بقلم : يوسف سيدهم وكعادتنا في مثل هذه الأحداث نجد أعلي الأصوات وأكثرها تشنجاً آتية ممن لا يخلو سجلهم من الإساءة للدولة والقانون وممن رفع راية تجنيب الوطن أمام عالمية الدين...لكن ها قد جاءت الفرصة لإطلاق اللعنات علي الكنيسة،لأنها تجرأت واعترضت علي حكم قضائي يخالف شريعتها، لم تقل الكنيسة إنها فوق القانون ولم تدع أنها دولة داخل الدولة، ولم تتحدث عن أن دار المسيحية -علي غرار دار الإسلام- تأتي قبل الوطن مصر...لم تفعل الكنيسة شيئاً من ذلك...كل ما قالته إن التشريع المسيحي للأحوال الشخصية ينبع من الشريعة المسيحية والكتاب المقدس وأن الدولة ومن بعدها الحكومة ومن داخل الحكومة وزير العدل متقاعسون بشكل خطير منذ عام1968 وحتي اليوم-42سنة !!!-عن تلبية طلب الكنيسة الرسمي بإصدار اللائحة المعدلة للأحوال الشخصية للمسيحيين لتحل محل اللائحة السارية منذ عام 1938والتي تعترض عليها الكنيسة لمخالفتها للشريعة المسيحية. وسبق أن صدرت أحكام للقضاء مثل الحكم الأخير الذي فجر الموقف الذي نحن بصدده، ومثلما يحدث الآن هرع الجميع يستفسرون عن الحقيقة الخافية عليهم ولماذا تحتج الكنيسة علي أحكام القضاء وتم إيضاح الأمور بكل جلاء واعتقدنا نحن المسيحيين أن المجتمع والإعلام والمسئولين أصبحوا يعرفون وأن الدولة سوف تسارع بإصدار اللائحة الجديدة المطلوبة للأحوال الشخصية للمسيحيين لتضع حداً للقنبلة الموقوتة المتروكة في يد القضاء-لائحة 1938- والتي كلما استند إليها القضاء في أحكامه تفجر مشكلة خطيرة تجعل الكنيسة تمتنع عن تنفيذ حكم المحكمة...كل ذلك تم إيضاحه وشرحه، لكن مثل سائر مشاكلنا ولسبب لا يعرفه أحد تتقاعس الدولة عن علاج المشاكل حتي تستفحل وتتحول إلي كارثة ثم تحرج الدولة وتضطر إلي اتخاذ سبل العلاج أو تجد الدولة نفسها في موقف لا تحسد عليه فتعاند وتستمر في صلفها ولا تفعل شيئاً بدعوي أن أحداً لا يلوي ذراعها!! لكن هل وعي أحد الدرس؟...الكل سارعوا بالتنكيل بالكنيسة...حتي وسائل الإعلام أبدت قدراً هائلاً من ضعف الذاكرة فجاءت تسأل ذات الأسئلة مرة أخري...لتحصل علي ذات الإجابات وكأنها تستمتع باستثمار موجة الاحتقان التي خلقها الحدث...لم يفكر أحد في مساءلة رئيس الوزراء...لم نسمع عن أحد ذهب يسأل وزير العدل...لم يعلن أحد أعضاء مجلسي الشعب والشوري عن تقديم طلب إحاطة لأي منهما حول سبب عدم إصدار قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين طوال أربعة عقود مضت ليأتي متوافقاً مع رأي الكنيسة صاحبة الحق المطلق الذي لا يناقش في وضع التشريع المسيحي، وحتي يتم وأد الفتنة التي تشتعل بين الحين والآخر. ووسط هذا اللغط والفوران الذي سيطر علي الساحة يجيء المضحك المبكي...أتعرفون ما المضحك المبكي؟...إنه الشيء الذي يتناقض تماما مع الوتيرة السائدة ويجعل المرء يقف عاجزاً عن الفهم فيضحك من غرابته ويبكي علي واقعه...جاء المضحك المبكي في خبر نشرته-في مصادفة غاية في العجب لأنه يجيء في هذا التوقيت بالذات- خبر بعنوان:"أمر الزوج يسقط أمر التكليف"...ويقول الخبر إن المحكمة التأديبية بمجلس الدولة قضت ببراءة إحدي الممرضات من تهمة الخروج علي مقتضي الواجب الوظيفي، حيث امتنعت عن تسلم أمر التكليف الصادر لها عن وزير الصحة وتعللت بأنها تفعل ذلك نزولا علي طاعة زوجها التي تأتي شرعاً قبل طاعة إدارة العمل...وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن الممرضة المتهمة لم تخطئ في ذلك الأمر، لأنه طبقا للشريعة الإسلامية التي تحكم عقد الزواج هناك ضرورة لتغليب طاعة الزوج علي طاعة إدارة العمل حيث إن أحكام الشريعة الإسلامية مقدمة علي أحكام القوانين المدنية. وقفت أمام هذا الخبر وقد عقدت الدهشة لساني...ها نحن أمام موقف تقر فيه المحكمة أن أحكام الشريعة الإسلامية تقدم علي أحكام القوانين المدنية...لماذا إذن يستعصي إدراك أن أحكام الشريعة المسيحية تقدم علي أحكام القوانين المدنية التي تخالف هذه الشريعة، ولماذا تعتبر الكنيسة مؤسسة مارقة إذا رفضت تنفيذ حكم محكمة يخالف شريعتها-وهي لم تقترف ذنباً إذ بح صوتها طوال 42عاماً في طلب تعديل التشريع- أي مفارقة صارخة هذه التي نحن أمامها؟...كيف يكيل القضاء بمكيالين؟...هل وصل بنا الأمر أن نشتهي أن تعامل الكنيسة بذات معيار العدالة الذي عوملت به سيدة مصرية ولا نستطيع حتي إدراك ذلك؟!.. يا لها من مهانة.. ويا له من عار. |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت | عدد التعليقات: ١ تعليق |