بقلم: أماني موسى
بدأ المشهد بقبلة في ظاهرها حب وفي باطنها حملت خيانة وغدر، بعدها سُلَّمَ يسوع ليد طالبيه وبدأت رحلة الآلام والصليب، وكم كانت رحلة شاقة يكللها الألم الساحق وما يزيدها ألماً وحزناً هو انفضاض الكل عنه، فالكل هربوا خوفاً من بطش الرومان واليهود، حتى أحبائه وتلاميذه تركوه وحيداً، بما فيهم بطرس الذي قال له قبلها بوقت قليل إن تركك الجميع فأنا لن أتركك، تركوه أيضاً كل مَن صنع معهم عجائب ورسم بسمة على وجوههم.
وكنت أنا هناك بينهم أترقب المشهد وانتظر ماذا سيحدث ولكني هربت مع بطرس وأنكرته أمام الناس، وكنت مع يهوذا وقبّلته وبعته بثلاثين من الفضة (ففي كل يوم هربت من الصليب والألم وتخليت عن سيدي كنت كبطرس، وكم من مرة بعته لأجل ثلاثين من الفضة ولأجل شهوات أرضية) ولكن بالنهاية أتمنى دوماً أن أسلك كبطرس وألا أفقد الرجاء في محبته ورحمته اللا محدودة.
وحين رأيت المريمات يتبعنك حتى الصليب في حب ودون خوف شعرت بالخزي والخجل من نفسي، فقد فقن في إيمانهن وقوتهن الرجال، وبعدها توقفت قدماك سيدي عن حمل الصليب لثقله وثقل آلامك فنظرت إليَّ في حب وحنان عجيب وكأنك تقول لي (انظر ها أنا أضع نفسي عوضاً عنك وآخذ عقابك لأنجيك من الهلاك، هلا حملت الصليب عني قليلاً لاستطيع أن أكمل المسير) وبعدها نادىَ أحد الجنود بصوت عالِ فليأتي أحداً منكم ليحمل الصليب عن يسوع حتى الجلجثة، فأسرعت واختبأت بين الواقفين حتى لا أحمله معك ولم أبالي بأن أخفف عنك ألمك.
وحين رُفَعت سيدي على خشبة الصليب فاتحاً ذراعيك معلناً قبولك لكل البشر الذين كانوا تحت صليبك ينقسمون بين مؤيدين لصلبك وآخرون يبكون ألماً -وهم مَن اختبروا محبتك حين عشت بينهم وكنت تصنع خيراً- أدهشني ذلك اللص المصلوب عن يمينك ويدعى ديماس حين قال بإيمان يفوق العقول (أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك) وأسمعته وعدك حين أخبرته بأنه اليوم سيكون معك في الفردوس!!!!
فهو رآك مصلوب مكبد بالألم مسحوق على خشبة ولم يراك ذلك المعلم العظيم الذي يعلم في المجمع فيبهت الجميع من تعاليمه، ولم يرى سلطانك على الطبيعة حين أمرت العاصفة فهدأت وحين أمرت بطرس أن يأتيك ماشياً على الماء، لم يرى قدرتك حين أقمت الموتى ووهبت أعين للعميان وشفاءاً للمرضى، ولم ينظر بعينيه سلطانك على الأرواح الشريرة وأنت تعتق الكثيرين من آسرها، بل رآك سيدي وأنت مصلوب، متألم ضعيف، يستهزأ بك صالبيك، ولكنه اختبر حبك العجيب حين نظر لتلك العينان المملؤتان بالحب وتلك الشفتان اللتان طلبتا الصفح والغفران لصالبيك، أنه حباً عجيب لم يراه ولم يختبره من قبل، فصرخ لتوه أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك.
وحينها شعرت بمدى ضآلتي فأنا مَن اختبرت حبك وتبعتك حين كنت تشفي المريض وتجبر الكسير وتعلم الجموع وتهب الحياة للموتى ورغم ذلك بعتك مع يهوذا وأنكرتك مع بطرس ولكن ذلك اللص فاق الجميع بإيمانه فاستحق أن يكون من أول الداخلين معك للفردوس.
فأتيت جاثياً تحت صليبك ووضعت كل أسقامي ونقائصي وطرحتها تحت قدميك لأتحرر من جميعها ورفعت عيناي إلى صليبك صارخاً مع ديماس أن تقبلني متى جئت في ملكوتك، واثقاً معه في ألوهيتك وبمنتهى الرجاء في سعة رحمتك.
فأقبلني إليك يسوعي واجعلني ربي كالقيراوني وأن أحمل الصليب عنك في فرح، أجعلني كيوحنا الحبيب أتبعك في طريق الآلام والصلب دون خوف أو تراجع أو كالمريمات أسير معك للجلجثة في حب وطواعية، أهّلني بصليبك ليتقوى ويتشدد قلبي وأكون كبطرس تلك الصخرة التي بنيت عليها كنيستك وألمس قلبي كتوما لأتحرر من شكي ولا يبقى لي فيك سوى اليقين والرجاء.
فأنا الآن سيدي كنازفة الدم التي أعياها ثقل المرض والخطية ولم تفلح معها أدوية البشر فآتي إليك وأقترب منك لألمس هدب ثوبك وكلي ثقة في قدرتك بأن لمسة واحدة من هدب ثوبك قادرة أن تشفيني من نزيف جراحاتي التي تسببت فيها كثرة خطاياي، وكلي ثقة في قدرتك وتحريرك وقبولك.
وحينها يسوع قبلتني إليك ابناً وافتدتني بدمك في حب عظيم لا مثيل له، وأنا بدوري فرحاً أعلنك ملكاً على حياتي ومخلصاً ورباً. |