بقلم: تيتو غبريال
يحدثنا الروح القدس في الكتاب المقدس على فم معلمنا مار يوحنا الحبيب قائلاً:
17- "فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة.18– حيث صلبوه وصلبوا اثنين آخرين معه من هنا ومن هنا ويسوع في الوسط.19- وكتب بيلاطس عنواناً ووضعه على الصليب، وكان مكتوبا "يسوع الناصرى، ملك اليهود." 20– فقرأ هذا العنوان كثيرون من اليهود، لأن المكان الذي صُلب فيه يسوع كان قريباً من المدينة، وكان مكتوباً بالعبرانية واليونانية واللاتينية.21– فقال رؤساء كهنة لبيلاطس "لا تكتب ملك اليهود، بل أن ذاك قال، أنا ملك اليهود".22- أجاب بيلاطس "ما كُتب قد كُتب".23- ثم أن العسكر، لما كانوا قد صلبوا يسوع، أخذوا ثيابه وجعلوها أربعة أقسام لكل عسكري قسماً وأخذوا القميص أيضاً، وكان القميص بغير خياطة، منسوجاً كله من فوق.24- فقال بعضهم لبعض: "لا نشقه، بل نقترع عليه لمن يكون" ليتم الكتاب القائل "اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة" هذا فعله العسكر. (يو17:19-24)
يخبرنا الروح عن السيد المسيح في دار الولاية أولاً ثم من أورشليم ثانياً ليصلب خارج المحلة.
"الجلجثة"
1- "الجلجثة" مشتقة من الكلمة الأرامية "جلجاتة" والتي تعني "جمجمة" وهو الاسم الذي وردت به في بشائر القديسين متى، مرقس، يوحنا وهي في اللاتينية Calvaria.
ولا ترد كلمة "جمجمة" في العهد القديم إلا في سفري (قضاة 9 : 53، 2مل 9 : 35). فكان التقليد الموروث عند اليهود يقول أنها المكان الذى دفنت فيه جمجمة آدم، كذلك يصفها العلماء أنها ربوة متوسطة الإرتفاع، شكلها الصخري يشبه الجمجمة في تكوينها، وكان هذا المكان يستخدم للرجم وقريباً من المدينة لهذا نلاحظ عزيزى القارئ أن كنيستنا في إبراز هذا المعنى الروحي راعت في طقس أسبوع الآلام ترك الهيكل وخورس الشمامسة، والصلاة في صحن الكنيسة للخروج مع المسيح خارج أورشليم مرنمة في قانون الدفنة في ختام صلوات الجمعة العظيمة "الجلجلة بالعبرانية، والأقرانيون باليونانية، الموضع الذي صلبت فيه يارب..."
و من الآراء حول هذا الاسم:
1- أن الجلجثة أو الجمجمة هي موضع تنفيذ أحكام الإعدام، وبالتالي الموضع الذي تلقى فيه الجماجم، وقد نشأ هذا الرأي منذ عصر القديس جيروم (342-420 م) أي في أواخرالقرن الرابع الميلادي، وأقيم على هذا المكان كنيسة القبر المقدس.
2- يذكر تقليد قديم يعود إلى ما قبل المسيحية، أن جمجمة آدم وجدت هناك (لهذا توجد في بعض صور الصلبوت جمجمة أسفل الصليب حيث ينزل دم المخلص عليها ليطهرها)، وأول من ذكر ذلك العلامة أوريجانوس (185-253م) وقد عاش في أورشليم عشرون سنة فقد قال: "لقد سمعت تقليداً يقول بأن جسد آدم الإنسان الأول قد دفن في نفس الموضع الذي صلب المسيح"، ولقد أشار إلى هذا التقليد يوسابيوس القيصري، والقديسون أثناسيوس الرسولي، وأبيفانيوس، ويوحنا ذهبي الفم، وغيرهم.
وفي شذرات من كتابات الأبوكريفا عن آدم (أن صخرة الجلجثة كانت تقع في الحقل الذي ذبح فيه هابيل، ولما جاءت مياه الفيضان أيام "نوح" حركت جمجمة آدم إلى حيث الموضع الذي دفن فيه هابيل).
وجاء في طرح الأحد السادس من الخمسين المقدسة: الأقرانيون باليونانية الجلجثة بالعبرانية صخرة حقل هابيل التي خارج أورشليم.
وهذا أيضاً ما أكده لنا الروح على فم بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين: "لذلك يسوع أيضاً لكي يقدس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب، فلنخرج إذاً إليه خارج المحلة حاملين عاره" (عب13:12-13).
مما سبق تحفزنا الجلجثة ذلك المكان المزدرى والحقير الذي صُلب فيه رب المجد خارج الباب ونفي بعيداً عن الناس، لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومرزلولاً، وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا، كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا ظُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه، من الضغطة ومن الدينونة أخذ وفي جيله من كان يظن أنه قُطع من أرض الأحياء أنه ضُرب من أجل ذنب شعبي وجُعل مع الأشرار قبره ومع غنى عند موته على أنه لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غش (أش 53 :4-9)... من أجل أنه سكب للموته نفسه وأحصي مع أثمة (أش 53 : 12 ومر 15 : 28 ولو22 : 37)
1- يحفزنا هذا المكان إلى مفهوم جديد وهو وأن كنا ضمن ممن أبعدوا عن المدينة وزج بهم خارج المحلة، وإن كان قد سُلب منك مركزاً وقُذف بك خارج المحلة، وإن سرق منك درجة علمية وقًذف بك خارج المحلة، وإن كنت فقيراً معدماً وأبعدوك خارج المحلة، وإن كنت يتيماً ولن تجد من يرعاك وذهبت إلى خارج المحلة، وإن كنت أرملة وزج بك خارج المحلة... إن كنا أحد هؤلاء أو تلك يجب علينا أن نفصل أنفسنا عن حياة العالم يجب أن نخرج خارج أبواب العالم يجب أن تحتمل ذات العار الذي احتمله المسيح لأجلنا، إن الإنفصال والإنعزال والإذلال لا بد أن يقع على المسيحي الذي يأتي إلى المسيح ويسلم حياته له
إن المسيحي يجب أن يكون مستعداً لاختبار نفس المعاملة من العالم مثلما اختبرها سيده، وعلينا أن نفرح ونسر حينما يخرجونا خارج المحلة لأن هناك ستصلب مشاكلنا وآلامنا وخطايانا وفسادنا وستجفف دموعنا، لأنه قال "طوبى للحزانى الآن لأنهم يتعزون.. طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات، طوبى لكم إذا عيروكم و قالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين، افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات" (مت 5 : 4و 10-12)، وسنتقابل مع ذلك المصلوب ولا تكون ضمن المستهزئين به كأحد اللصين حتى لا نزيد من آلامه، لكن علينا أن نقدم ذبيحة شكر وتسبيح لله.
كانت الشعوب القديمة تقول أحياناً أن ذبيحة الشكر أفضل عند الله من ذبيحة الخطية، لأن الإنسان عندما يقدم ذبيحة الخطية يرغب في الحصول على غفران خطاياه من عند الله، أما ذبيحة الشكر فهي ذبيحة القلب الشكور وهو لا يرجو من ورائها شيئاً ولا يشترط شرطاً ما، ولأن الذبائح قد ابطلت بعد ذبيحة المخلص فإن أفضل جميع الذبائح التي تقدمها لله هي ذبيحة تقديم المساعدة لواحد من أبنائه المحتاجين قائلاً مع داود "فالذبيحة لله روح منسحق القلب المنكسر المتواضع لا يرذله الله" (مز الخمسين)، واصرخ مع اللص التائب والكنيسة "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك، اذكرني يا قدوس متى جئت في ملكوتك، اذكرني يا سيد متى جئت في ملكوتك".
و ثق أنك ستسمع الصوت القائل "اليوم تكون معى في الفردوس" (لو23-43).
2-خلاص كل الأرض
إن العساكر الأربعة التي كانت تحيط بالسيد المسيح ترمز إلى جهات الأرض الأربعة و هذا إعلان لخلاص الأرض بالصليب فللرب الأرض و ملؤها، المسكونة وجميع الساكنين فيها (مز 23 :1)، وها نحن يا أحبائي نرى دم المسيح وقد شمل الأرض كلها، فلتطمئن أيها القطيع الصغير لأنه قال "وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (مت 28 : 20).
3- الأخبار السارة
هذه هي الأخبار السارة التي لإيماننا المسيحي.. عندما نكون متأكدين من القيامة فإنه يمكننا أن نحتمل كل شيء، عندما نكون متأكدين من القيامة يكون لنا رجاء ويقين الحياة حتى داخل الموت عندما وضع الرب يسوع في القبر يوم الجمعة العظيمة، مات الرجاء حتى في قلوب أعز أصدقائه المخلصين، في اليوم الثالث تبدد ظلام اليأس بنور القيامة البهى العجيب.
لم يعد التلاميذ يخافون الموت فيما بعد لأنهم علموا أن سيدهم قام من القبر حتى نقوم نحن معه، عاد إلى الأرض حتى نؤمن في قيامتنا الجسدية الخاصة بنا صعد الى السماء ليعد مكانا للمؤمنين به . لقد تأكدوا أنه بسبب أن سيدهم مات وقام، فان الجمعة العظيمة سوف يتبعها دائما قيامة، حزن ثم فرح، موت ثم قيامة.
اتهم كاهن ألمانى بالخيانة العظمى أيام النازى، وقبل تنفيذ حكم الإعدام، فإن الجلاد الكافر الملحد أراد أن يقدم نكتته الأخيرة على رجل الله فأخذ يتباهى بمسدسه، ثم استهزأ بالكاهن وقال: "خمس دقائق وينتهي كل شيء، أين إلهك القادر على كل شيء؟" وبصوت ثابت الجأش أجابه الكاهن: "نعم حقاً إن لك القوة عليّ اليوم وكل طفل يمكن أن يرى ذلك، ويمكن أن تكون لك القوة غداً أيضاً، ولكن عليك ألا تنسى أنه لا يزال يوجد يوم ثالث وهذا خاص بالله" ثم أُعدم، نعم إن اليوم الثالث هو يوم خاص بالرب يسوع ولجميع الذين أسلموا نفوسهم له.
فلنتهلل مع القديس أغريغوريوس النزينزي:
"يوم أمس صُلبت معه، واليوم أُمجد معه
يوم أمس متّ معه، واليوم أحيا معه
يوم أمس دُفنت معه، واليوم أقوم معه". |