بقلم : شاكر فريد حسن
أثارت تصريحات سلام فياض الأخيرة ردود فعل غاضبة بين النخب المثقفة والقوى التقدمية في الشارع الجماهيري الفلسطيني . وكان سلام فياض أعلن عن قيام دولة فلسطينية في آب من العام المقبل، ستحتضن اللاجئين الفلسطينيين، وستكون عوضاً عن قراهم الأصلية التي هجروا منها واجبروا على النزوح عنها، وهذا القول بحد ذاته هو تنازل واضح وتفريط مكشوف بحق العودة الى الوطن. فلا جدال في أن هذه التصريحات ذات دلالات ومعان خطيرة، ومقامرة علنية وجريمة كبرى تمس الحق الفلسطيني المشروع ،
وهي تحمل في ثنايا سطورها بذور صراع فلسطيني داخلي لا تحمد عقباه، وتعمق التناقضات الفلسطينية ـ الفلسطينية ، وتهدد المشروع الوطني الفلسطيني الذي استشهد في الدفاع والذود عنه آلاف الفلسطينيين، كذلك فأن هذه التصريحات هي هدية ثمينة لنتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة في ذكرى نكبة شعبنا وتشريده من ارضه ووطنه ودياره وقراه.
ويخطئ سلام فياض اذا كان يعتقد ويؤمن بأن بناء المؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية ،والتعايش مع الاحتلال، ورفع مستوى التنسيق الأمني مع الاجهزة الامنية الاسرائيلية سيرغم حكومة الاحتلال والعدوان بزعامة نتنياهو على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني ، وسيجبرها على الانسحاب من الضفة الغربية وتفكيك البؤر الاستيطانية ، وسيدفعها للتخلي عن احلامها واطماعها العدوانية وأساطيرها في الهيكل المزعوم الذي تخطط لتشييده في باحات الحرم بعد هدم المسجد الأقصى المبارك..!! فمؤسسات الدولة يا فياض لا تبنى تحت حراب الاحتلال ، والحكومات الاسرائيلية المتعاقبة هي التي دمرت مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وهدمت المعالم الفلسطينية والبنى التحتية والوطنية ، وهي التي حاصرت القائد الراحل ياسر عرفات في المقاطعة برام اللـه وخططت للتخلص منه ،رغبة منها في خلق واقع سياسي جديد وتنصيب قيادة فلسطينية \"معتدلة\" جديدة على شاكلة \"انطون لحد\" في لبنان.
ان تصريحات سلام فياض تكشف بشكل كبير وواضح الدور الذي انيط به لكي يؤديه ويلعبه من أجل تمرير المخطط الأمريكي ـ الاسرائيلي الرامي الى تصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة واغتيال الطموحات والاحلام الفلسطينية والقضاء على المشروع الوطني الفلسطيني ونسفه،وهو الدور نفسه الذي انيطت به روابط القرى في الضفة الغربية في ثمانينيات القرن الماضي ، التي تزعمها مصطفى دودين وحاك خيوطها وخطوطها مع سلطات الاحتلال، والتي استهدفت تفتيت الوحدة الوطنية الفلسطينية وتعميق الشرخ في الجسد الفلسطيني وضرب القوى الوطنية وتصفية المشروع الوطني . ولكن في نهاية المطاف فشلت روابط القرى هذه
،وتم وأدها من قبل شعبنا الذي لفظها وأفشل مخططها التآمري وأسقط رموزها في مزبلة التاريخ. يمكن القول ، ان تصريحات فياض هي تنازل واضح عن حق العودة وتشكل مغامرة ومؤامرة واضحة ضد الشعب الفلسطيني وقضيته وكفاحه الاستقلالي العادل من أجل بناء دولته الوطنية الفلسطينية فوق ترابه الوطني في حدود الرابع من حزيران عام 1967، ولذلك فان مجابهة خطة سلام فياض هو واجب وطني وسياسي من الدرجة الأولى ، ويتطلب من جميع ابناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ، من مثقفين واكاديميين وقوى وطنية وسياسية وفصائلية ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني ، فضح وتعرية الدور التفريطي التخاذلي والتآمري المشبوه الذي يقوم به فياض وحكومته ، والتصدي الفاعل لخطته وافشالها. فتصريحاته ليست من باب التكتيك السياسي وانما هي ترجمة وتجسيد حقيقي وفعلي لقناعاته ومواقفه السياسية التي يؤمن بها هو وشلته من رموز العهر والفساد والخيانة والتخاذل. |