بقلم: شاكر فريد حسن
هناك أزمات حضارية وفكرية واجتماعية وسياسية وأخلاقية تعصف بمجتمعنا العربي في هذه البلاد.
فهذا المجتمع يشهد تراجعًا رهيبًا في المجالات التعليمية والتربوية والقيمية والنواحي الاجتماعية والسياسية، وذلك يتجسد ويتمثل في زيادة العنف والجنوح والإجرام والانحطاط والتدهور الأخلاقي، وتَفشِّي الاّفات والعلل والأمراض الاجتماعية الفتَّاكة.
ناهيك عن انهيار القيم والمبادئ وسقوط قيم التعامل بين الناس، واختراق الضوابط الأساسية للثقة بين أفراد المجتمع، وانعدام الحشمة والشهامة والاحترام والوقار لدى الجيل الشبابي الجديد، علاوة على النفاق والرياء الاجتماعي والكذب المتفاقم والتمزق والتفكك في النسيج الاجتماعي، والتناقضات القائمة والتجاذبات السياسية، عدا الانقسام والتشرذم الحاصل في التيارات والتنظيمات السياسية على خلفية المناصب والرواتب وعضوية "الكنيست" والسلطة المحلية، وكذلك تراجع أنماط القيادات المُعتمِدَة على العائلية والطائفية السياسية والفئوية الضيقة، وظهورأحزاب وحركات موسمية انتخابية ومؤسسات وجمعيات على ورق.
والأدهى من كل ذلك.. تهميش المثقفين وانحسار دورهم الطليعي الفاعل والهام في معارك البناء والتطور والتغيير، كما أن الثقافة أصبحت في مجتمعنا على هامش الحدث، وقد حوَّلتنَا العولمة إلى جموع خائرة مُستنفَذة تتمرغ باليأس، وتفاهات الفضائيات والاستهلاك الرخيص، وأخضعت المجتمع بأسره الى قوانين السوق، هذا بالإضافة إلى تَدنِّي التعليم العربي، وتسرب الطلاب من المدارس، وتزايد أعمال الغش والخداع في الامتحانات، والاخفاقات في نتائج البجروت، وانخفاض عدد المُتقدمين للدراسات الاكاديمية العليا،
يُضاف إلى كل هذا: العقم والفقر الثقافي الذي أصاب شباب العصر وأجيال اليوم، وعزوفهم عن القراءة والتزود بالمعرفة، مما أدى إلى اضطراب في التفكير العام وسطحية في كثير من الرؤى والأفكار، وضحالة علمية حجبت النور ومنافذ البصيرة، في ظل عصر طغت عليه الماديات والإلكترونيات والوسائط المعلوماتية ووسائل الأعلام المختلفة، ولا ريب أن واقعنا الاجتماعي مليء بالانحرافات الخُلقية والسلوكيات الخاطئة والظواهر السلبية الخطيرة المدمرة، مثل تَعاطِي السموم والمخدرات والنرجيلة، ولعب الورق، والاعتداءات والتحرشات الجنسية، إلى جانب التقليد الأعمى وتقليعات الشعر المختلفة، والأزياء الكاشفة العارية، وما شابه من الأمور المعيبة والمشينة الاّخذة في الازدياد والتعاظم في مجتمعنا.
في إطار الوضع الاجتماعي المُتردِي والمتفاقم كالوباء الخبيث، الذي يؤدي الى الضياع والتهلكة والانحراف الاجتماعي، فإن مجتمعنا العربي يحتاج الى فحص انتقادي عام، إلى مكاشفة ومراجعة نقدية شجاعة، إلى إعادة تجديد المفاهيم والقيم وصياغة أهدافنا وطموحاتنا، وإلى احتجاج على الواقع والذات في هذا الواقع، سعيًا لإحداث تغيير اجتماعي جذري لسلوكنا، وبهدف إرساء نهج ديمقراطي حقيقي، والعمل على إشاعة القيم الحديثة والأخلاقية المعاصرة، التي كانت دائمًا في صُلبِ الفكر اليساري الثوري، وتحريك الناس للمشاركة والإسهام في تطور وتَقدُّم مجتمعنا وشعبنا، ونهضته العلمية والثقافية العصرية، كذلك إنشاء جيل جديد يتمتع بوعي ثقافي واجتماعي وسياسي، بإرادة مستقلة وروح تعاونية وأخلاق عالية وعقيدة ادارية، وأيضًا تنظيف السياسة من السلبيات وضرورة احترام الرأي الاخر وترسيخ النقد والنقد الذاتي في حياتنا، واعتماد الوعي لا العصبية القبلية أساسًا ومعيارًا للمواقف السياسية والوطنية والاجتماعية.
فلا أُلفَة ومحبة وتعاون، ولا حرية وفلسفة وتَقدُّم إلا في مجتمع مدني حضاري، تعددي متطور ومتجانس ومُتنَوِّر، تسوده مفاهيم عصرية وعقلانية جديدة تحترم وعي الناس، وشتان بين الحرية والفوضى، والانحلال والتسيب. |