قرأه لكم: جرجس بشرى
الكتاب الذي نتناوله بالعرض اليوم يحمل عنوان "القلم وما يسطرون" لمؤلفه الدكتور "نجاد البرعي" وقام بنشر الكتاب " مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العُنف ".
الكتاب المذكور يعتبر جزءًا من مشروع "عين على الصحافة" ، وهو مِرصد إعلامي يعني برصد وتقييم الممُارسات الصحفية، ومدى إتساقها مع مبادئ وقيم التعددية والتسامح، ومناهضة العنف والتمييز، وذلك استناداً إلى المعايير والمبادئ والقيم الواردة في ميثاق الشرف الصحفي، والقانون المصري، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، وكذلك إعلان المبادئ بشأن التسامح الصادر عن منظمة اليونسكو، بالإضافة إلى المواثيق الدولية الأخرى التي تعتمد مبادئ مواجهة التعصب والتمييز، القائم على أساس النوع والدين واللون والمُعتقد والفِكر.
ويهدف هذا الكتاب، الذي هو جزء من هذا المشروع إلى تنمية حساسية العاملين في الحقل الصحفي لهذه القضايا، بما ينعكس على التغطيات الصحفية على وجه الخصوص، لما تمثله الصحافة المصرية من رافد أساسي من روافد تشكيل الرأي العام والتأثير فيه.
والكتاب الذي نستعرض أهم ما جاء به اليوم عبارة عن خمسة أقسام :
القسم الأول: يتناول الوضع القانوني للمعاهدات الدولية في النظام التشريعي المصري.
والقسم الثاني: يتناول موضوع "المعاهدات الدولية للقيم محل الحماية".
القسم الثالث: يتناول موضوع "حدود حماية الدستور المصري لقيم حقوق الإنسان".
والقسم الرابع: يتساءل فيه : "إلى أي حد يحمي قانون تنظيم الصحافة وقانون العقوبات قيم حقوق الإنسان".
أما القسم الخامس: فيتناول "المستخلصات والتوصيات".
ويؤكد الكتاب على أن هناك عدد من المعاهدات الدولية، يمكن القول بأنها أساسية لحماية "القيم محل الدراسة" هي : العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
ومن حيث منع التمييز على النحو الذي ورد في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، تنص المادة الثانية من هذا العهد على : " تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد بإحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في اقليمها، والداخلين في ولايتها دون أي تمييز بسبب العِرق أو اللون أو اللغة أو الدين، أو الرأي سياسياً، أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الإجتماعي، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب.
وتجدر الإشارة إلى أن القيم محل الدراسة التي ذكرناها سابقاً، هي "عدم التمييز ومنع التعصب ، والإزدراء والتحريض، وعدم الدعوة إلى الحرب، وإحترام سُمعة الآخرين وخصوصياتهم.
ولقد أورد العهد بعد ذلك عدد من التطبيقات الخاصة بالتمييز، مثل ما ورد منها في المادة الخامسة والعشرين، والتي تنص على أن " لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز المذكورة في المادة الثانية، الحق في مباشرة كافة الحقوق السياسية المعروفة، سواء أن ينتخب، أو يُنتخب، أو يُصوّت، وذلك على قدم المساواة، و" أن تتاح له على قدم المساواة عمومًا مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده".
كما أعاد العهد على التأكيد على منع التمييز في المادة السادسة والعشرين من العهد، والتي تنص على أن : " جميع الناس سواء أمام القانون، ويتمتعون دون أي تمييز، بحق متساو في التمتع بحمايته، وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل القومي، أو الإجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب". وبالتالي فهذه المادة شاملة لمنع التمييز بكافة أشكاله.
وقد تطرق الكتاب إلى المادة ( 18 ) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كمعاهدة لمنع التمييز، القائم على حرية الدين أو المعتقد، حيث تنص هذه المادة على أن : " لكل إنسان حق في حرية الفكر، والوجدان، والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين، أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة ".
وأيضًا " لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يُخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو حريته في اعتناق أي دين، أو مُعتقد يختاره"، وأيضًا " لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون، والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الأداب العامة، أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية ".
وتطرق الكتاب إلى منع التمييز ضد الأقليات، وفقاً لنص المادة 27 من العهد الدولي، والتي منعت التمييز ضد الأقليات، حيث نصت على أنه : " لا يجوز في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية، أو دينية، أو لغوية، أن يُحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتغ بثقافتهم الخاصة، أو المجاهرة بدينهم، وإقامة شعائره، أو إستخدام لغتهم بالإشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم".
وقد أورد المؤلف قسمًا خاصًا بمدى حماية الدستور المصري للمواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، على أعتبار أن هذه المعاهدات يجب أن تكون على قمة السلم التشريعي الداخلي، وخصص أيضاً قسمًا خاصًا يبين إلى أي حد يحمي قانون تنظيم الصحافة، وقانون العقوبات قيم حقوق الإنسان ؟
وأشار الكتاب إلى قانون تنظيم الصحافة، الصادر في 30 يونيو 1996 ، والذي يتكون من 81 مادة، مشيرًا إلى أن نص المادة الأولى من هذا القانون وهي : " الصحافة سلطة شعبية تمارس رسالتها بحرية مسئولة في خدمة المجتمع، تعبيرًا عن مختلف اتجاهات الرأي العام، وإسهامًا في تكوينه وتوجيهه من خلال حرية التعبير وممارسة النقد ونشر الأنباء، وذلك في إطار المقومات الأساسية للمجتمع، وأحكام الدستور والقانون".
وأكدت المادة الثالثة من قانون تنظيم الصحافة على أهدافها، وهي " تهيئة المناخ الحر لنمو المجتمع، وإرتقائه بالمعرفة المستنيرة، وبالإسهام في الإهتداء إلى الحلول الأفضل في كل ما يتعلق بمصالح الوطن وصالح المواطنين".
وقد أكد قانون تنظيم الصحافة أكثر من مرة على إستقلال الصحافة، وإستقلال الصحفيين فقال"تؤدي الصحافة رسالتها بحرية وإستقلال"، وخصص المادة ( 6 ) بكاملها للإقرار بإستقلال ممارسي المهنة فنص على أن " الصحفيون مستقلون لا سلطان عليهم في أداء أعمالهم لغير القانون"، ولم ينص قانون تنظيم الصحافة المصري على منع التمييز ضد النساء، ولم يشر أصلاً إلى منع التمييز بصفة عامة، ولم يهتم به، ولم يمنع الدعوة إلى الحرب، ولم يجرمها، خاصة تلك الدعوات التي تنطلق من أسس دينية أو عقائدية، واقتصر في المادة 20 منه على إلزام الصحفي "بالإمتناع عن الإنحياز إلى الدعوات العنصرية، أو التي تنطوي على إمتهان الأديان، أو الدعوة إلى كراهيتها، أو الطعن في ايمان الآخرين، أو ترويج التحيز أو الإحتقار لأي طائفة من طوائف المجتمع".
واشار المؤلف إلى أن النص المصري السابق لم يمنع الكراهية والإزدراء، أو يعاقب عليهما، الإ إن وقعا على الأديان فقط، دون أن تمتد تلك الحماية إلى غير الاديان، من العقائد الأخرى المتنوعة،
وقد أوضح المؤلف أن التمييز بشكل عام موجود في قانون العقوبات، مشيرًا إلى أنه في 15 يوليو 2006 ، تم تعديل بعض أحكام هذا القانون ( 147 لسنة 2006 ) حيث أُستبدلت نص المادة 176 بنص جديد يضفي حماية أكثر ضد التمييز، حيث نصت على "يعاقب بالحبس كل من حرض بإحدى الطرق المتقدم ذكرها، على التمييز ضد طائفة من طوائف الناس، بسبب الجنس أو الأصل، أو اللغة، أو الدين، أو العقيدة، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام".
فالمشرع هنا لم يجرم التمييز لذاته، ولكنه اشترط لتوقيع العقاب على التمييز أن يؤدي إلى تكدير السلم العام، فلو كان التمييز لن يؤدي إلى تكدير السلم العام فلا عقاب عليه !
وقد خلص الكاتب إلى أن النظام القانوني الخاص بالعقاب على جرائم الصحف، وغيره لا يعرف التمييز ولا يعاقب عليه على النحو الكلي الوارد في المادة ( 2 ) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وأن القانون المصري في الحقيقة يميز على أساس الدين والمعتقد، فهو يضفي حماية على الأديان السماوية الثلاثة، ويتجاهل غيرها من العقائد، وهو يخالف بوضوح نص المادة ( 18) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
كما خلُصَ المؤلف إلى أن التشريع المصري لا يمنع التمييز بوضح ضد الاقليات، ولا تعترف مصر أصلا بوجود أقليات عرقية أو دينية فيها، وأن التشريع العقابي المصري لا يمنع بالقانون الدعاية إلى الحرب، أو أي دعوة إلى الكراهية، أو العنصرية، أو الدينية، تشكل تحريضًا على التمييز، أو العداوة، أو العنف، على النحو الوارد في المادة ( 20 ) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وأن قانون العقوبات المصري، وقانون تنظيم الصحافة، يوفر حماية معقولة للسمعة والخصوصية، كما أنه لا يوجد في التشريع المصري إشارات محددة لتجريم التمييز ضد المرأة.
كما أشار المؤلف إلى أن البناء القانوني المصري، يحتاج إلى إعادة نظر كاملة، ليتسق مع نصوص المعاهدات الدولية التي وقعت عليها "مصر"؛ وفاء لإلتزامات "مصر" الدولية من ناحية ، ومنعًا من إزدواج القواعد القانونية من ناحية أخرى، وهو أمر لا يحتاج الإ إلى لجنة من الخبراء والمتخصصين تعيد النظر في النصوص العقابية المرتبطة بالنشر، وتعيد صياعتها على ضوء المعاهدات الدولية التي وقعت عليها البلاد،
وطالب المؤلف بضرورة البدء في تدريب قانوني مكثف للصحفيين والإعلاميين، حول ماهية التمييز ومشكلاته، والعقاب عليه، وإطلاعهم على المواثيق الدولية في هذا الشأن. |