CET 00:00:00 - 22/04/2009

مساحة رأي

بقلم: هيام فاروق
إتصلت بي تليفونياً وبصوتها نبرة حزينة أعرفها جيداً بحكم صداقتنا الحميمة.. سألتها بالطبع عن هذه النبرة الحزينة، فأجابتني بصوت متحشرج كئيب.. إبني (فلان).
هي زوجة وأم فاضلة.. تتمتع بالكثير من الصفات التي يحسدها عليها الكثيرين.. على درجة علمية عالية.. ذات ثقافة لا بأس بها.. وأيضاً ذات قامة روحية جميلة.. فضّلت التفرغ الكامل لأسرتها الصغيرة هذه المكونة من الزوج وهو إنسان فاضل.. رجل أعمال.. وولدين توأم في بداية المرحلة الجامعية في كليتين مرموقتين.

سارت بهم الحياة طبيعية هادئة إلا من بعض المشكلات والأزمات التي تعترض كل أسرة.
بدأت فترة مراهقة الأبناء التي سرعان ما لاحظتها الأم وبدأت تتكيف على تقلبات وتغيرات هذه المرحلة التي تعتبرها وعلى حد قولها: عنق الزجاجة، ورغم تطابق الظروف المعيشية للولدين وتوحد وتعاون الأم والأب في هذا البيت الواحد إلا أنهما لم يشبا متطابقين في الطباع والميول والأهواء.. فكان أحدهما دائم التمرد على الظروف وعلى ردود الأفعال والمعيشة وطريقة معاملة والديه وأخيه....إلخ من التمردات.. وكان لزاماً على والديه أن يتعاملا مع هذا التمرد مرة بالسياسة واللين ومرة بالعنف والقمع.. ولكن الحقيقة في الحالتين لم تُجدِ مع هذا الإبن أياً من السياستين.. فقد فوجئت الأم بإبنها المتمرد هذا وهو في المرحلة الإعدادية بأنه يدخن.. فكرت الأم كيف تتعامل مع هذا الإبن.. فقررت مواجهته..

إلا أن الإبن أنكر تماماً وأصر على إنكاره ولكنها كلّمته بشيء من التخويف وأوضحت له مضار التدخين من جميع النواحى، وقد طمأنها الإبن أنه لم يفعل هذا وأنه يعلم مضار التدخين جيداً وهكذا.. ولكن علمت الأم بتكرار نفس العادة السيئة هذه فقررت مراقبته وضبطه وبالفعل اعترف الإبن وبكى وتوسل إليها بعدم إبلاغ أبيه وهو فقط فعل هذا هذه المرة وكانت الأولى وهي من باب التجربة.. ولكن الأم أبلغت الأب وطلبت منه الكتمان هذه المرة واستخدامه ككارت أخير في ردع الإبن في الإقلاع عن التدخين.. وبالفعل لاحظت الأم إمتناع إبنها عن هذه العادة إلى المرحلة الثانوية وتكررت مرة أخرى وهنا تدخل الأب بسن عقاب لهذا الإبن كنوع من التأديب، ووعد الإبن أبواه بالإنضباط بعد هذا التأديب من تقليل فرص خروجه وتقليل مصروفه الشخصي وتحجيم علاقاته وهكذا.. في حين كان أخيه طوال هذه الفترة ملتزم مع الأم في حضور الكنيسة والإجتماعات والزيارات العائلية...إلخ من مظاهر الإنتماء على عكس أخيه.

أتم الإبنان المرحلة الثانوية بتفوق باهر وما أن دخلا الجامعة إلا وظهر تغير واضح على الإبن المتمرد هذا.. بحيث النقاش والمجادلة المستمرة بينه وبين أبواه وأخيه.. حاولا إحتواءه كثيرا دون جدوى.. لجأت الأم إلى الأب الكاهن التابع لكنيسته.. وبالفعل قام الأب الكاهن بزيارات عديدة إلى البيت والجلوس المنفرد مع هذا الإبن إلا وفي كل مرة يطمئن الأبوان أن (الولد زي الفل).. بالطبع كان الإبن حذر جداً في حديثه مع الأب الكاهن.. ولجأت الأم مرات عديدة إلى الخدام ليحاولوا إدماجه بأنشطة الكنيسة إلا أنه دائم الرفض مع لباقته الشديدة وأدبه الجم في الحديث إلى هؤلاء الخدام.. حتى أنهم أحبوه فعلاً وكانوا يأتون لزيارته من فترة إلى أخرى بغرض الإستمتاع بحديثه وخفة ظله.. ولكن كان قلب الأم يحمل الكثير من الخوف والقلق وعدم الإرتياح لتصرفات هذا الإبن، فقررت أن تصارح أبيه بمشاعرها علها تستريح حيث أنها دائما لا تريد أن تقص عليه تصرفات لا دليل عليها، فهي ترى أنه يكفيه مشاكل عمله في الخارج وتتفرغ هي لمشاكل البيت..
 
ولكنها هذه المرة لم تستطع تحمل هذا بداخلها.. فقرر الأب أن يدمج إبنه هذا في العمل معه بعد خروجه من الجامعة مباشرة في مقابل مادي كتحفيز على العمل هو وأخيه.. ورحّب الإبنان بهذا الإقتراح.. إلى أن لاحظ الأب إلتزام الإبن الآخر بكل بنود العمل أما الإبن المتمرد فقد أهمل الكثير حتى أنه سبب خسائر ليست بقليلة لأبيه ومع ذلك تحمل أبيه على مضض علّه أن يتعلم ويتفهم طبيعة العمل ولكن الإبن إزداد سوءاً وإهمالاً ولا مبالاة بعمله بل والمطالبة بمزيد من المال باختلاق الأسباب ولكن كان أبيه حذراً جداً في إعطاءه المال.. في هذه الفترة جاءت للأم مكالمة تليفونية من إحدى زميلاته التي تربطه به علاقة عاطفية تعلمها الأم جيداً وعملت على التقرب من هذه الفتاة ومصادقتها، وبالفعل صارحتها الفتاة قائلة أنها علمت أن الإبن هذا يتعاطى أنواع من المخدرات بل ويتاجر بها أيضاً.. وقع الخبر على الأم كالصاعقة, وكأن سكيناً قد إنغرس في قلبها.. فلجأت مباشرة إلى الصلاة أولاً قبل أن تفعل أي فعل.. وطلبت من الرب إرشاداً.. فأرشدها الرب إلى ضرورة مصارحة أبيه، وبالفعل قرر الأب مراقبة هذا الإبن من بداية يومه إلى آخره..

وكانت الطامة الكبرى.. حيث اكتشف تعدد علاقاته بزميلاته في الجامعة المشهود لهن بسوء السلوك واكتشف بالفعل أن ما أخبرت به فتاته كان صحيحاً.. بالطبع كان السبب الأساسي هو أصدقاء السوء, وتمت مواجهة الأب والأم مع إبنهما وكانت مواجهة أليمة.. بكت الأم بدموع حارقة وبكى الأب بقلب يدمي دماً على هذا الإبن الذي لم يقدر تعب أبيه ولا محبة أمه ولم يصون حتى عشرته القديمة مع الرب.. ولا وضع في قلبه من الأساس خوف الرب.. وبكى الإبن بكاءاً شديداً أيضاً، وإلى الآن لم أعرف هل بكائه لأنه ضُبط أم ندماً على ما فعله بنفسه وبوالداه، أم ماذا؟؟؟

ما زال السؤال ليس له إجابة ولكنه كعادته المراوغة فطلب من والداه فعل أي شيء يرضيهما ويخرجه من هذه الأزمة وهذه الورطة.. فقرر الوالدين بعرضه على طبيب متخصص في علاج الإدمان في إحدى المصحات ولكن الطبيب رأى أنها حالة بدائية من الإدمان ويمكن تخطيها بوجوب تواجد الإبن بصورة دائمة في المنزل أو في أي مكان تحت رعاية والدته لمدة شهر كامل.. وضرورة إقناع الإبن داخلياً بالنزوح عن هذا الطريق الذي يؤدي بحياته وحياة أسرته بالكامل.. ورضى الإبن بكل هذه الشروط.. ولكن ما زالت قلوب أبواه تعتصر ألماً عليه وعلى ما سلكه مراراً.. و تقول لى صديقتي.. كيف أثق فيه مرة أخرى؟؟ كيف أراقبه مرة أخرى فقد عانى والده الأمرّين في مراقبته وكان هذا على حساب عمله؟؟ كيف أطمئن بعد ذلك؟؟؟ كلها أسئلة لم أجد لها إجابة.

ما هالني في هذه القصة.. أنني ذهبت مع صديقتي هذه بالأمس لمتابعة حالة إبنها مع الطبيب المتابع للحالة.. فوجئت بمنظر مزقني تمزيقاً.. رأيت شباب وشابات في عمر الزهور المتفتحة وقد أدماهم الإدمان حتى الثُُمالة، ورأيت قلوب الآباء تكاد تنشرخ وتنزف حزناً على أبنائهم المدمنين وكأن المجتمع في الخارج خلى من الشباب السوي الذي يريد أن يحيا الحياة الكريمة.. وقمت بأخذ بعض الإستجوابات مع بعض الشباب والشابات وهالني بالأكثر ما سمعت.. هم يتعاطون في مدارسهم من المرحلة الإعدادية والثانوية.. سألت ما السبب؟؟ طبعاً تعددت الأسباب ولكنها ليست مبررات مقبولة.. والغريب والعجيب أن معظمهم من بيوت محترمة وآباء وأمهات أفاضل، لم يقصرون يوماً في متابعة أبنائهم كما هو حال صديقتي هذه.

أحبائي.. هذه قضية مجتمع.. فقد شاهدت منذ أيام في برنامج البيت بيتك تصوير لبعض شباب الثانوي وهم يتعاطون الحشيش والحبوب المنشطة داخل الفصول المدرسية.. إلى أين ذاهبون أبنائنا؟؟؟؟ وما هو الحل مع ابن هذه الصديقة.. فإنها تنتظر آرائكم المُحبة.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٣٣ تعليق