بقلم : مجدي جورج
لي مع البنك المركزى قصة أحب ان ارويها للقراء الأعزاء وهذه القصة هى قصة كل مصري بصفة عامة لا يملك اى واسطة من اجل الحصول على وظيفة وهى أيضا قصة كل قبطى بصفة خاصة تقف قبطيته وتمسكه بإيمانه عقبة فى بعض الأوقات أمام حصوله على وظيفة .
تبدأ القصة عندما أنهيت دراستي بجامعة القاهرة وقد أنهيت دراستي بتقدير اهلنى أن أكون من أوائل دفعتي وكان هذا في أواخر الثمانينات, وقد ظننت اننى بتقديري العالي الذي حصلت عليه بالإضافة إلى اننى خريج إحدى كليات القمة فى تلك الفترة فى مصر ظننت لهذه الأسباب ان فرصة حصولي على فرصة عمل مناسبة وان كانت لن تكون سهلة الا أنها لن تكون صعبة .
ولكن عادة ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن وهذا ما حدث معي فقد دخلت إلى أكثر من مسابقة ولكنني كنت أفاجئ بعد النتيجة باننى لم أوفق فى الحصول على الوظيفة وان هناك غيري من لا يملكون لا تقديري العالي وربما لا يملكون التخصص المطلوب للوظيفة ولكنهم يملكون الواسطة وبذلك ينجحون فى الحصول على الوظيفة وبكل صراحة تكرر هذا الأمر معي أكثر من خمسة عشر مرة .
المهم في النهاية عندما أعلنت وزارة الاقتصاد عن حاجتها إلى باحثين اقتصاديين تقدمت للوظيفة وعندما جاء يوم الاختبار انفردت يومها لبضعة ثوان مع رئيس لجنة الامتحان وشرحت له حالتي وقلت له اننى دخلت أكثر من مسابقة ولاننى لا املك واسطة فلم استطع الحصول على وظيفة. فقال الرجل لى أوعدك انك لو كنت تملك المؤهلات اللازمة للوظيفة فستنالها وكان الرجل فعلا عند وعده وحصلت على الوظيفة.
المهم بعدها وفى منتصف التسعينات علمت إن البنك المركزي أعلن عن حاجته إلى باحثين اقتصاديين فقلت لنفسي : لماذا لا أحاول الانتقال إلى البنك المركزي حيث إن المكانة هناك أفضل والمرتب هناك اعلي كما كان يؤكد لي ذلك مجموعة من اصدقائى الذين يعملون هناك ؟
وفعلا قررت التقدم للوظيفة خصوصا اننى املك المؤهلات التي تتطلبها الوظيفة كما ان خبرتي التى اكتسبتها من العمل فى البحوث بوزارة الاقتصاد ستضيف لطلبي وزن كبير وتساعدني فى الحصول على الوظيفة ومع ذلك وتحسبا لكل شئ ولان المؤمن لا يجب ان يلدغ من الجحر مرتين فاننى قلت لنفسي ان هذا غير كاف ويجب ان ابحث عن واسطة مناسبة ووجدت وقتها ان افضل واسطة هو احد اصدقائى وزميل دراسة رافقني اربع سنوات فى دراستنا بالكلية وكانت تربطه علاقة وطيدة بالدكتورة فائقة الرفاعى وكيلة البنك المركزي وقتها وكانت عضو معين بمجلس الشعب أيضا ودخلنا انا وصديقي الى د. فائقة وبعد ان عرفت مؤهلاتي وعرفت اننى اعمل أصلا بالبحوث وان الوظيفة المعلن عنها هى ايضا فى مجال البحوث رحبت بعملي بالبنك وأحسست وقتها ان الوظيفة قريبة منى جدا ولكنها فجأة وكأنها تذكرت شئ هام فسالتنى عن بطاقتي الشخصية وبعد إن تفحصتها قالت لي : آسفة لكن شروط الوظيفة لا تنطبق عليك .
فقلت لها : لماذا؟!!!
فردت على قائلة : لأنك لست من سكان القاهرة الكبرى كما يتضح من بيانات البطاقة .
فرددت عليها قائلا : ولكن يادكتورة انا اعمل بالقاهرة ومقيم بالقاهرة ولدى شقة بالقاهرة الكبرى واسكن بها مع ابنتي ومع زوجتي التي تعمل ايضا بالقاهرة ولدى كل ما يثبت ذلك .
فردت على قائلة : ولكنك لم تغير هذه البيانات فى البطاقة .
فقلت لها بغيظ مكتوم وقد أحسست ان الوظيفة طارت : وحتى لو لم اكن من سكان القاهرة الكبرى فهل الوظائف حكر على ابناء القاهرة فقط وأبناء الأقاليم محرمون منها ؟
خرجت يومها من مبنى البنك المركزي بوسط القاهرة وانا اعلم ان السبب فى عدم حصولي على الوظيفة هو قبطيتي وديانتي وليس اى شئ أخر.
وكانت هذه هي أول و أخر علاقة لي بالبنك المركزي ولكن ما جدد أحزانى هذه الأيام ليس ذكرى ضياع الوظيفة فانا اعرف ان سياسة تحجيم عدد الأقباط فى البنوك هي امر متبع منذ وقت طويل ومن يومها والنهب والسرقات والحصول على قروض بدون ضمانات كافية والهرب بها فى تزايد مستمر.
ولكن ما احزننى هذه الأيام هى السرقة التى حدثت بمطبعة البنك المركزي بالجيزة والتى كانت بطلتها فادية عبد الحليم الشرقاوي 46 سنة، المشرفة على خزينة المطبعة حيث اعترفت انها كانت تدخل خزينة المطبعة منذ عام ونصف بكيس بلاستيك كبير دون أن يسألها احد ما به وبذلك استطاعت سرقة 2800000 اى ما يقارب من 3 مليون جنيه .
المحزن في الأمر ان مرتب هذه السيدة الشهري يتجاوز العشرة ألاف جنيه شهريا ( مبلغ ربما يتقاضاه حوالى عشرين موظف فى أماكن اخرى ومع ذلك متمسكين بشرفهم وأمانتهم ) ومع ذلك مدت يدها وسرقة كل هذه الأموال.
سلوك هذه السيدة هو سلوك مستشري فى مجتمعنا الان فنحن فى الدرك الاسفل فى ترتيب الدول من حيث الشفافية, والرشوة والمحسوبية منتشرة بشدة هذه الايام والخدمات العامة التى من المفروض الحصول عليها مجانا او فى مقابل مصروفات بسيطة يقوم القائمين عليها ببيعها للجمهور وبأعلى الاسعار ولحسابهم الخاص.
هذه السيدة وأمثالها متواجدين ألان بكثرة في مجتمعنا وهم يظنون ان الوظيفة العامة هي سبوبة ومغنم وفرصة جاءت ولابد من اغتنامها والاغتناء منها باى وسيلة, فمنهم من يسرق مباشرة ومنهم من يفتح درج مكتبه ويرتشي واغلبهم بيفتح دماغه كما يقول علشان يعيش والشريف الذى يدخل وسطهم يحاول من حوله ان يجعلوه مجرما مثلهم واذا أصر على الشرف فان لهم الكثير من الطرق الكافية بإبعاده او حتى تلويثه ورميه فى السجن.
المضحك في قصة هذه السيدة أنها أعلنت كما جاء بالأهرام انها كانت محتاجة هذه الأموال لتسديد بعض حاجتها وأنها كانت مزمعة على رد هذه الاموال فيما بعد .
وكم فيكى يامصر من المضحكات المبكيات . |