بقلم: نبيل شرف الدين
لم يحدث هذا فجأة، بل تداعت الكيانات الخارجية والداخلية على جثة الدولة المصريةـ وليس الحكومةـ لتنهشها، بينما لا يملك أولو الأمر منا سوى عبارات النفى السخيفة ولغو القول، وإليكم بعضاً، مما تختزنه ذاكرتى المثقلة بالمرارات لمشاهد لو وضعت جنباً إلى جنب لاكتشفنا أى انحطاط بلغناه.
لماذا تجرؤ حركة مثل «حماس» لا يتجاوز عدد أعضائها طلاب جامعة مصرية واحدة، على اقتحام حدودنا وقتل جنودنا ورفع علمها على مقر حكومى؟
وكيف يصل الأمر بمقاول حرب مثل حسن نصرالله، ليقول صراحة إنه أرسل كوادر حزبه لتخترق أمننا بزعم مساندة المقاومة فى غزة، كأن مصر مستباحة فلا يحاول حتى إنكار فعلته، بل يباهى بها؟!
وأين كنا ودول منابع النيل تتسرب من بين أيدينا لنجد ساستها يصرخون فى وجوهنا بأن نفيق من أوهام الاستعلاء التى نتحدث بها عن حقوقنا التاريخية فى حصة مياه النهر، التى دونها الموت والخراب؟
كل هذه الإهانات فى كفة، وما يجرى فى الداخل فى كفة أخرى، فخلال الأيام الماضية شهدت مصر حدثين يكشفان مدى هشاشة الدولة، وهما: حكم الإدارية العليا، الذى يلزم الكنيسة القبطية بالتصريح بالزواج ثانية لمسيحى مطلق، والثانى هو انتخابات مجلس الشورى، وما شابها من أعمال عنف وعدم اكتراث شعبى.
وبدلاً من أن تجتهد الكنيسة القبطية ـ وليس بوسع أحد أن يزايد على احترامى شخصياً لمكانتها والدفاع عن مواقفها الوطنية فى التصدى للملف الشائك الخاص بالأحوال الشخصية نجدها الآن تتحدى أحكام القضاء، وتؤكد عدم امتثالها بزعم «الالتزام بتعاليم الدين وحماية تماسك الأسرة»، وهنا ينبغى على الدولة الاعتداد بالزواج المدنى، ومن يرغب فى الطقوس ـ إسلامية أو مسيحية أو غيرها ـ فليفعل، لكن الأساس يكون للعقد المدنى، كما يحدث فى الدول المتحضرة.
أعرف حالات لزيجات بين مسيحيين وصلت لطريق مسدود وانتقلت من دائرة المحبة إلى كهوف العداوة، ومعظم هؤلاء من المسيحيين المتدينين، لأنهم لو لم يكونوا هكذا لما كانت لديهم مشكلة، فبوسعهم مثلاً اللجوء لألاعيب تغيير الملة أو الطائفة حتى تطبق الشريعة الإسلامية على قضيتهم وينتهى الأمر، لكن حرص هؤلاء على الارتباط وفق تعاليم عقيدتهم وتقاليد كنيستهم هو ما دفعهم لساحات القضاء، لأن الطلاق أحياناً يكون حلاً ناجعاً لعلاقات ضربها الخراب، ولم يعد استمرارها من الحكمة ولا حتى مصلحة الطرفين.
وهنا تجد الكنيسة ومن يصطف خلفها دفاعاً عن مواقفها، فى العاطل والباطل، حيال مأزق حقيقى، يتمثل فى سؤال المواطنة ودولة القانون، فكيف نشكو ليل نهار من انعدام معايير العدالة فى ملفات أخرى كبناء دور العبادة، والمناصب العليا والفرز الطائفى وغير ذلك، بينما ننحاز دون تفكير لسطوة رجال الدين؟!
أما الحدث الثانى فهو انتخابات الشورى، وبدلاً من أن يسعى الحزب الوطنى بكل أذرعه الأخطبوطية التى تنتشر فى كل أنحاء مصر، لتفعيل دوره، وتنقية صفوفه من الانتهازيين والفاسدين، والتواصل مع البسطاء لتقديم خدمات حقيقية لهم فى مواجهة تمدد التيار الدينى بشقيه (الإخوانى والسلفى)، نجد جهابذة الحزب يفضلون الحل الأسهل، وهو نسف العملية الانتخابية، وتمرير النتائج التى تروقهم.
نحن الآن أمام منعطف حاد، وهو: ماذا نريد لمستقبل بلادنا؟، هل نريد دولة شرائع أم دولة قانون؟ وهل ينبغى أن تكون الكلمة العليا بيد الدولة أم بيد رجال الدين؟ وكيف نطالب الآخرين باحترامنا ونحن لا نحترم قوانين دولتنا، وما الفرق بين اللجوء للعنف والتزوير، واستخدام الدين فى اللعبة السياسية من جهة أخرى.
بالمختصر المفيد، مصر بحاجة ملحّة لمنظومة «أتاتوركية» تفصل بين الدين والسياسة، لأن الاستمرار فى هذا الخلط سيؤدى لمزيد من الفرز الطائفى، وربما يقودنا لفوضى شاملة، وينسف أملاً لبناء دولة عصرية، فهذه الدولة هى «علمانية بالضرورة»، وعلى من يجادل فى هذه الحقيقة السياسية الساطعة، أن يسمى لنا دولة دينية واحدة يمكن تصنيفها كدولة قانون، ومن هنا فعلينا إعادة ترتيب أوراق مؤسساتنا.. الكنيسة، الأزهر، الأحزاب السياسية.. إلخ، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وهو المستعان على غضب الجميع، فدائماً كانت كلمة الحقّ قاسية، ولم تبق لقائلها صديقاً.
|
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|