CET 00:00:00 - 08/05/2010

مساحة رأي

بقلم : منير بشاى
منذ أن أصدر"قداسة البابا شنودة الثالث" قراره، قبل ثلاثة عقود، بمنع أقباط مصر من زيارة القدس والكلام فى هذا الموضوع لم يتوقف.
الكثير من الأقباط لا يفهمون الهدف من وراء حرمانهم من الزيارة، والتبرك بالأماكن المقدسة، وخاصة فى مناسبة هامة مثل تذكار آلام السيد المسيح وصلبه وقيامته. ولذلك من الطبيعى أن القرار - وإن كان يمثل الموقف الرسمى للكنيسة -  لا يعكس بالضرورة مشاعر جميع الأقباط.

وجد أقباط مصر أنفسهم فجأة أمام قرار يمنعهم من ممارسة تقليد قديم دون مبرر مقنع. وقد أصاب القرار البعض بإنزعاج؛  نظرًا لما رأوه من تداخل بين السياسة والدين نتج عنه حرمانهم من ممارسة دينية محببة. ورأى البعض الآخر أن القرار يلزمهم بإتخاذ مواقف ودية تحرمهم مما هو حق لهم إرضاءً لمشاعر أطراف يعتقدون أنهم لا يبادلوهم نفس مشاعر الود.

ولكن لكى ننظر إلى القرار بموضوعية، علينا أن لا نفصله عن الظروف التاريخية التى أفرزته. والدارس لجذور هذا القرار يدرك أنه قد أُتخذ فى ظروف سياسية غير عادية فرضت نفسها، ولم يكن هناك  خيار آخر فى الأمر.

خلفية هذا القرار يسردها الكاتب الكبير "محمد حسنين هيكل" فى كتابه (خريف الغضب صفحة ٤٥٣، ٤٥٤.
وبإختصار، أن مصر كانت قد وقّعت معاهدة كامب دافيد مع إسرائيل، والتى بمقتضاها إستُرجعت الأراضى المصرية التى كانت إسرائيل قد إحتلتها، وكانت نصوص الإتفاقية تنص أيضا على تطبيع كامل للعلاقات بين "مصر" و"إسرائيل" بما فى ذلك تبادل الزيارات والسياحة.
كانت هذه الإتفاقية تدعو إلى نقلة كبيرة فى العلاقات بين الشعب المصرى وإسرائيل لم يكن الشعب المصرى مهيأ لها نفسيًا فى ذلك الوقت، بعد كل الحروب بين البلدين، والشحن الإعلامى المكثف للشعب المصرى ضد اسرائيل لمدى عقود، وكان الرئيس السادات تحت ضغط متواصل من الإسرائيليين لتنفيذ نصوص الإتفاقية من ناحيته، وكان يشعرأنه فى موقف حرج، لأنه كان قد وعد الإسرائيليين بتطبيع كامل وفوجئ أن جماهير الشعب المصرى والعربى لم تكن متقبلة لهذه الخطوة، وكأنه أصبح غير قادرعلى تنفيذ وعوده.

وهنا طرأت على الرئيس السادات فكرة إعتقد أنها المخرج له من هذه الورطة. فقد تذكر أنه قبل سنة ١٩٦٧، عندما كان الطريق من مصر إلى الأماكن المقدسة مفتوحًا ، كان يذهب ما بين ٤۰ و ٥٠ ألف قبطى من مصر للحج فى القدس سنويا، وكان السادات يعتقد أن الحل هو عودة هؤلاء الحجاج الأقباط إلى زيارة القدس، العمل الذى سيؤدى فى إعتقاده إلى مجئ السياح الإسرائيليين إلى مصر،  وبالتالى يكون قد تمم بنود الإتفاقية بخصوص عملية التطبيع.
 
قام الرئيس السادات بتبليغ الخبر (السار) إلى قداسة البابا أنه بما أن الصلح مع إسرائيل قد تم، وتحقق السلام بين البلدين، فإنه يسعده أن يبلغ البابا أن الطريق إلى الأماكن المقدسة قد أصبح مفتوحا وأنه يمكنه إرسال الحجاج الأقباط مرة أخرى كما كان متبعًا سابقا.

ولكن المفاجأة الكبرى للسادات أن قداسة البابا رفض هذه الفكرة وكان رده على رسالة السادات حازمًا وقاطعا وهو "أرجوكم إبلاغ الرئيس السادات أننى لا أرى الوقت مناسبا لتنفيذ إقتراحه"، وأضاف البابا شارحًا أسباب رفضه "إن المشاكل التى تفصل مصر الآن عن بقية العالم العربى سوف تُحل فى ذات يوم، وأنا لا أريد أن يكون أقباط مصر هم خونة الأمة العربية حينما تعود المياه إلى مجاريها بين شعوب هذه الأمة وبالتالى فأنا لا أرى الوقت مناسبا الآن لإستئناف سفر الحجاج الأقباط إلى القدس.
ويضيف "حسنين هيكل" عن رد فعل قرار البابا على السادات بالقول: "وإستشاط السادات غضبًا.. كان إلحاح الإسرائيليين يزداد عليه كل يوم، وبدا أمامهم عاجزا عن تنفيذ ما وعده، وكانت خشيته أن تبدو سلطته أمامهم وكأنها غير نافذة".

واضح من رد قداسة البابا  على الرئيس السادات أن قراره بمنع الحجاج الأقباط كان أمرًا ضروريًا فى ظل الظروف السياسيةا لسائدة فى ذلك الوقت،  وقد أثبتت الأيام أن  القرار كان يدل على بصيرة ثاقبة وذكاء سياسي بارع من قداسة البابا.
 
ويستطيع المرء أن يتصور كيف تكون النتيجة لو كان قداسة البابا قد رضخ لرغبة السادات، وكان أقباط مصر هم أول من سارعوا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.؟ كيف سيتقبل جماهير العرب قبول الأقباط لتطبيع العلاقات مع اسرائيل قبل تحقيق السلام الكامل مع جميع الأطراف، وتحقيق الحل النهائى للمشكلة الفلسطينية ، وأيضا فى ضوء إجماع رفض العالم العربى لهذا العمل؟

من المؤكد أن هذا كان سيوصم أقباط مصر بأنهم خونة للشعب العربى الذى يعيشون فى وسطه. وكان هذا سينعكس على وضع الأقباط فى المنطقة والتعاملات معهم لأجيال قادمة.

ولكن فى المقابل قد قوبل موقف قداسة البابا برفض التطبيع ، بالتقدير والأمتنان من جماهير الشعب المصرى والفلسطينى، بل والشعب العربى فى المنطقة، الذى وصل إلى حد إعتبارهم لقداسة البابا أنه بابا العرب.

لا يستطيع أحد أن ينكر مدى الضيق الذى أحس به الأقباط نتيجة حرمانهم من زيارة الأماكن المقدسة، ولكن الحج للأراضى المقدسة ليس فريضة مسيحية تلزمهم بأدائها كما هو الحال مع الحج إلى مكة بالنسبة للمسلمين.
وإذا درسنا القرار من خلال ملابساته التاريخية فى ذلك الوقت سندرك أنه كان له ما يبرره.
وعسى أن تتغير الظروف التى أنتجت هذا القرار، ويستطيع أقباط مصر أن يذهبوا إلى الأراضى المقدسة مرة أخرى، ويمشوا بأقدامهم فوق الأرض حيث خطت أقدام السيد المسيح، ونطق بتعاليمه، وأجرى معجزاته، ويعيشوا معه قصة الصلب، ويحتفلوا بأمجاد القيامة.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٩ صوت عدد التعليقات: ٨ تعليق