بقلم: د.يحيى الوكيل
• الحكومة المصرية سمحت بالتظاهر اعتراضًا على أحداث أسطول الحرية وتمنعه للاعتراض على منع مياه النيل عن مصر.
•الحكومة المصرية تعترض على استخدام اسرائيل "للقوة المفرطة وغير المبررة" ضد من ضربوا جنودها وتضرب المتظاهرين المصريين المعارضين بالرصاص.
• الاهتمام بملف مياه النيل انتهى في ظل الاهتمام الإعلامي بأحداث أسطول الحرية.
من وقت أحداث أسطول الحرية والإعلام المصري المُغَيَب والمُغَيِب لا يتناول موضوعًا غيره ونسى الأهم: موضوع السدود التي تُنشأ على منابع النيل.
الحكومة فرحت بأحداث أسطول الحرية للتعمية على التزوير الفاضح في انتخابات التجديد النصفي، واصطادت في المياه العكرة بفتح معبر رفح – الذي لا يمكن أن تفتحه إلا بموافقة إسرائيل – فقللت من الهجوم الإعلامي الجزائري والقطري وألقت بعظمة للإخوان المسلمين تسكتهم بها عما حدث لمرشحيهم، وإن استمر النباح ولكن على استحياء هذه المرة.
الشعب نفسه سعيد جدًا بأحداث أسطول الحرية، ولِما لا وقد حصل أخيرًا على حرية التظاهر؟ فقد خرج الكثيرون من المغيبين في مظاهرات حاشدة تحت سمع وبصر الحكومة وبمباركتها هذه المرة بخلاف ما هم معتادون عليه من إجهاض كل محاولة للتعبير الحر عن الرأي.. السؤال هنا لماذا لم يخرج هذا
الشعب نفسه معربًا عن غضبه لغدر دول منبع النيل بنا وتمزيقهم لمعاهدات دولية تحفظ لنا حقوقنا في مياه النهر التي بدونها ستصير مصر صحراء جرداء؟
لماذا لم يطلب النائب القصاص ضرب هؤلاء المتظاهرين بالرصاص؟ أليست المظاهرات حشدًا يمكن له الخروج عن السيطرة والإفساد في الأرض كما حاول سيادته تعليل ما طلب تحت قبة مجلس "الشعب"؟ ألأن المتظاهرين كانوا ينفذون أجندة الإخوان المسلمين من استصراخ الدعم لحماس؟ نعم ولا شك، فالإخوان لا يعملون إلا لمصلحة الوهابيين سادتهم ودائمًا ضد ما فيه صالح مصر.
الوهابيون نفسهم لا نسمع لهم حسًا ولا نحس لهم وجودًا في الأمر، والأمر طبيعي وسهل فهمه بحسابات السياسة – وهو ما يثبت أنها سياسة وليست دفاعًا عن عقيدة أو مقدسات.
قدر تركيا في الشارع العربى والإسلامي المغيب عن الحقائق ارتفع جدًا بعد الأحداث الدموية على ظهر السفينة "مرمرة الزرقاء"، وأصبح للدور التركي في اللعبة وجود وهذا ما لا يريده الوهابيون الذين يريدون "الكعكة" كلها ولذلك فهم لا يريدون الدخول في لعبة الإعلام في الوقت الراهن وإلا ساهموا في زيادة تلميع الدور التركي والذى اندفع فيه "علماء" الإسلام ممثلين في جبهة علماء الأزهر والذين قرظوا المديح لأردوغان حتى شبهوه بالخليفة الراشدي عمر بن الخطاب في نفاق رخيص ولكن ماذا نتوقع من مثلهم؟ تجمعهم وجبة ثريد ويفرقهم ديك مشوي.
نسى الجميع أنه لم يكن ليمكن غزو الأمريكي للعراق العربي إلا بمساعدة تركيا، ونسوا "القوة المفرطة" التي تستعملها تركيا ضد الأكراد المسلمين والذين تشابه ظروفهم المعيشية تلك التي في غزة.
إذن فحسابات السياسة تتطلب من الوهابيين السكوت إلى حين؛ هؤلاء الوهابيون هم أحد أسباب بناء السدود ومنع الماء عن مصر لري أراض استأجروها أو اشتروها لتضمن لهم الغذاء والوقود الحيوي بعد انتهاء الحيض النفطي من أرضهم – هذا لمن لا يعلم.
الحكومة باقية على عدائها لإسرائيل لأنه ضرورة لبقائها
الحكومة تعلم أن رصيدها السياسي عند الشعب تحت الصفر بمراحل، ولا حل لالتفاف الشعب حولها الا بتعريضه لخطر خارجي وهي لعبة سياسية معروفة لكل من قرأ كتاب الأمير لميكيافيللي، وبالرغم من أننا محاطون بالأعداء من كل اتجاه تقريبًا إلا أن إسرائيل لا تزال تمثل العدو الأسهل في تقديمه للشعب لأسباب كثيرة بينما العدو الحقيقي في الجنوب والشرق. عدونا في الشرق لا يمكن مهاجمته لأن أولادنا عنده رهائن ولأن مقدسات الأغلبية العظمى من الشعب في أرضه، وعدونا في الجنوب بعيد بعيد وليست لنا قدرة دبلوماسية أو عسكرية لردعه ولو حاولنا وفشلنا فستريق الحكومة ماء وجهها بينما الفشل أمام إسرائيل يمكن دائمًا تعليقه على شماعة الدعم الأمريكي؛ ومن يقدر على أمريكا؟
الإخوان المسلمون باقون على عدائهم لاسرائيل لأنه ضروري لبقائهم
فالتوجه الديني لهذه الجماعة يحمل في قلبه العداء لليهود والذي يصمم الفكر الإسلامي على أنه دائم إلى يوم القيامة، فلا تستطيع هذه الجماعة مهادنة إسرائيل مهما فعلت، فكل يهودي عندها عدو وليست الدولة الصهيونية فقط، ولو وقعت الدولة العبرية اليوم على اتفاق سلام نهائي يحفظ لها وجودها ويعيد للفلسطينيين ما يريده الفلسطينيون لكانت كارثة على الإخوان المسلمين والذين اكتسبوا شهرتهم وثقلهم السياسى من غاراتهم على المستوطنات اليهودية في حرب 1948؛ ولا أظنهم سيجيشون الكتائب للجهاد على ضفاف بحيرة فيكتوريا.
الإعلام الفاسد يهمه البقاء على العداء لإسرائيل
لأن بقاء كل تلك الكتيبة من المذيعين والمذيعات - والذين تحولوا لغيلان قوى وليس فقط مراكز قوى – قائم على دغدغة مشاعر العامة وتضخيم الأحداث معتمدين على الذاكرة المجمعة لشعب عاطفي عانى من حرب طويلة مع إسرائيل لم تترك بيتًا في مصر إلا وفيه شهيد أو جريح ولا يزال يصدق قصة النصر العسكرى النهائي في معارك أكتوبر 1973، أما إفريقيا فهي صعبة على فهم تلك الكتيبة بمخزون ثقافتها المحدود وأحيانًا المعدوم.
في كل ذلك، أين مصلحة الشعب؟
من للنيل إذن؟
أين أنتِ يا إيزيس؟ هل سنحتاج لدموعك مرة ثانية إن جف النهر؟ |