CET 00:00:00 - 05/03/2009

مساحة رأي

في الصغر وبالتحديد في سنة أولى إعدادي وفي الأسبوع الأول من الدراسة ومادة الإنجليزي كانت حديثة العهد علينا وقد كلفنا مدرس المادة بحفظ بعض الكلمات, وحفظنا هذه الكلمات, وعند إختبار التسميع سألني عن معنى كلمة كتاب فقلت له Book وطلب مني المفردات الهجائية فقلت كما حفظت, فقال لي خطأ قف مكانك فوقفت ولا أدري لماذا فقد قلت المفردات صحيحة وأنا واثق من إجابتي!!!
وبعد أن استكمل جولته على الفصل بالكامل رجع ومعه العصا لمعاقبة المخطئين كل منهم خمسة عصايات, وما أن وصل إليّ, حتى أخرجت كتابي المدرسي لأناقشه وقلت له أنا قلت كما هي في الكتاب, واستشهدت بزميلي الجالس بجواري, وما هي لحظات حتى أنه ثار وتلون وجهه بألوان لم نعتادها, وأخذ كراستي ومزقها وهو يقول أنت تكذبني أنا؟!! وإنهال عليّ ضرباً, وأخرجني خارج الفصل, فخرجت ليس خارج الفصل بل خارج المدرسة وذهبت إلى والدي وأحضرته معي والمدرس كما هو يتهمني بأنني أكذبه,, وبدبلوماسية أبي انتهى الموضوع ولكنه لم يُمحى من ذاكرتي, فكرهت المادة كلها حتى أنها في جميع المراحل التعليمية كانت تمثل مشكلة, وإلى الآن.
هذا بخلاف مدرس آخر لمادة الرياضيات, فقد وضع تمريناً رياضياً على الصبورة وقال كل واحد يحل التمرين في ورقة ويحضره عندي, فحليت التمرين في وقت قياسي, وزميلي الذي بجواري حله أيضاً ولكنه لم يحصل على نهاية للمسألة, وبعد أن جمع الأوراق من الطلبة شرع حضرته في حل التمرين على الصبورة, ولكنه أخطأ في الحل وطال الإنتظار لنحصل على الإجابة, وملأ الصبورة على الجانين دون جدوى, فقال لي زميلي التمرين ليس له حل يبقى أنا صح وأنت خطأ, فرفعت يدي للمدرس وقلت له أنت أخطأت في الخطوة الثانية فلا بد أن تكون كذا!! وبالتالي الحل في الخطوة الثالثة كذا!! وما هي لحظات حتى صرخ المدرس في الفصل برافو,,, برافو,,, ممتاز أنت موهوب في الرياضيات وشدد على يدي فشعرت بالفخر وشدة الإحترام لهذا المدرس الذي أعترف بخطأه في لحظة, حتى أنني لم أنسى اسمه "أحمد الطيب" أستاذي الذي أفخر به.
ولكن يظهر أني أدمنت قول رأيي وأناقشه فإن كنت مخطئ ألتزم الصمت وإن كنت على حق لا أكف عن إعلان الحقيقة,, أنا لا أعرف حتى الآن إن كانت هذه فضيلة أم رذيلة ,, أم هي رذيلة في مجتمعاتنا الشرقية لأنها بنيت على الدكتاتورية القيادية,, فتجد زميلك في العمل يأخذ رأيك في كل كبيرة وصغيرة وعندما يصبح مسئولاً لا يقبل أن يناقشه أحد في قراراته حتى لو كانت خاطئة.
وقس على هذا الخدام قبل إختيارهم للكهنوت, متواضعين منكسرين يقبلون الرأي والرأي الآخر ويتفاعلون مع الرأي الصحيح,, وما هي إلا أربعين يوماً وبعد الرسامة يصبح الناهي الآمر الذي لا يقبل النقاش في رأيه إلا لمن هم رئاسته.
وأيضاً أصحاب الفتوى في الإسلام لا يقبلون المناقشة في فتواهم حتى ولو سوف تهد العالم من حولنا.
فما بالك عزيزي القارئ في رؤساء الأقسام ومديري الإدارات ومديري العموم والمحافظين والوزراء ورئيس الوزراء,,, والفرعون الأعظم رئيس الدولة,, كل هذا واضح كل الوضوح في جميع المجتمعات الشرقية والدول العربية..
الرئاسة معصومة من الخطأ!!!! والويل كل الويل لمن يكتشف خطأ للرئاسة ويعلنه, يمكنك في الوسع أن تقول ما يحلو لك ولكن عندما تكون مع المسئول وجهاً لوجه فهذا إنتحار!!!
إعلان خطأ لمسئول حتى ولو تظاهر بقبوله, متخفياً وراء ثوب ديمقراطي زائف يعقبه الآتي:
· إمتناع هذا المسئول عن مشورتك.
· يقلل فرص اللقاء بك.
· يقلل من شأنك أمام الجميع.
· يهمش كل أرائك, حتى ولو صحيحة.
· يمنعك أن تكون معه في وجود رئاسته, لئلا يخرج منه شيء تناقشه أنت فيه.
· يقلل من حقك في تأدية دورك بحرية, بل يبحث عن كل المعوقات التي تعرقل طريقك.
· وأخيراً عندما يجد الفرصة لذبحك معنوياً لا يتوانى ولا يتراجع, فينهي على مستقبلك بالكامل.
· أما إذا كان هذا المسئول قيادة حكومية فأبواب المعتقلات مفتوحة.
هناك مبدأ إداري في مثل هذه الدول "الرئيس على حق حتى ولو كان مخطئ"
دعني أتساءل كجاهل: هل الرئاسة عصمة من الخطأ؟ ولماذا لا يستفيد الرئيس من خبرات من حوله من المرؤوسين, لماذا يبحث المسئولين عن مستشارين له فيمن تتوفر لديهم خبرة في النفاق والرياء والخبث؟
ألا يستحق أي رأي عناء بحثه! ربما نجد فيه ما يفيد منطقة نفوذ هذا الرئيس؟
وهناك أمثلة شعبية تحذر اللذين لهم رؤى لإصلاح المجتمع من حولهم منها على سبيل المثال وليس الحصر:
· أربط الحمار يا رزق مكان ما يقولك صاحبه.
· إذا وجدت قوم يعبدون العجل حش له وأكله.
· الذي يتزوج أمي أقله يا عمي.
وكثير من الأمثال التي لا أتذكرها,, ولكن جميعها في وجهة نظري هدامة لا تبغي صلاح المجتمع بل تبغي العيش بسلام والسلام.
بصراحة هذه مشكلة يواجهها العديد من الفكريين والصحافيين وأصحاب الفكر ومن لهم رؤى لتحديث المجتمع شرط المحافظة على تراثه وعاداته وتقليده.
مشكلة تُقلق كل أصحاب الأيادي النظيفة في المجتمع حيث ليس لهم مطامع خاصة لطرح رؤيتهم في حل مشكلات مجتمعاتهم.
مشكلة جميع القلوب المحبة والمنتمية لهذا المجتمع الكبير مصر, والمجتمعات الشرقية.
قال أحد فلاسفة هذا العصر والذي أخذ فلسفته هذه من خبرته في معاملة الرئاسات في كافة المجالات:
لكي تكون قيادي ناجح لا بد أن تتوفر فيك ثلاثة شروط وهي:
· أن تكون نصف حرامي, لأنك لو حرامي سوف لا تجد طريقك للقيادة لأنهم سوف يخافون من الرأي العام حولك, لكن نصف حرامي كأن لا تسرق بيدك, بل يسرق لك الآخرون, أو لا تأخذ أنت بل تدع الرئاسات يستفيدون من موقعك,,, وغيرها من الأساليب.
· أن تكون نصف متعلم,, بحيث لا تفرض علمك هذا على رئاساتك فتكون محبوب لديهم,, أو أن تدع الرئاسات تقول ما تقول خطأ صح,, كله عند العرب صابون,, أي أن تهزم من الرئاسات طواعية.
· أن تكون نصف غبي,, فتظهر لقياداتك أن لا تفهم في شيء أكثر منهم,, فتوقف عقلك وتفكر بعقولهم حتى تكون في يوم من الأيام إمتداد لعصرهم, لك حظوة عند القيادة العليا.
أي أن القيادات لا تشجع من هم أكثر منهم علماً أو فهماً أو أمانة.
وهذه هي المصيبة الكبرى.

 

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٨ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق