CET 12:11:13 - 07/05/2010

مقالات مختارة

بقلم :- فهد السلمان

الضجة التي أثيرت مؤخرا في مصر حول كتاب ألف ليلة وليلة فيما يشبه المحاكمة لهذا الكتاب الأسطوري الذي بات يشكل حجر الزاوية للأدب العربي على مر الأزمنة ، تطرح مجددا أزمة الهوية في الثقافة العربية ، ومن يحق له محاكمة التراث الأدبي ، وما هي مواصفاته وهل هنالك جيل بعينه مخول بمثل هذه المحاكمة ؟

ألف ليلة وليلة لم يصل إلينا بالبريد المسجل مغلفا بجلد ماعز منذ القرن الثالث أو الرابع عشر الميلاديين ليتصدى له بعض الأوصياء قصفا لشطبه من الذاكرة الثقافية كما لو كان رجسا من عمل الشيطان ، فقد عبر كل هذه العصور وقرأه علماؤها ومثقفوها وأدباؤها وتأسست ثقافتهم على مداميكه .. حتى أصبح بالنسبة للعرب كالإلياذة لدى الإغريق ، والكوميديا الإلهية عند الطليان ، ودون كيشوت عند الأسبان ، وهاملت عند الإنجليز ، ومقالات لافونتين عند الفرنسيين ، وفاوست عند الألمان ، حتى إن بعض الدارسين عدّه بمثابة الرافعة التي نقلت الأدب العربي إلى العالمية .

الآن هنالك من يطلب رأس ألف ليلة وليلة ، وربما لو كان يعرف عنوانا غير الخيال لشهريار وشهرزاد لطالب بتجريمهما .

هؤلاء المتنطعون الذين حاكموا الواقع ولا يزالون يفتعلون القضايا لمحاكمة مجتمعاتهم لم يكفهم هذا ، وإنما عادوا لنبش التراث الأدبي والثقافي وإطلاق أحكامهم الجاهزة عليه بتهم هي إلى السذاجة أقرب .. رغم أنهم يعلمون أن من حقهم أن يعيدوا قراءة كل ما يشاؤون من كتب التراث وفق منطق النقد الأدبي ، دون أن يحولوا هذا الحق إلى سلطة اغتصاب للتراث بمنع طباعته أو إعادة نشره تحت حجج واهية .

ذهنية المنع والإقصاء هذه التي تريد شطب ألف ليلة وليلة من ذاكرة الثقافة العربية .. هي التي جعلتنا لا نتمكن من التعرف على فيلسوف عربي مهم كابن رشد إلا في أواخر القرن التاسع عشر وهو الشارح الأعظم لأرسطو ، فقد نفته حيا وميتا ، وهو الذي مات في مراكش ولم تكافئه ولو بقبر يضم رفاته ، فنقل على ظهر دابة إلى الأندلس ، وقد وضعت كتبه ومؤلفاته ومخطوطاته كما يقول ابن عربي في الخرج في الجهة المعادلة للجثمان ، وقد هجاه ابن جبير شعرا .. لكنه حينما شاهد كتبه تعدل جثته وسمع الناسخ أبا الحكم يقول : ألا تنظرون إلى ما يعادل الإمام ابن رشد في مركوبه ؟ قال ابن جبير : نِعمَ ما نظرت يا ولدي !! .

يا هؤلاء هل نحن بحاجة إلى أن ننفي تراثنا الأدبي في خرج على ظهر حمار .. لنترحم عليه ، وندرك قيمته ، ألا يكفي أننا سخفنا هذا السفر الأدبي الكبير على مدى عقود طويلة دون أن نتنبه إلى أنه الذي بنى المخيال الأدبي ، ورتق الفتق بين آدابنا وآداب الأمم الأخرى ؟ .. ألا يكفي عيبا أن يفتح بعض المستشرقين أعيننا على كنوز تراثنا ، فيما كنا قبلئذ نغض عنها الطرف .. لنأتي اليوم ونسوق نحوها النمل الأبيض لإبادتها ؟ . ألم تكن تلك الأجيال التي تفتحت ذائقتها الأدبية على ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة والمقامات أحرى من وجهة نظركم بارتفاع معايير الفضيلة ؟ .. إذن لماذا أصبح هذا الكتاب عبئا عليها الآن ؟

* نقلا عن "الرياض" السعودية

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع