بقلم : زهير دعيم
( 25 سنة على تطويب الرّاهبة كاترينا تروياني)
ما أجمل أن نكرزَ بالربّ ..
ما أحلى أن نفرز أنفسنا ونُخصّصها لذاك الذي علّمنا محبة الأعداء ، واشترانا من كلّ قبيلة ولسان وشعب بدمه المسفوك على الصّليب.
ما أروع صاحب القبر الفارغ ، الذي بموعظته على الجبل قزّم الادب وحقّر فلسفة البشر وأظهر الحقّ جليًّا لا تشوبه شائبة.
حريّ بنا يا سيّدي أن نعبدكَ.
حريّ بنا أن نفتخر بكَ ونباهي الخافقيْنِ.
حريّ بنا أن نتركَ الأوطان ونسمع لهمساتك تدعونا ، فنصول ونجول نخبر بكم رحمتنا!!
ما زال صدى وصيّتكَ الأخيرة يا سيّد يُجلجل في كلّ ركن من اركان المعمورة :
" إذهبوا الى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلّها ".
ووصلت هذه الوصيّة الهامسة حينًا ، المُجلجلة أحيانًا ؛ وصلت الى بلدة جوليانو الغافية بحضن أمجاد روما الخالدة ، ذات العزّ الأثيل .
روما القداسة والشهادة.
روما التاريخ والحضارة
روما الرِّفعة والشّمَم....
وصلت الى أذنيّ طفلة كما قلب الصّياح نقاءً، رأت النّور في بيت عشق الفضيلة ونام على هدهدة القداسة.
كستنسا...اسم بريء حمل في طيّاته البراءة وفي ثناياه الرّجاء!!!
حمله منذ أن رأى أول شعاع نور من سنة 1813، ونما هذا الأمل ، نما وأزهر في النفس المُثقلة بالمحبّة ..... نما في ثياب راهبة فرنسيسكانية أضحت الطوباوية كاترينا تروياني ؛ راهبة ركعت أمام الصّليب ، وعشقت المُعلّق بين الأرض والسّماء لاجل خلاص البشر، أحبّت عريسها ؛ عريس الأجيال يسوع ، أحبته بكلّ جوارحها ، وحملت معه الصليب وراحت تخدمه بتواضع ٍ وتفانٍ .
ولكن الصوت الهامس عاد اليها من جديد ...احملوا البشارة ، انشري الخبر في الشّرق..لدى السُّمر والزنوج .
وحُملَ الخبر السّار الى البعيد ، الى الشّرق ، الى مصر المكان الذي حمى العائلة المقدسة ....حُمل على أكتاف ست من الراهبات جئن من دير فرنتينو بحرا الى الاسكندرية فالقاهرة ومن بينهن الراهبة كاترينا ، التي اضحت رئيسة الدير والركن الأساس ....حقًّا كانت العروس التي تتجلّى وتستعذب التضحية من
اجل يسوع ، فرسمت البسمة على شفاه الفقراء واليتامى ، وبعثت الدفء في اوصال اللُّقطاء، ورفعت اسم يسوع في " كلوت بك "عاليًا .
أوّاه ما أروعها من عروس!!!وما أجملها من نفس ملوّنة مزركشة وعامرة بالايمان.
أوّاه ما أعظمها من راهبة مشت درب الآلام خلف الربّ حافية ، جائعة ، حاملة الصليب ، مفتخرة به ، عالمة أنّ لا وطن لها على الأرض ، وإنمّا هي نزيلة هنا ،وعليها ان تتأهّب للقاء الربّ المُرتقَب على السُّحب .
أواه ما أعظمها من راهبة وهي في سنواتها الأخيرة ، وبعد ان حقّقت حلمها في مصر تعود للهاجس إيّاه ؛ الهاجس القائل :
" مكان الرّاهبة الفرنسيسية هو على الجُلجلة "
..... فجاءت اورشليم وجاءت الجلجلة ، ومشت خلف يسوع تستنشق عطر أنفاسه ولترتاح بعد سنوات وهي مطمئنة قائلة : قد اكملت المهمّة يا سيّد والوزنة التي اعطيتنيها قد ربحت وربحت .
صرخت وهمست وسبّحت ورنّمت وما زال صدى تسبيحها يملأ جبل الزيتون والشرق والغرب والآفاق ويصل بخورا متضوّعًا الى السّماء.
... صرخت وهمست ما أحلاه من عريس ، فحلقه حلاوة وكّله
مشتهيات ، وما احلاها من رحلة ، رحلة العطاء وربح النفوس ، رحلة المجد مع ربّ المجد
الرّاهبة الطوباوية كاترينا الربّ يحبّك وكذا نحن !!! |