بقلم: وجدي شحات
أثار الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا يوم 29/5/2010 بأحقية المطلقين في الزواج الثاني الكثير من التساؤلات ، فظهر جانب مؤيد لموقف الكنيسة وقداسة البابا شنوده والمتمثل في اعتبار الزواج شأن ديني وليس مدني وبعدم أحقية السماح بالطلاق والزواج الثاني ومن ثم التخلي عن نصوص واضحة وصريحة في الكتاب المقدس، وظهر على الجانب الآخر مجموعة من المعارضين لموقف الكنيسة والمؤيدين لقرار الإدارية العليا -وكثيرين منهم ممن يعانون مشاكل في زيجاتهم ويرغبون بإنهاء تلك العلاقات القائمة على أساس هش- واستند الفريق الثاني في رأيه إلى لائحة 38 والتي كان معمول بها منذ القدم وحتى عهد البابا كيرلس السادس، متساءلين هل كان قداسة البابا كيرلس السادس غير ملم بأمور الدين لاستمراره الععمل بتلك اللائحة؟؟ معتقدين في تساؤلاتهم هذه أن قداسة البابا شنوده قد أوقف العمل بهذه اللايحة وفق رأيه الشخصي..... وهنا لزم التوضيح لتاريخ تلك اللائحة مع الكنيسة عبر العصور المختلفة وكيف أن الكنيسة حاولت مرارًا وتكرارًا تعديلها أو التوقف عن العمل بها ولكن دون استجابة من الهيئات الحاكمة..... حيث كانت الكنيسة في مختلف العصور منذ نشأتها هي المسئولة عن إبرام عقود الزواج وأيضًا هي المسئولة عن التطليق، ولكن في فترةٍ ما بدءت الدولة التدخل في اختصاصات الكنيسة وكانت الأحداث تمر على مراحل في سنوات متلاحقة.
ففي سنة 1874 تم تشكل أول مجلس ملي وكان يرأسه السيد/ بطرس غالي باشا وكيل عام للمجلس... وقد قام حينئذ الخديوي اسماعيل باشا بإصدر قرار بتشكيل هذا المجلس ...
ثم بعد ذلك قام البابا كيرلس الخامس البابا رقم 112 من بابوات الأسكندرية بإلغاء المجلس الملي واستمر ذلك حتى سنه 1883... ثم قام الخديوي توفيق بتشكيل المجلس الملي مره أخرى وجعل من اختصاصاته النظر في المنازعات وفضها.
وفى عام 1938 تم وضع اللائحة الشهير باسم لائحة 38 وهي كانت مكونة من 4 فصول وعدد 38 مادة وأشهر مادتين هما المادة 16 والمادة 17 ....
الماده 16 تنص على اختصاصات المجلس الإكليريكي.. والنظر بكل ما يخص الأحوال الشخصيه للأقباط والإكليروس.
الماده 17 تشكيل المجلس الإكليريكي للأحوال الشخصية برئاسة البابا أو ما ينوب عنه وأربعة من الكهنة.
ونصوص تلك المادة أباحت حكم الطلاق لأسباب مختلفة متعددة حتى لو لم ينص عليها الكتاب المقدس صراحة ومن نصوص تلك اللائحة:
أولاً: الزنا وسوء السلوك
حتى وإن كان هذا الزنا في صورة زواج آخر.
ثانيًا: الاعتداء على حياة الطرف الآخر والإيذاء الجسيم والوارد بيانه في المادة 55 من لائحة أو مجموعة 38
ثالثا: الفرقة واستحكام النفور كما ورد في المادة 57، ولها شروط هي الفرقة واستحكام النفور، وأن تظل هذه الحالة ثلاث سنوات متصلة، وألا يستفيد المخطئ بخطئه أي المتسبب في هذه الفرقة لا يحق له طلب الطلاق.
رابعًا: الخروج عن الدين المسيحي
وهو سبب لفسخ الزوجية من تلقاء نفسها في لائحة 1955.
خامسًا: جنون مطبق أو مرض معدٍ يُخشي منه على حياة الطرف الآخر، وهو ورد في المادة 54 من لائحة 38، وله شروط، وهي ألا يكون الجنون أو المرض سابق للزواج، وأن يكون قد مضى عليه 3 سنوات، وأن يثبت أنه غير قابل للشفاء، وألا يكون المتسبب في المرض هو طالب التطليق.
سادسًا: الحكم بعقوبة مقيدة للحرية مادة 51 لائحة 38
ويشترط لها أن تكون أشغال شاقة أو السجن أو الحبس لمدة 7 سنوات فأكثر، أي عقوبة سالبة للحرية، وأن يكون الحكم نهائيًا واجب النفاذ، ولم يتم الانتهاء من تنفيذ العقوبة، وصدر بعد الزواج، وألا يكون قد صدر ضد الزوجين، فيجوز للطرف الآخر طلب الطلاق.
سابعًا: الغيبة لمدة 5 سنوات مع انقطاع أخباره وعدم معرفة حياته من وفاته.
ثامنًا: الرهبنة مادة 58 من لائحة 38
إذا وافق الطرفان، ثم بعد ذلك بعد جاءت ثورة سنة 1955 فصدر القانون 462 بتحويل المجالس الملية والشرعية على المحاكم الشرعية.. وهنا حاولت الكنيسة جاهدة تقديم يد العون للدولة.. وأقرت الدولة بإبقاء المجلس الإكليريكي ولكن مع بقاء فاعليته فقط في منح تصريح الزواج لراغبي الزواج... إذا أصبح المجلس الإكليريكي، هو الوحيد المخول له منح تصريح الزواج.
ولكن تبقى المشكلة كارثية في الحكم الأخير الصادر الذي يلزم الكنيسة بإعاده تزويج المطلق مره أخرى.. وهنا نود أن نشير إلى أن القانون أيضًا ينص على أن المجلس الإكليريكي هو الوحيد الذي يستطيع منح تصريح الزواج ولا تستطيع أية قوة مهما كانت على مخالفة هذا القانون. فالقضية ليست في منح التطليق ولكن القضية كلها في منح تصريح زواج ثان للمطلق وهو أمر من اختصاص الكنيسه بنص القانون.. فالمحاكم لا تقوم بالتزويح ولكن اختصاصها فقط التطليق.
نعود مره أخرى للائحة 38.. هل قبلتها الكنيسة؟ في واقع الأمر الكنيسة كانت ترفض تلك اللائحة لأنها تحتوي على أسباب عديدة لمنح الطلاق لمن يرغب وتلك الأسباب لا تتناسب مع نصوص الكتاب المقدس الواضحة والصريحة بشأن حق الطلاق.
وقد ظلت الكنيسة جاهده تحاول تعديل لائحة 38 لتتناسب مع نصوص الكتاب المقدس ولكن في كل مرة تقوم بتقديم مشروع تعديل لتلك اللائحة يتم قبوله بالرفض التام فقامت الكنيسة بإقرار لائحة جديدة قدمتها سنة 1955 ولكن للأسف تم رفضها من قِبل وزير العدل.. وفي عام 1966 تم تقديم نفس اللائحة وقوبلت أيضًا بالرفض..
وفى عام 1979 أيضًا تم تقديم لائحة أخرى.. ثم تم تقديم لائحة هي الأخيره في سنة 1999 ... وفي كل مرة يتم رفض تلك اللوائح وتم إجبار الكنيسة على تنفيذ اللائحة 38 مع رفض الكنيسه الكامل لتلك اللائحة.
وهنا نود أن نشير إلى شيء في منتهى الأهمية وهو أن الكنيسة قد قامت منذ سنتين بإصدار تعديلات على لائحة 38 وتم نشرها في الوقائع المصرية وتم حذف العديد من أسباب التطليق واختصرت على ما تراه الكنيسه من أسباب.
هذ وقد ورد تنظيم الطلاق في الإنجيل باعتباره المصدر الأعلى للعقيدة المسيحية في العديد من المواضع على لسان السيد المسيح.
في إنجيل متى في الموعظة على الجبل الأصحاح الخامس ورد هذا النص
«وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق. 32 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ<إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى> يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي
وعليه فإن قامت الكنيسة بتزويج هذا المطلق لعله الزنى فبهذا تصبح الكنيسة وكأنها تعطيه تصريحًا خاصًا بممارسة الزنى وذلك لن يحدث حتى وإن قامت أبواب الجحيم على الكنيسة.
بالنهاية أعتقد أنه لن يكون هناك حل واقعي وحقيقي إلا بإقرار قانون موحد للأحوال الشخصية. |