ليس كل من يحب مصر تحبه، فمعظمنا يحبها من طرف واحد ومنذ هاجمت إسرائيل مطار «عنتيبى» بالكوماندوز لتخليص الرهائن فى السبعينيات حتى توقيع اتفاقية «عنتيبى» أمس الأول انقسمت مصر قسمين، قسم تأتيه المياه فوق الطائرات من أوروبا وقسم تأتيه المياه تحت المراكب من أفريقيا، وهناك قصة شهيرة عن قرية امتلأت بالخلافات وقرر العمدة أن يقطع الترعة عند أرضه فتوحد الجميع ضده، وأنا لا أرى شيئاً قد توحد فى مصر إلا سعر صرف العملة وتذكرة الأتوبيس المكيف.
فأيهما أهم: الاحتفاظ بنهر النيل أم الاحتفاظ بكرسى الحكم؟ فإذا كنتم تخفون عنا ما ستفعلونه فى العام المقبل مع انتهاء مدة الحكم، فعلى الأقل وضحوا لنا ما ستفعلونه فى العام نفسه مع بدء تنفيذ اتفاقية النهر.. صحيح أنتم الأقوى لكن النيل هو الأبقى.. فخلاصة ما نسمعه من المسؤولين الآن أن أفريقيا فيها «نيل» والنيل فيه ميه والميه تروى العطشان وهو كلام لا يقدم الساعة ولا يؤخر القطار.. رتبوا البيت حتى يحترمكم سكان العمارة فهم يتلاعبون فى حصة المياه ونحن نتلاعب فى حصة التموين، هم يهددون بمصادرة ألف كيلومتر من النهر ونحن نهدد بمصادرة ألف ليلة وليلة،
لذلك أصبح الخصم من المنبع فى الضرائب وفى المياه أيضاً، وانتخبنا فى الشورى مرشح المياه «الفلتر».. لقد كان لشركة النصر للتصدير والاستيراد نفوذ فى أفريقيا أقوى من حلف الأطلنطى، وكان مندوب الشركة يُعامل هناك كرؤساء الدول ثم فككناها، وكانت كنيسة مصر ترأس كنيسة إثيوبيا ففصلناها، فتراكم الغسيل فى الطشت والمواعين فى الحوض.. فمن الذى بدأ العدوان على النيل واستولى على جزره ولوثه وردمه مجاملة لرجال الأعمال وغنى «السح الدح» وترك لنا «أمبوه»؟.. الذى حدث أن كلنا بدأ كجنين فى بطن أمه نتكون فى الشهر الرابع ويطلع لنا شعر فى الشهر الخامس ونبايع فى الشهر السادس ثم نحصل على تأشيرة النزول وعضوية الحزب وحصة التموين.
وأتذكر أن أحد أبنائى توقف نبضه فى بطن أمه لكن الطبيب أخبرنى بأن الجنين قافل الموبايل وأعطاه حقنة فنشط وعاد للمبايعة.. لذلك فإن مصر من دول «المصب» ليس بسبب الجغرافيا ولكن بسبب بديعة «مصابنى».
نقلا عن العربية.نت |