بقلم: يوسف سمير خليل
محاولة لإجابة بعض التساؤلات المثارة في الرأي العام إن محاولة تطبيق بعض المسميات والتوصيفات الإدارية على الكنيسة وعلى بطريركها هو أمر غير واقعي ولا يملك أحد تنفيذه ، لأنه يتعارض مع الفكر اللاهوتي للمسيحية ومع مبادئها الأساسية ولن يوافق عليه الشعب ، وستصبح الدولة سائرة في طريق والكنيسة في طريق أخر – وهذا ما لا يرضاه أحد – فينبغي أن تتعامل الدولة مع الكنيسة بحسب شريعتها وفكرها ، مادام أن هذا لايتعارض مع النظام العام والأمن القومي ، وهذا الأمر لاينطبق على المسيحية فقط بل على كل الأديان.
فالدين فوق الجميع فهو فوق الدولة والقضاء والقوانين البشرية لأن الإنسان سيحاسب أمام الله بموجب القوانين الإلهية وليس القوانين الوضعية فينبغي أن لاتتعارض قوانين الدولة ودساتيرها مع ما يقره الله في كتبه ، وفى حالة وجود أكثر من دين على أرض الوطن الواحد يجب أن تراعى شريعة ومبادئ كل دين بأن يجلس المشرع مع فقهاء وعلماء ورؤساء هذا الدين ليحدد معهم ما مدي اتفاق أو تعارض القانون المراد تشريعه مع الدين وهذا ما لا يحدث في الكثير من التشريعات التي تخص المسيحيين ومن هنا يأتي الصدام والتناقض وهو الأمر الذي لا نريده من أجل خير بلادنا وسلامة شعبها .
- هل البابا موظف عام ؟ وهل يعين ويعزل بقرار جمهوري ؟ لكي يكون الأمر مفهوماً للقارئ نود أن نقول إن اختيار البطريرك هو أمر كنسي داخلي يؤمن ويثق الشعب أن فيه تدخلاً إلهياً ، فالشخص المرشح بعد أن يمر بكافة الإجراءات الخاصة بالتذكية والانتخابات وإعطاء فرصة لتقديم الاعتراضات عليه – إن وجدت – يصل أخيراً إلى النقطة التي ينتظر فيها الكل إعلان الله لقراره ومشيئته ، وهذا من خلال \" القرعة الهيكلية \" ، وقد قام تلاميذ السيد المسيح باستخدامها ومن بعدهم استخدمت في اختيار العديد من البطاركة ، وهي تستخدم حينما يكون هناك أكثر من شخص تم تزكيتهم وتشابهت أوصافهم وفضائلهم أما إذا كانت إرادة الله واضحة نحو شخص معين وأعلنها الله بطريقة استشفتها الكنيسة فلا تستخدم حينئذ القرعة الهيكلية ، ومما يدل على تصديق الله على القرعة الهيكلية هي أنها جاءت مطابقة لإعلان الكثيرين من أباء الكنيسة القديسين أن الراهب أنطونيوس السرياني أو الأنبا شنودة سيصير بطريركاً للكنيسة مثل القمص عبد المسيح الحبشي والبابا كيرلس السادس والأنبا بنيامين مطران المنوفية المتنيح والأم ايريني رئيسة دير أبي سيفين .. وغيرهم
وكلها نبوات لها شهودها العيان من الأحياء بيننا ، فكون القرعة تأتي بنفس الشخص الذي تم التنبؤ له فهذا يدل على أن الله استخدمها لإعلان مشيئته . ومن هذا يتضح أنه بعد الإختيار الإلهي لايمكن أن ينتظر الشعب قراراً بالتعيين أو أن يكترث لقراراً بالعزل وهذا هو ماحدث عندما قام الرئيس السادات بإلغاء قرار تعيين البابا شنودة حيث ظل قداسته هو البطريرك الفعلي والرسمي للكنيسة ، حتى اللجنة الخماسية التي إقترحها الأب متى المسكين على السادات لإدارة الكنيسة كانت كلها من أحباء البابا ولم تكن تتخذ قراراً إلا بعد موافقته ، وقد قال الأب متى للرئيس السادات \" الدولة لاتستطيع أن تنحيه عن رئاسة الكنيسة القبطية بصفته الروحية وبوضعه الكهنوتى ، وإلا يعتبر هذا اقتحاماً لقوانين الكنيسة وتدخلاً تؤاخذ عليه الدولة \" ( السيرة التفصيلية للأب متى المسكين ص 341 – 345 ) ومن الأمور الطريفة التي ذكرها محمد حسنين هيكل أن الأنبا صموئيل الذي قتل في حادث المنصة وكان ضمن اللجنة الخماسية ، قد أقيمت عليه الصلوات في الكنيسة باسم البابا شنودة بصفته البطريرك بالرغم من قرار العزل ويعلق هيكل قائلاً إن \" سلطته الفعلية كانت غير قابلة للعزل \" ( خريف الغضب ص 406 ) ولذلك فإن منصب البابا لا ينشئه قرار التعيين ، فتصديق الدولة على انتخاب البطريرك ليس قراراً منشئاً لمنصب البطريرك ولكنه تصديق على وضع هو قائم بالفعل ، بمعنى أنه مجرد إعلان من الدولة عن قبولها وموافقتها على التعامل مع الشخص المنتخب بصفته بطريركاً للكنيسة وممثلاً عنها ورئيساً لها ، بدليل أنه لو لم تصدق الدولة على القرار فلن يلغي هذا كون الشخص أصبح بطريركاً للكنيسة بالفعل، والسلطة الوحيدة التى لها سلطة تنحية البطريرك او تجريده من رتبته الكهنوتية هي المجمع المقدس كما ورد في ( اللائحة الأساسية للمجمع المقدس ) :
مادة (4) : المجمع المقدس هو السلطة الكهنوتية العليا في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، وتشمل سلطته الإكليروس وكل الشعب .
مادة (5) : الإكليروس هم الأساقفة والقسوس والشمامسة . وتشمل درجة الأسقفية قداسة البابا البطريرك و ..... الخ .
مادة (7) : ... يسقط من عضوية المجمع في جميع درجات الكهنوت بلا استثناء من يخرج على قواعد الإيمان السليم ، أو من يقع في الهرطقة أو البدعة أو من يصاب بالجنون ... على أن يكون ذلك بقرار من المجمع ...الخ .
ومن هذا كله يتضح أن البطريرك ليس موظف عام تملك الدولة تعيينه أو عزله ، وهذا الأمر لا ينطبق على بابا الأقباط فقط ولكنه ينطبق على منصب البابا وباقي درجات الكهنوت فى العالم أجمع فبابا روما مثلاً لايمكن تعيينه أو عزله من أي سلطة خارجة عن الكنيسة ، فالبطريرك أب ورئيس لشعبه ولا يمكن وصف الأب بالموظف !! ثم أن البابا لا يتقاضى راتباً من الدولة لا هو ولا أحد من الأساقفة ولا حتى الكهنة !! ثم أن وصف الكنيسة بالمرفق العام من أجل اثبات أن البابا موظف عام يدير هذا المرفق أمر غير دقيق لأن الكنيسة في المفهوم اللاهوتي المسيحي هى \" جماعة المؤمنين \" فهي لا ترتبط بوجود مبنى ، بمعنى أن الكنيسة موجودة بالفعل طالما هناك جماعة مؤمنين ، وبطريرك هذه الجماعة موجود حتى ولو لم يوجد مبنى ، وأي مكان يتواجد فيه البطريرك فهذا هو المقر البابوي حتى لو كان بيت أحد المؤمنين.
ففي الكتاب المقدس توصف بيوت المؤمنين بأنها كنائس ، ولا توجد قوة تمنع وجود جماعة المؤمنين ولا يوجد قرار يُنشئها أو يلغيها ، أما عن المبنى فهذا لأنه يقام على أرض الوطن فالدولة هي التي تنظم إنشاؤه من عدمه بحسب قوانينها وسياستها العامة . وأخيراً نقول أنه من أجل خير بلادنا وسلامة شعبنا يجب أن يجلس أصحاب القرار وأهل التشريع مع رجال الدين – أي دين - وعلماؤه حتى يخرج الجميع بما هو مرضي للكل وفيه صالح الجميع ولن يخسر أحد شيئاً أما الخسارة فهي في عكس ذلك .
إكليريكي يوسف سمير خليل
youssefsamier@yahoo.com |