"كاملة سيد": هل يعرف سيادة المحافظ شيئًا عن عزبة الجبانة؟!
يحلمون بمدرسة ومستشفى ومياه خالية من الصرف وعسكري يحميهم من تجار المخدرات
"عم شنودة": نحن نعيش في برك الصرف الصحي وجيراننا أموات المقابر
تحقيق: محمد بربر- خاص الأقباط متحدون
لعل أبرز ما استأثر اهتمام الرأي العام في الآونة الأخيرة هو سرطان العشوائيات، والذي بات ينخر في جسد الوطن دون أدنى اهتمام من السادة المسؤولين وصناع القرار، حتى الإحصائيات التي تكشف عن عدد عشوائيات مصر ومشكلات سكانها جاءت متضاربة، غير أن "عزبة الجبانة" هي خير شاهد لأزمة العشوائيات بمحافظة دمياط.
بيوت سكنية يقطنها بشر مثلي ومثلك، وبحيرة من الصرف الصحي تطل على طرقاتها المليئة هي الأخرى بأكوام القمامة، مشهد بسيط لا يعكس ما آل إليه حال مدينة دمياط, قريبًا من كورنيش النيل، وعلى الجانب الغربي لضفاف النهر الخالد تقع "عزبة الجبانة" بمنطقة السنانية بقلب محافظة دمياط.
شكاوى سكانها تحولت إلى صراخ مرير، فقد ضرب الإهمال جميع مناحي حياتهم، وضرب أيضًا المسؤولون بالأهالي ومشكلاتهم عرض الحائط، حتى تساءلوا عن مدى أحقيتهم في الحياة كبشرٍ، يحلمون بالحد الأدنى من الخدمات الإنسانية..
صحيفة "الأقباط متحدون" كانت هناك ونقلت الصورة حية بدون مونتاج:
قابلنا رجلاً طاعنًا في السن يدعى "عم شنودة"، قيل أنه من أوائل مَنْ سكن العزبة.. وحكى عم شنودة -75 سنة- قائلاً: جئت أنا وعائلتي في بداية الستينيات إلى المنطقة، وكانت عبارة عن منزلين عشوائيين، ولكن تطور الأمر حتى وصل عدد السكان إلى حوالى عشرة آلاف شخص.
وعن سبب تسمية العزبة بهذا الاسم قال: "عزبة الجبانة" اسم على مُسمى، فما هي إلا مجموعة من القبور وأوكار الثعابين والبلطجية وتجار المخدرات الذين لا يردعهم الموت، ناهيك عن البيوت الآيلة للسقوط والطرقات التي تكثر بها مستنقعات الصرف الصحي.
وتضيف "كاملة سيد" -بائعة خضار- أنا مقيمة في هذه العزبة منذ حوالي عشرين عامًا، الحياة هنا لا يتحملها بشر، أبنائي لم يتعلموا، فلا توجد مدرسة، وأقرب مدرسة لنا تبعد حوالي 10 كيلو مترات، ولا أستطيع تحمل نفقات التعليم والمواصلات يوميًا؛ لذلك فقد خرج أبنائي الأربعة إلى العمل.
وتشير "كاملة" إلى معاناة أهالي العزبة من مياه الشرب فتقول: الماء يأتي ملوثًا لأن ماسورة الصرف الصحي ملتصقة بماسورة مياه الشرب، واعتدنا على شرب المياه العكرة، (يعني هنعمل ايه؟)
"قدري حنفي" -عامل باليومية- يقول: نعاني في "عزبة الجبانة" من عدم وجود وحدة صحية، فأقرب مستشفى يبعد حوالي 8 كيلو مترات، فإذا كانت لدينا حالة طوارىء، واضطررنا إلى طلب الإسعاف، فإنها ترفض الدخول هنا لسوء حال الشوارع، وتطلب منا إحضار المريض للمستشفى بمعرفتنا، مما يعرض حياته للخطر.
وقد حدثت هذه الكارثة لأحد أصدقائي بالفعل، وطلبنا الإسعاف، إلا أنه ظل ينزف إلى أن وصل للمستشفى جثة هامدة.
ويطالب "قدري" المسؤولين بضرورة إنشاء وحدة صحية للعزبة، لتخدم عشرة آلاف مواطن، ويؤكد أن الأمر ليس سهلاً، ولكن هذا يعتبر حقًا من حقوقنا، فهل من حقنا إصلاح شبكة الصرف الصحي، وتسوية الشوارع حتى يسهل على سيارات الإسعاف الدخول إلى العزبة!!
الموتى فى حالة تعفن
ويؤكد "رزق بيومي" (حانوتي): ما أعانيه بكوني (حانوتي) في هذه العزبة، هي مياه الصرف الصحي الدنسة التي تغطي المقابر، مما يعوقني عن عملي أن أقوم بدفن الموتى، وهذا يعرض جثث الموتى إلى التعفن، وقد قمت بإرسال العديد من الشكاوى إلى الوحدة المحلية ولم أجد غير إجابة غريبة مفادها: (اردموا قدام القبور).
فهل يعني ذلك أن (الشخص اللي هيموت لازم يقول لنا على ميعاد موته أولاً.. يمكن نقدر نردم قدام قبره..)!!
وكل هذا بخلاف البلطجية الذين يجلسون ليلاً في المقابر ويتناولون ما لذ وطاب من المخدرات، وأخشى أن أزجرهم -والكلام على لسان "رزق"- وأبعدهم عن هذا المكان؛ لأن كل واحد منهم يحمل سلاحًا، وليس لديه أي مانع أو رادع لقتلي.
وأمنيتي أن يعينوا حارسًا لهذه المقابر المجاورة لمساكن الناس، منعًا من حدوث الجرائم.
وبصوت حزين تتحدث "كريمة إبراهيم" -ربة منزل: بيتي يقع وسط المياه، ويا ليتها مياه للشرب، بل مياه صرف صحي ملوثة، ورائحتها كريهة، ومحملة بالأمراض والأوبئة، مما أدى إلى اصابتي أنا ومعظم أهالي العزبة بالبلهارسيا والالتهاب الكبدي الوبائي، ولا نملك أموالاً كافية للعلاج؛ فنحن فقراء ونحتاج كل مليم للأكل والشرب، وصعوبة الحياة، وغلاء الأسعار الذي لا يطاق.. معظم أهل العزبة يعملون باليومية؛ (يعني يوم ياكلوا وخمسة لأ).
ويكشف "عبد الله سليم" عن الإهمال الأمني فيقول: أهالي العزبة يفتقدون إلى أدنى درجات الأمن، فالمقابر التي تجاور بيوتنا ليس لها سور يحيطها، وأصبحت مأوى للصوص والبلطجية وتجار المخدرات.
ونرى بشكل متكرر شباب (مفلس) أخلاقيًا يصطحب نساء ساقطات إلى داخل القبور أو بعض البيوت المخصصة لذلك، ولا رقيب أمني يحمينا من شرهم، إنني أخشى على بناتي من السير بعد المغرب في هذه العزبة.
"عزت محمود" -موظف بالمعاش- يفضح تجاهل أعضاء مجلس الشعب والمجالس المحلية لأهالي العزبة قائلاً: جاء إلينا عضو مجلس الشعب أثناء حملته الانتخابية، ووعدنا بحل مشكلاتنا وإيصال صوتنا إلى (الكبار) في مصر، على أن نسانده في الانتخابات.. وبعدما نجح في الانتخابات.. لم نراه مرة ثانية وكأنه (فص ملح وداب).
تلك كانت قصة أهالي "عزبة الجبانة" بدمياط.. قصة تصلح لأن تتحول إلى فيلم سينمائي من هول معاناتهم.. فهل تظهر كرامات الحكومة ومحافظ دمياط لإنقاذهم وتوفير حياة كريمة لهم؟؟ أم أنهم سيعيشون أمواتًا فوق الأرض حتى إشعار أخر. |