبي بعض طلباته فيقول لها: "أطلقك"، فتقول له "أنا ما صدقت أتجوز"، إلا أن هذا الصديق تُغلق صفحته أيضًا مع "داليا" عندما يتم القبض عليه وهو معها في إحدى الحدائق؛ لكتابته مقالاً عبر النت يقول فيه رأيه بصراحة في المجتمع، وإلى أي مدى يجب تغييره، ثم نرى في مشهد لاحق سفره للخارج؛ فيبدو أنه بعد انتهاء أزمته وشعورة بالمعاناة لم يستطع البقاء في مصر، علاوة على أن "داليا" لم تستطع الحصول على الماجيستير وفشلها في بحثها بسبب أزماتها؛ كما قال لها الدكتور المشرف على رسالتها "نبيل الهجرسي". وفي المطار تنتظر الفتاتين العريس، ويأتي لكنه لم يقترب منهما، بل اتجه للطائرة مباشرة، ويبدو أنه لم يختار أي فتاة، وتملكت الحيرة من الفتاتين في مشهد أخير ومؤثر جدًا، فقد تنازلت كل فتاة ورضيت بالأمر الواقع وبالمجهول الذي لا تعرف ماذا وراءه، بالارتباط بعريس لا تعرف ماذا ستكون حياتها معه وهي خارج مصر، مصير مجهول رضيت به لكن القدر أراد ألا يتحقق. النهاية طرحت تساؤلات كثيرة.. فتاتان جميلتان مثقفتان، كل ما يتمنيانه هو الزواج والإنجاب والحياة الزوجية السعيدة، كل فتاة عفيفة وبعيدة عن كل ما هو غير أخلاقي، ولا تتملكهما الرغبة الجنسية رغم كبر السن دون الزواج. حنان ترى أن الحرمان الجنسي مقدور عليه، أما الحرمان العاطفي فغير مقدور عليه، وأن طاعة الزوج واجبة وإظهار حب الزوجة لزوجها، وترفض "حنان" أن تجلس مع "إياد نصار" في مكان مغلق قبل كتب الكتاب، ولا تسمح بأي تحرش من طالب لطالبة داخل المكتبة.. لكنها تتساءل: لماذا لا تكون بحور العين في السماء للرجال فقط وليس للنساء أيضًا؟ فهل يمكن أن يكون هناك ظلم للفتيات وعدم زواج في الأرض وفي السماء؟!! وكذلك نرى "داليا" ملتزمة جدًا في حياتها، فهي لا تريد إلا أن يكون لها علاقة مع رجل من بعيد، مجرد أن يسمع لها وتسمع له، كما قالت لـ "جمال" عبر النت، وترفض أن ترى أي أوضاع مخلة لأي فتاة، وقد حدث هذا عندما رأت زميلتها "جيهان سلامة" في وضع مخل مع زميلها في المستشفى، وعنما هاجمتها صارحتها "جيهان" بأن علاقتها الجنسية بهذا الزميل ليست كاملة -رغم أن بينهما عقد زواج عرفي- كذلك كان جلوسها مع "طارق لطفي" دائمًا في وجود شقيقها "عمرو" -الذي جسد شخصيته الفنان "عمرو حسن يوسف" ابن الفنان القدير "حسن يوسف"- وموقفها من زميلها "رامي وحيد" الذي أحبته ولكنها ضحت بهذا الحب في سبيل مبادئها التي هي ضد أن يظهر الإنسان بغير ما يتظاهر به. ومن خلال هذين النموذجين الإيجابيين داخل مجتمعنا المصري؛ ينقلنا المؤلف والمخرج المبدع الواعي "محمد أمين" لعالم الفتيات من خلال جلسات العلاج الجماعي، والتي تناقش فيها "نهال عنبر" -كطبيبة وخبيرة بالأمور النفسية والاجتماعية- أحلام ومعاناة الفتيات وتطلعاتهن في الحياة، ومدى تأثير الحرمان الجنسي والعاطفي على حياتهن، خاصة بعد كبر سنهن، ونرى في جلسات أخرى فضول الفتيات الغير متزوجات لمعرفة أسرار ليلة زفاف من زميلة لهن تزوجت. وعلى جانب أخر يطرح "محمد أمين" قضايا كثيرة نعاني منها داخل المجتمع المصري، منها البطالة والهجرة غير الشرعية التي ذهب ضحيتها 1300 شاب، وكان من الممكن أن يكون منهم "عمرو" شقيق "داليا"، لولا تدخل القدر وجعله يتحرك على كرسي متحرك، أما صديقه الذي صمم على السفر دون رجعة فقد عاد ميتـًا. كذلك طرح "محمد أمين" مشكلة الشباب وأزمة المعيشة والبحث عن شقة، وتقدم عمرهم حتى صارت العنوسة مشكلة لهم كما هو الحال بالنسبة للفتيات، كذلك طرح "أمين" من خلال فيلمه "بنتين من مصر" اتجاهات الأفكار المختلفة داخل المجتمع والتناقضات الموجوده فيه، ومدى التأثر بهذه الاتجاهات والأفكار والتناقضات وانعكاسها على الوضع الحالي داخل المجتمع. فقد نجح المؤلف والمخرج "محمد أمين" في نقل رؤية كاملة للمجتمع المصري بكل همومه ومشاكله ومعاناته، من خلال شخصيات من واقع مجتمعنا المصري تعاطفنا معها وتأثرنا بها، فهو يطرح قضايا متميزة وذات أهمية منذ أن شاهدنا له فيلمي "فيلم ثقافي" و"ليلة سقوط بغداد". "بنتين من مصر" فيلم واقعي ليس فيه ابتذال أخلاقي؛ ينقل مشكلة العنوسة بشفافية، ويطرح قضايا مجتمعنا المصري بوضوح دون رتوش.. حواره جرئ وواقعي وتعبيراته صارخة، ومشاهده مؤثرة في ظل صورة وموسيقى معبرة. |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٨ صوت | عدد التعليقات: ٣ تعليق |