بقلم : مدحت قلادة
شخصية مثل المهندس عدلي أبادير يوسف توهبه الحياة للأرض مرة كل عدة قرون، فأبينا الروحي المهندس امتلك صفات عديدة متناقضة بعضها مع البعض من الصعوبة أن تتواجد في شخص واحد، ولكن من العجيب والغريب رغم تناقض تلك الصفات إلا أنها تسير داخله في تناغم وهارموني عجيب، فكلما قربت منه تتعلم عملياً وليس نظرياً في كل دقيقة وكل يوم يمر بك بجانب هذا العملاق الغائب عنا بالجسد الموجود بيننا بفكره وأيديولوجياته دائماً.
بعض صفات المهندس عدلي المتناقضة: مثل التواضع الجم، والاعتزاز بالذات، الحنان والعطف والشراسة ضد الخطأ، حب الحياة وبذل الذات، الضحك وسرعة البكاء في المواقف العاطفية والمؤلمة، الصمود والتحدي وسرعة التأثر بمشاعر الآخرين، القوة في الحق ومحبة الجميع...
كل من اقترب من المهندس عدلي يقف عاجزاً عن تغطية الجانب العاطفي في حياته فكان يملك قلباً متسعاً رحباً مملوءاً بالحب والأحاسيس الراقية لكل من حوله في تواضع جم، وهذه محاولة لإلقاء الضوء على جانب هام ومميز في حياة عملاقنا الراحل عنا جسدياً، فجانب الحب في حياته صعل حصره بسرد المواقف، فقد كانت حياته حب لمن حوله لأبنائه بالجسد أو بالتلمذة... القريبين والبعيدين... إليك بعضاً من تلك الجوانب على سبيل المثال:
عاش كرجل وامتلك قلب أم حنون ذات عاطفة جياشة كان محب لكل من قابله، كان يتألم بقلبه الطيب الرقيق من مكالمة تليفون لإنسان متألم، امتلك قلب أبيض متغاضياً حتى عمن أساءوا إلى شخصه العزيز، مردداً دائماً: (أنا لا يهمني مادح ولا قادح)، وكان لسانه يردد دائماً (يا رب اجعلنا نعمل كل ما هو صالح).
كثيراً ما تناولنا الوجبات مع أبينا الروحي ، وكان آنذاك تجاوز الخامسة والثمانين من العمر، فكنا نجده يقوم ويقدم للجميع بيده متبعاً قول سيده "من أراد أن يكون أولاً فليكن خادماً للكل" وكان يخدم بلا كلل أو ملل.
ذات يوم تلقى محادثة هاتفية من إنسانة بسيطة فإذ بها تثني على مجهوداته في بذله لذاته لأجل المساكين فإذ بها مريضة بالقلب فأخذ الحديث مجرى آخر: (لا بد أن تأتي هنا... سوف أحجز لك عند الدكتور ... أشهر دكتور لأمراض القلب، ودكتور ... أشهر دكتور للأوعية الدموية فإذ به يسأل دائماً عن أحوالها ويرسل لها دعوة للحضور لعلاجها.
توفت إحدى السيدات الفاضلات ووقف أمام نعشها وهو يجهش بالبكاء مردداً كلمات حب ورثاء للفقيدة الراحلة معبراً عن عمق مشاعره الفياضة التي تثبت للجميع عمق الحب لدى أبينا الغالي المحب .
توفي أحد المقربين لدى المهندس عدلي فإذ بقلبه الكبير يضم أبناء المتوفي إلى قائمة أولاده ويكمل رسالته معهم ويحتضنهم في حب أبوي صادق عجيب.. فلا عجب أن ترى الدموع المنهمرة من عيون السيدة الفاضلة وأبنائها تؤكد لك قدرة المهندس عدلي على امتلاك قلوب الآخرين بحب أبوي فريد.
خطاب عجيب أرسله له أحد الأبناء ولم يكن معروفاً لدى سيادته فإذ بدموع غزيرة تسيل على وجه أبينا الروحي، تعجبتً!! هل قراءة خطاب تجعله يبكي هكذا؟! فلما فرغ أعطاني الخطاب فإذ بكم من المشاعر تجعلك تبكي أما الصدق والعمق في الخطاب فإذ بالخطاب مرسل من شخص لا يعرفه المهندس عدلي وفي الفقرة الأولى من الخطاب: (دعني أناديك بأبى)... من السهل أن تجد الآباء يبحثون عن أبنائهم ولكن من الصعب أن يبحث الأبناء عن آبائهم دعني أناديك بأبي لأنك أب للكل محب...
تلقى محادثة هاتفية من أخ مصري من مسلمي فرنسا شارحاً الظروف الطارئة التى يمر بها.. وأمله في إحضار زوجته وأولاده من مصر فإذ بالمهندس عدلي بسرعة يساعده عدة سنوات إلى أن نجح في إحضار أسرته واطمئن عليه وعلى استقرار حالته وأصبح يناديه دائماً يا ابني..
رغم أنه كان يردد دائماً (يا ابني أنا كشكول أمراض) ورغم متاعبه الصحية المتعددة كان دائماً يتصل بكل من عرفة ليهنئه بعيد ميلاده فأجندته الخاصة مدون بها بعض البيانات وتاريخ ميلاد كل معارفه وأصدقائه وأقاربه وموظفيه، فكان رغم همومه ومصاعبه اليومية يتصل بكل واحد ويهنئه بعيد ميلاده، وذات مرة كدت أهلك من الضحك لأن صاحبة التهنئة كانت بلغت الـ 44 عاماً.
"لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق بولس الرسول..."عاش المهندس عدلي هذه الآية حرفياً وعملياً وإليكم مثال على ذلك: بلغه مرض ابنة أحد معارفه ولزم علاجها في الخارج فما كان منه سوى الاتصال بهم وتحمل جميع التكاليف اللازمة في حب أبوي عجيب ندر مثله في هذا الزمن.
كان المهندس عدلي يملك مشاعر حب للكل كان يضع نفسه يستمع لإخوته و أبناءه في أمريكا، وأستراليا، وقارات العالم وكان يُعِد كل يوم قائمة ببعض الأسماء لمن يريد محادثتهم وكان يراعي فروق التوقيت تجنباً لعدم إزعاجهم أثناء النوم كما أنه لا يجد غضاضة في اتصال الآخرين به في ساعات مبكرة من الصباح فكان مثل الأم الحنون التي تهتم بأبنائها غير عابئ براحته الشخصية.
سؤال ردده الكثيرين لماذا لم يبدأ المهندس عدلي نشاطه منذ سنوات مضت؟!! ولكن الحقيقة أن المهندس عدلي بدأ الخدمة عام 1968 باهتمامه الأول بإخوة الرب وكانت خدمته لكل المصريين مسلمين وأقباط، فسعى لتعيين بعض الأخوة المسلمين في الشركات الألمانية علاوة على تحمل نفقة تكلفة الدارسين من الأقباط في الخارج.
أخيراً لقد كان أبينا الغالي عظيماً في حبه، عميقاً في مشاعره، صادقا في تعبيراته، أميناً في عواطفه، فأحب الجميع وامتلك قلوب من حوله حتى من قابلوه ومن سمعوا عنه لذا ليس بغريب أن نذكر قلب المهندس عدلي النابض حباً لمن حوله المُتبِع خطى سيده له المجد في الحب والعطف والبذل والعطاء.
طوباك أبينا الغالي المحب ذو القلب النابض حباً ليس بمجرد كلمات بل بأفعال صادقة كم كنت عظيماً ستبقى دائماً في قلوبنا وستظل عظيماً داخل نفوسنا.
بعض الأقوال انطبقت على أبينا الروحي:
"البعض ينشر السعادة أينما ذهب والبعض الآخر يخلفها وراءه متى ذهب"
"من العظماء من يشعر المرء في حضرته أنه صغير، ولكن العظيم بحق هو من يشعر الجميع في حضرته بأنهم عظماء"
People feel small in the presence of some of the great personalities, yet the greatest is the one who lets all around him feel great as well
Medhat00_klada@hotmail.com |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|