بقلم: شاكر فريد حسن
تحيي الأوساط الأدبية والفكرية والثقافية والشعبية في هذه الايام ، ذكرى مرور 14 عاماً على غياب وفقدان اميل حبيبي ، الكاتب والصحافي والروائي والمفكر السياسي ، وأحد أبرز المثقفين النهضويين والمبدعين الفلسطينيين المتميزين ، والمناضلين السياسيين المثابرين في هذه البقعة من أرض فلسطين. مارس أميل حبيبي الكتابة الادبية الإبداعية _ القصصية والروائية ، والصحافية اليومية والفلسفية الفكرية ، بوجهيها السياسي ، والفكري_ الايديولوجي ،فنقلنا الى آفاق واقعنا الثقافي الفلسطيني الحيوي ،
ووقف ضمن طليعة الروائيين الحداثيين والتجريبيين، حاملاً مشروعاً طموحاً لتطوير وتجديد الرواية الفلسطينية والعربية المعاصرة واخراجها من دائرة التقليد الكلاسيكية، موظفاً التراث في القص والسرد ببراعة مدهشة ومنقطعة النظير.
كان اميل حبيبي مكافحاً صلباً ، ومناضلاً شجاعاً، ونائباً نشيطاً في البرلمان (الكنيست) ، وقائداً بارزاً في صفوف الحركة العمالية الفلسطينية وعصبة التحرر الوطني الفلسطينية ، والحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.كما وكان مثقفاً عصرياً وحضارياً ، ومفكراً عقلانياً، وثورياً واقعياً، وسياسياً صاحب حلم ورؤية واضحة المعالم. رفض الجمود والتحجر ودعا الى \"عالم بلا أقفاص\" ، وقد أثارت الكثير من طروحاته ومواقفه نقاشات حادة وعاصفة ، وكذلك جدالات نظرية وفكرية مختلفة بين اوساط الرأي الفلسطيني والعربي ، وبرزت وتيرة الخلاف معه على مستوى المثقفين والمفكرين العرب والفلسطينيين عندما تسلم جائزة اسرائيل الأدبية سنة 1992 من رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك اسحق شامير.
وكانت \"اسبوعياته\" في الاتحاد كل يوم جمعة ، والموقعة بـ \"جهينه\" ، و\"شمقمقياته\" اليومية ، مثار اعجاب واستحسان القراء واحترام وتقدير الأوساط الشعبية والأدبية ، وشكلت زاداً فكرياً واشعاعاً معرفياً وتنويرياً للأجيال الناشئة والصاعدة في معركتها الثقافية والحضارية نحو المستقبل الزاهر والغد الموعود. امتاز اميل حبيبي بالنضج والعمق السياسي ، والاحساس بالمسؤولية والالتزام الفكري _ الطبقي واحترام الكلمة الجادة ،والكتابة المسؤولة الناضجة، واخلاصه لفنه ولغته، وسما بأعماله ومنجزاته القصصية والروائية الى مستوى رفيع من الابداع والخلق والأصالة، وحفل عالمه القصصي بالقيم الفنية الابداعية والفكرية الجمالية، وبالنماذج الانسانية المقهورة المعذبة ، وبالجوانب المتعددة لواقع مجتمعه وحياة شعبه الفلسطيني المشرد والباقي والرازح تحت نير الاحتلال .
خلّف اميل حبيبي وراءه إرثاً أدبياً نثرياً رائعاً ، وحظيت مؤلفاته باهتمام النقاد والدارسين والباحثين في الداخل والخارج، ومن اهم اعماله المطبوعة والمنشورة :\"سداسية الأيام الستة\"و\"المتشائل\" و\"لكع بن لكع\" و\"اخطيه\"و\"سرايا بنت الغول\" و\"ام الروبابيكا\" و\"سراج الغولة\" و\"عالم بلا أقفاص\" .وتعتبر روايته \"سعيد أبي النحس المتشائل\" عصب وجوهر نتاجه الروائي، وهي تجسيد للحالة الفلسطينية وتعبير عن وضع كل الفلسطينيين بعد هزيمة ونكسة العام 1967 واستخلاص ذكي وشفاف للتراث. تنبع خصوصية أدب اميل حبيبي من اهتمامه الشديد والبالغ بالمظاهر الوطنية والقومية والالتصاق بالهم الوطني والوجع الانساني ، والتركيز على الشخصية الوطنية الفلسطينية في ثوابتها وتحولاتها النوعية، وهيمنة هاجس النمكان على رؤيته، اضافة الى ابتداع فن السخرية الحادة اللاذعة، والمزاوجة بين التراث والحداثة، واللجوء الى الايقاع الموسيقي داخل النص.
وهو في كل ما كتب دقيق الوصف، مشرق الديباجة، قوي الحركة، واستطاع فهم وسبر واقع القهر والبؤس والعذاب الانساني الفلسطيني، والنفاذ الى عمق الحياة والوجدان والنفس البشرية، ونجح في تعرية هذا الواقع والتبشير بالآتي والقادم باخلاص ، وبحلم العدالة للمعذبين والمظلومين والكادحين والمستضعفين في الارض. اميل حبيبي شكل ظاهرة ادبية وفكرية في ثقافتنا الفلسطينية الجديدة المناهضة للظلم والقهر والاضطهاد والاستلاب، والملتزمة بقيم التحرر الوطني والتقدم الانساني وحقوق الانسان، وشغلته منذ شبابه تحولات الفكر والسياسة ، وشارك بفعالية في ارساء وتطوير وتأصيل الخطاب السياسي الفلسطيني ، ووضع الأسس واللبنات الحقيقية لمشروع سلامي حقيقي وعادل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني .
وقد تمسك بخيار الكلمة واثبت حضوره الطاغي الواعي، والمتميز العميق ، بابداعه الشامل المتكامل ورؤيته الشمولية الواضحة ، وحسه الطبقي الانساني ، والتزامه بمبدأ الحرية الذي ننشده جميعاً ، وهو يمثل وجهاً آخر ونموذجاً للمبدع والمفكر والمثقف الثوري المسلح بالتراث العربي في مقارباته المنهجية لقضايا الفكر والابداع، والساعي الى امتلاك ارادة المعرفة بالواقع واحباطاته ومستقبله وامكانيات نهوضه. وعمل في إطار مشروعه الثقافي الحضاري على تكريس الدور الإبداعي في تأكيد مفهوم الحرية وبنائها ، وحراسة الحلم الفلسطيني وتثبيت جسور التواصل مع العمق العربي والاممي الإنساني. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|