بقلم: هند مختار
قدمت السينما المصرية العديد من الأفلام التي لعب دور البطولة فيها نجوم الغناء، سواء من الرجال أو النساء، ولقد لاقت أغلب هذه الأفلام نجاحًا كبيرًا جدًا لعدة أسباب من أهمها: مدى شعبية المطرب أو المطربة، ومدى نجاح الأغاني المُقدمة بداخل الفيلم...
ولقد اختلف عدد الأفلام التي تعتمد على المطربين من فترة لأخرى، وذلك تأثرًا بالظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بالإضافة لتطور "الميديا"، والذي ساهم بشكلٍ كبير في تقليص عدد الأفلام التي يقوم المطربون فيها بالتمثيل، وذلك لانتشار "الفيديو كليب"، واعتباره بديلاً عن السينما بالنسبة للمطرب، بل اُعتبر الفيديو كليب بالنسبة للجمهور بديلاً عن الحفلات، وشراء الألبومات الفنية، لانتشار القنوات الغنائية...
وأنا هنا لا أناقش أسباب قلة عدد الأفلام الغنائية، ولكن ملامح شخصية المطرب في السينما من حيث الغناء والتمثيل..
أولا: بالنسبة للدور الذي يمثله المطرب في الفيلم، فهو يكون دور المُغني المغمور، الذي يبحث عن الشهرة في عالم الطرب، أو المطرب الكبير الذي يواجه مصاعب بسبب شهرته.. وأيًا كان؛ مغمورًا أم مشهورًا، فهو دائمًا مطرب، إلا بعض الاستثناءات، مثل عامل السكه الحديد "محمد فوزي" في فيلم "دايمًا معاك"، والصحفي "عبد الحليم حافظ" في فيلم "يوم من عمري"..
ويختلف الأمر بالنسبة للمطربات، حيث تتنوع أدوارهن ما بين الحبيبة والزوجة والفتاة، بالإضافة إلى تنوع المهن التي تعملن بها؛ كالممرضة "ليلى مراد" في "الماضي المجهول"، إلا أنهن أيضًا يؤدين دور المطربات في أفلامٍ أخرى...
جميع الأدوار التي قدمها المطربون والمطربات يكون للجميع فيها دور الشخصيات المثالية، والتي تمثل الجانب الطيب من الحياة، فلا يوجد أدنى مكان للشر في حياتهم..
أغلب الأغاني التي قُدمت من خلال الأفلام هي الأغاني الرومانسية، والتي تناقش الهجر واللوعة والحب والفرح بلقاء الحبيب، وقليلة جدًا الأغاني الوطنية، أو التي تتطرق لمواضيع أخرى، مثل "القمح الليلة" مثلاً..
جميع المطربين قدموا أغاني في أفلامهم، حتى وإن كان الدور لا يسمح بالغناء، فمثلاً قدم "عبد الحليم حافظ" دور الصحفي في فيلم "يوم من عمري" من إخراج "عاطف سالم"، فما هو الداعي الذي يجعل صحفي يغني طوال الفيلم؟ فقد كان من الممكن أن يقوم بالدور أي ممثل عادي وينجح الفيلم أيضًا، ولكن ما هذا إلا استثمار لشعبية ونجاح عبد الحليم حافظ لإنجاح الفيلم، بالإضافة لزيادة شعبية المطرب، وإن كان يمكن اعتبار أغنية "ضحك ولعب وجد وحب" منطقية في الفيلم، حيث جاءت في مدينة الملاهي، وكانت الحالة في هذا المشهد تسمح بالغناء..
ونفس الشيىء في شخصية "حمادة"، والتي قام بها "محمد فوزي" في فيلم "دايمًا معاك" من إخراج "بركات"، حيث يقوم بدور عامل في السكة الحديد، فما الداعي للغناء إذن؟
على صعيد المطربات استطاعت المطربات أن تقدمن أدوارًا تمثيلية بدون غناء، ولاقت إقبالاً عاليًا على المستوى الفني والجماهيري، وتأتي الفنانة الرائعة "شادية" كنموذج رائع في هذا المجال، حيث مثلت فقط في فيلم "مراتي مدير عام" من إخراج "فطين عبد الوهاب"، معتمدة على قدرتها التمثيلية فقط، وأيضًا فيلم "أغلى من حياتي"، و"كرامة زوجتي"، و"شيىء من الخوف"، حتى وإن أدت فيه أغنية "يا عيني على الولد"، فهذا لأنها الأقدر على أدائها، ولم تُغنِ خلال الأحداث...
بوجه عام.. تفوقت المطربات على المطربين في الأداء الدرامي، وفي منطقية الغناء من خلال الأفلام..
توجد أيضًا نوعية أخرى من الأفلام للمطربين والمطربات، وهي الأفلام التي جمعت الثنائيات مثل "عبد الحليم وشادية"، و"محمد فوزي وصباح"، و"فريد الأطرش وصباح أيضًا"، والأمثلة عديدة، ولقد اعتمدت هذه الأفلام على كون أحد الطرفين مطربًا من خلال قصة الفيلم، أو كليهما، وقد تجمعهما بالطبع أغنية مشتركة أو أكثر من خلال الأحداث...
بالنسبة للمرحلة الحالية من السينما، فبعد انتشار "قنوات الأغاني" قلَّت بدرجة كبيرة الأفلام التي بطلها مطرب أو مطربة، وحلت محلهم أغنية الفيلم، والتي تُكتب كلماتها بما يتناسب وموضوع الفيلم، ويتم عمل "كليب" للأغنية من مشاهد الفيلم، ويُستخدم هذا الأسلوب للدعاية للفيلم من ناحية، والدعاية للمطرب من ناحية أخرى، وقد بدأ هذا الأسلوب في الانتشار في مصر بصفة خاصة بعد نجاح أغنية فيلم "تيتانك"، والتي قدمتها الكندية "سيلين ديون"، والتي أعقبها نجاح لأغنيات بعض الأفلام، كأغنيات "كامننا" من فيلم "إسماعيلية رايح جاي"، وأغاني فيلم "صعيدي في الجامعة الأميريكة"، وغيرهم من الأفلام، وبالتالي حلت فكرة أغنية الفيلم مكان الفيلم الذي يقوم ببطولته المطرب أو المطربة، وإن لم تُلغ هذه النوعية من الأفلام، فمطرب كـ "تامر حسني" تحقق أفلامه نجاحًا ساحقًا اعتمادًا على شهرته كمغنٍ، وليس كممثل. |