بقلم: صبرى فوزى جوهرة
تعانى كنيستنا القبطية الارثوكسية من جرح مزمن استعصى التئامه تظهر على جوانبه علامات الالتهاب الحاد على خلفية مستديمة من التقرح. اما الجرح المعنى فهو ابعاد بعض الكهنة, و ربما اساقفة فى بعض الاحيان, عن الرعاية. يتبع هذه الاجراءات المؤسفة الحزينة التهابات حادة متجددة تشعل الجرح و تضاعف آلامه بينما تنهمر الاستفسارات و التساؤلات والمناقشات و الهمس و التذمر بل و التشفى احيانا.
يجدر بى اولا ان اعتراف باننى لم اطلع على قوانين الكنيسة و تقاليدها المستمدة من تعاليم الرسل, و من ثمة جهلى التام بقواعد و اصول القرارات المتخذة فى هذاالشأن الخطير. كل ما اعرفه عنه جاء مما يمليه على المنطق, و المنطق هو نصير العدل و شقيقه, و ما اقرأ فى نشرات الكنيسة وعادة ما تجىء غاية فى الاقتضاب تحت هذه الملابسات, و اضبف الى ما سبق من مصادر ما اسمع و ارى فى وسائل الاعلام, علما بان الكثير منها غير صادق او امين بل معاد وكاره للاقباط و كنيستهم, كذلك ما يصلنى من اقوال صديق او آخر من المطلعين على مجريات الامور فى دوائر الرئاسة الكهنوتية. نظرا لما سبق, لا يصح لى سوى التأمل و محاولة الفهم عن طريق الرجوع الى بعض الثوابت المتاحة. مرة اخرى استميح قبولكم و اشكركم مقدما على سعة صدركم بالمتابعة:
1. لفظة "شلح" هى تعبير قاس كم تمنيت ان يستبدل بآخر اقل ايلاما للكنيسة و الشعب و الكاهن المبعد.
2. كما انه من حق الشعب ان يختار راعيه, وهذا مبدأ ارساه قداسة البابا شنودة ذاته, فمن المنطق ان يكون من حقه ايضا التعرف على اسباب استبعاد هذا الراعى.
3. فى ابعاد كاهن عن خدمته اضرار نفسية بالغة القسوة الى جانب الحرج الاجتماعى الشديد له و لاسرته, ناهيك عن الضيقة و الضنك المالي. وانا على ثقة تامة بان قداسة البابا اول من يعلم و يعمل بهذه المعطيات.
4. من هنا يجب الا يتخذ قرار الابعاد الا بعد التأكد من حتميته لحماية العقيدة و الحفاظ على قدسية الكهنوت و جلاله.
5. لا شك ان الانحراف العقائدى هواقوى اسباب الآستبعاد. فكنيستنا بقيت صامدة راسخة على مدار عشرين قرنا من الزمان بالرغم من تربص اعداء لها كانوا من اقوى و اشر من عرفت البشرية. يرجع هذا البقاء المعجزى الى التمسك بعقيدة رسولية تسلمتها الكنيسة الاولى و حفظتها بلا انحراف او نقص او اضافة.
6. عند ظهور انحراف عقائدى , يتعين على الكنيسة ممثلة فى لجنة من اعضاء المجمع المقدس ابلاغ الكاهن المخالف بمضمون الايمان الصحيح, ثم السماح له بفترة من الزمن يكون خلالها تحت المراقبة لمراجعة النفس و الالتزام بالتعاليم المعلنة لكنيستنا. ويصبح ابعاده امرا نهائيا ان لم يلتزم بهذا الاجراء.
7. فى حالة اصرار الكاهن على التمسك بما يخالف تعاليم الكنيسة,يعلن رئيس المجمع المقدس, قداسة البابا لشعب الكنيسة بوضوح ان الابعاد جاء لاسباب عقائديه بحته, مع تبيان رأى الكاهن غير المطابق للايمان و مضاهاته بالتعليم الكنسى السليم, ثم شرح اسباب فساد الرأى المخالف للعقيدة الارثوذكسيسة.
8. الاعلان بان الابعاد كان لاسباب عقائدية يمنع عن الشخص المبعد شبهات السقوط الخلقى و يترك له سبيلا لكسب العيش بالتحاقه بمؤسسة دينية اخرى (ان وجدت) تتقبل ارائه. و بطبيعة الحال يكاد هذا الخيار ان ينعدم اذا دارت شائعات كاذبة تشير الى انحراف خلقى.
9. الانحراف الخلقى سبب لا يقل خطورة عن المروق العقائدى. و يتمثل فى العلاقات غير المشروعة او السليمة بين الكاهن و افراد شعبه او غيرهم - واعنى بذلك السيدات خاصة, او افشاء اسرار المعترفين او من يلجأ للكنيسة من افراد او اسر للمساعدة فى امور خاصة حتى و ان كانت خارج سرالاعتراف. كذلك عدم الامانه المالية بالاضافة الى اية نقائص اخرى لا تليق بقدسية و بجلال الكهنوت خاصة ان تعددت او تكررت.
10. يقترح العبد لله اشراك اعضاء من الكهنة او العلمانيين من خارج المجمع المقدس فى المحاكمة الكنسية كلجنة غير مستديمة العضوية (ad hoc), لا معرفة مسبقة لافرادها بالكاهن موضع البحث و من خارج ايبارشيات اعضاء لجنة المجمع المقدس القائمه بالتحقيق, و يكون لاعضائها حق المناقشة و الاستجواب و التصويت.
11. بصرف النظر عن الاسباب, يجب الا يتخذ قرار الابعاد بدون الحضورالشخصى للكاهن مع ممثل له من المفضل ان يكون من رجال الاكليروس و يصرح له الدفاع عن نفسه و عرض موقفه مؤيدا بالوثائق ان وجدت.
12. اذا جاء الابعاد لاسباب خلقية فيكتفى بذكر هذا دون اية تفاصيل. حيث انه من الخطأ الجسيم عدم الاعلان عن ذلك منعا للجدال العقيم ان لم تعلن الحقيقة. و ان كان هذا الاشهار بالامر المحتم بالنسبة لتجريد كاهن فهو اشد ضرورة عندما يتعلق براهب او اسقف او مطران,لا من قبيل الانتقام او مضاعفة الجزاء بل حرصا على نقاء الكنيسة و طهارة سمعتها و ليتعرف الشعب و باقى الاكليروس على فساد هذا الشخص و عدم صلاحيته لتبؤ كرسى ابراشية او لا قدر الله الكرسى البابوى ان تغيرت الاحوال و عاد للخدمة فى الكنيسة وهو ما اعتقد بشله استحالته . بالاضافة الى ذلك, فانه من المسلم به ان الانحراف الخلقى لا يمكن اخفائه الى الابد و ان حقيقته ستطفو على السطح آجلا او عاجلا. ثم تصل الانباء الى جهات معادية تستغل ضعف المذنب و توقعه فى شراك سيطرتها التامة بتسجيل و توثيق خطاياه ثم ابتزازه بنشرها ان لم يعمل لحسابها و صالحها عوضا عن صالح شعبه و كنيسته.
13. لا شك ان انتشار الكنيسة القبطية فى الارض من اقاصيها الى اقاصيها يعرض ابنائها و اكليروسها لمعتقدات و ممارسات و ضغوط جديدة و غريبة لم تعتاد عليها قد تسبب عثرات للبعض ممن قل علمهم او ضعف ايمانهم, كذلك متطلبات و تعقيدات الحياة المادية فى المجتمعات الجديدة القاسية قد تؤدى الى تضاعف حالات الانحراف الاخلاقى و المالى. ذلك بينما تتطلب الخدمة المتزايدة اعدادا اكبر من رجال الاكليروس و بالتالى يزداد احتمال اختيارات قد تبدو صالحه فى اولها ثم يثبت عكس ذلك مع مرور الوقت و التجارب.
اما ما قيل من ان الكنيسة تخضع لاغراءات و ضغوط الدولة فى ابعادها لرجال الاكليروس النشطاء المتعاطفين مع رعيتهم الواقعة بين رحى العدوان و الظلم فهذا هراء غير مباح. فلم يعرف عن قداسة البابا مطلقا قسوة القلب او ضعف الارادة و الصلابة فى التمسك بالحق. بالتالى فهو لن يستبيح اقصاء راع صالح عن رعيته ارضاء لسلطة او خضوعا لتهديد. و فى حالة الاب الفاضل زكريا بطرس الاثبات المقنع. رفض قداسة البابا تجريد القمص العظيم من رتبته الكهنوتية عدة مرات و اعلن ذلك على الملأ, مفسرا ذلك بالحقيقة وهى ان القمص زكريا بطرس لم يبدى انحرافا عن الايمان الارثوذكسى او الخلق المسيحى الكريم و ان فيه القدوة الحسنة للجميع. فتقبل الرجل التضحية الكبرى و استقال بارادته من خدمة الرعاية منعا لتعريض السلطات الكنسية فى مصر للضغوط لرفضها تجريده من رتبته الكهنوتية ان لم يكف عن عمله المسكونى الجديد الذى اعاد عقول عديدة الى وعيها و نفوس جديدة الى رجاء الحياة الابدية.
اما ما قيل عن المساومات لوضع مرشحين اقباط فى جداول الانتخابات فلا يصدقه الا من اشترى ترامواى العتبة, و ربما اتيحت لى فرصة المزيد من مشاركتكم انطباعاتى فى هذا المجال. |