بقلم: ماريان جرجس
أعزائي القراء.. أحزنني وتعصر قلبي داخل عظامي عندما علمت بالحادث المروع لزهراتنا الجميلة، اللواتي ذهبن ضحايا في مياهنا.. لا أعرف إن كانت الدموع تشفي أو أن التعزية تغني؟
تخيلت -لجزء من الثانية- أن الصمت هو القدر المحتوم لتلك القصة كغيرها من القصص، ولكني حقـًا لم أستطع، وأعتقد أن هذا سيكون حالنا جميعا.
ففي الآونة الأخيرة آثارت غضبي الكثير من السلبيات في مجتمعنا القبطي الصغير، الذي هو جزء من مجتمعنا الكبير، ولكن إذا وصل الأمر إلى تلك الفواجع فهيهات أن نقف صامتون.
إذا كان عُمر الفتيات الغرقى يتراوح بين الثانية عشر والرابعة عشر؛ فهل من المعقول أن تكن تحت رعاية ومسئولية خادمة عُمرها حوالي ثمانية عشر عامـًا؟؟
عفوًا كنيستي.. لن ألقِ باللوم على المراكبي الجاهل -صغير السن- الذي هرع في الحال من مكان الحادث، ولن ألقِ بالذنب على المركب الذي لم تتم صيانته طيلة 10 أو12 سنة، ولن أقول أن رجال الأمن النهري جاءوا متاخرين ساعة واحدة، وبأنبوبه أكسجين واحدة، ولن أصرخ رافعة يداي إلى السماء وأقول بالله عليكم!!
لماذا لم تكن هناك عوامات أو قمصان غرق في القارب؟ ولن ألوم حتى مياه النيل التي أنظر إليها بعتاب شديد منذ الحادث، بعد أن كانت نظراتي المعتادة لها تحمل الكثير من الإعجاب والغرام بها، وكأنها عاقل بشري يُلام!!
لأني لو فعلت هذا سأكون عقيمة في تفكيري، وكأنني ألقي باللوم على مَن تركت أولادها الصغار دون رعاية في مكان فسيح؛ وجاءت تلوم الأخرين بعد أن أصابهم الأذى!!
فأنتِ أمٌ منذ قديم الأزل لنا، أنتِ الصخر الذي قامت عليه حياتنا في مصر منذ نعومة أظافر التاريخ، وأمومتك لا يمكن فصلها عنا، فكيف بعد هذا تلومين كل هؤلاء؟ وإن كان التقصير حليفهم بالفعل،.
اسمحي لي.. فالتقصير من جانبنا نحن تلك المرة، بل شيئ ما في نفسي يحدثني ويساورني قائلاً: إن الله سمح بتلك التجربة الأليمة لأولادِك كي ننتبه ونقول:
"كنيستنا الجميلة.. أين أنتِ؟
هل دخل إليكِ ما أصاب المجتمع من إهمال وسلبية؟ أين النظام والحزم والاهتمام بكل الأمور؟ هل انشغلنا بقضايا الطلاق أكثر من اللازم؟ هل خدامنا انشغلوا بأشياء أخرى وانغمسوا في أمور داخلية؟ هل انغمسنا في أمور تنافسية داخل هيكل قدسك ونسينا الطفل المريض والأرملة واليتم؟؟!
هل تغافلنا عن أب كاهن مسجون وإمرأة ثكلى؟ هل انشغل ذوو المسئولية داخل الكنيسة بالمراكز ومن قِبل مَن؟
عزيزتي.. بل حبيبتي كنيستي التي أفتخر بها دومًا.. اقبلي عتابي الرقيق من ضعفي كي تظلي أمي الحنون، وأرفع صوتي أمام بابك وأطالب بأن يُحاسب حسابـًا عسيرًا كل مَن كان مسئؤلاً عن حادث الغرق؛ مهما كانت مكانته؛ الكبير قبل الصغير..
وأطالب بإعادة تشكيل نشاطات الكنيسة؛ بحيث تكون منظمة مسئولة حازمة هادفة صادقة، وإعادة اختيار الخدام الحقيقين المتقدمين في العُمر عن عُمر المخدومين؛ فإن كانت المرآة تعكس تاريخ سنون مضت لعكست صورة الكنيسة القبطية، التي كما أتمنى أن أراها الآن.. هي الكنيسة التي ولدت للتاريخ شهداء دماء بالإيمان وليس شهداء مياه بالغرق.
وأخيرًا وليس آخرًا.. أنحني أمام هيكلك دامعة ليس بدموع قلبى بل بدموع من دماء، ولا أستطيع أن أنطق ببنت شفة ولا كلمة رثاء لأهالي الزهور اليانعة؛ لأننا كلنا مذنبون ولا أبرئ أحدًا من المسئولية، ولكن ليس لديكن يا أمهاتي سوى الوعد الذي وعدنا به رب المجد -بعد ملئ الزمان- أنه في الكنيسة السمائية سترونهن مرة أخرى ويزول الحزن والضيق والدموع والألم.
|