مما يؤسف له ان بعضا من ( علمائنا ) في الجانب الديني لا علاقة لهم باية مساْلة من شاءنها ان تفيد البشرية وتهيء لها اسباب العيش الرغيد , بل تراهم يبتعدون في مسيرتهم عن بقية علماء الكون العقلاء ممن خصص جل وقته ودراسته من اجل نشر مباديء الخير والسلام والمضي قدما نحو حياة مليئة بالقيم الانسانية وفتح كل ابواب التقدم امام البشرية باعتبار ان الانسان اثمن مافي الوجود .
ان ذلك البعض , لا هم له سوى النظر والتمسك بتقاليد وعادات كانت سائدة في وقت غابر من الزمان فرضتها ظروف واسباب ربما كانت موضوعية انذاك , متناسين في ذات الوقت , ان تقادم الزمان يقوض ويمحي كثيرا من التقاليد البالية . ان اؤلئك الذين تقوقعوا على انفسهم لن يستطيعوا ان ينظروا الى المستقبل , ومع كل الاسف , الا من خلال عيون ابائهم واجدادهم , متوهمين انفسهم انهم اصحاب رسالة ويجب ايصالها الى من ياْتي بعدهم , بغض النظر عما تحويه من قيم ومفاهيم صحيحة كانت ام خاطئة , ف ((الامانة )) يجب ان تؤدى . .
لا اريد ان استطرد كثيرا , غير اني اود ان اشير الى موضوع الحجاب الذي يقفز بين حين واخر الى واجهة الصحف وصدارة نشرات الاخبار , بل وكثيرا ما تكون اشد وقعا من الهزات الارضية التي ضربت هاييتي , او بركان ايسلندا الذي يشل الحياة الان في اغلب البلدان الاوربية ...
ففي الجزائر , عديد من هؤلاء (( العلماء )) ومعهم اعداد غير قليلة من المريدين والمقلدين , يشنون حملة شعواء ضد الحكومة , ذلك ان وزارة الداخلية فيها كانت قد قررت في وقت سابق ان تكون الصور الشخصية في جوازات السفر واضحة المعالم وتدلل على اصحابها , وهذا يتطلب من النساء المحجبات اظهار وجوههن من اعلى الجبهة الى نهاية الذقن , في حين تطلب من الرجال حلق لحاهم او على الاقل تشذيبها بغية التعرف عليهم وتجاوز الاشكالات الكثيرة التي يتعرض لها اؤلئك في المطارات العالمية وبالذات الاوربية , ذلك ان الاجراءات المشددة سببت العديد من الاشكالات لهؤلاء ولرجال التفتيش في المطارات معا . فراح هؤلاء , وكاْنهم لم يصدقوا ان فرصة اخرى سنحت لهم , ليدلو بدلوهم , وان يقيموا الدنيا ولا يقعدونها في اصدار الفتاوي وصيحات الاحتجاج والرفض غير عارفين ان مثل هذا الاجراء وغيره هو لفائدتهم وللاخرين . هذا المشهد نراه الان ايضا في فرنسا التي تريد حكومتها منع الحجاب في الاماكن العامة والدوائر والمدارس , وكنا في وقت سابق شهودا على ما قام به هؤلاء ضد الحكومة السويسرية , يوم منعت بناء الماْذن في الجوامع , وكذلك كان الحال في هولندا والدانمارك والسويد وغيرها .
ان شيخ الازهر الذي توفى مؤخرا , كان على صواب في نظرته المعتدلة , سواء في الحجاب او غيره , واذكر انه قال ذات مرة , بخصوص الماْذن , ان لسويسرا اوضاعها الخاصة ومن حقها ان تعتمد- اي قرار يضمن امنها وسلامتها وراحة مواطينيها ويحافظ على تقاليدها ... كما اشار ايضا الى انه ليس من حق احد ان يعترض على قرار دولة تمنع الحجاب , فاي حكومة حرة في سلوكها داخل دولتها ... ايضا انه , شيخ الازهر , نهر ذات مرة طالبة بالغت واسرفت في الحجاب او النقاب وهي بين زميلاتها ومعلماتها ...
انا لم اقراْ او تناهى الى سمعي ان محمدا او احد اتباعه دعى الى الحجاب , غير ان الذي اعرفه ان محمدا ومن كان معه , كانوا ياْخذون احيانا نساؤهم او جواريهم الى المعارك وسوح الوغى ليكونوا جنبا الى جنب مع الرجال , وكتب التاريخ تشير الى - هندا - عندما دفعت بغلامها لقتل الحمزة بن عبد المطلب , كانت سافرة عن وجهها ويديها وقدميها ... وكذا كان حال النساء سواء في فترة الاسلام او قبله او بعده ... فبعض من حفيدات محمد كن يملكن بيوتات ادبية وعلمية , كان اغلب زوارها من الرجال , يلقين فيها شعرا ونثرا ويقراْن في الادب والعلوم الاخرى .
ترى مالذي يدفع بعضا من مسلمي هذا الزمان الى اتخاذ مواقف متشنجة من كثير من القضايا , وبالذات موضوعة الحجاب ؟ ... هل ياترى ان اؤلئك يتصورون ان شرفهم سوف يثلم ان اسفرت المرا}ة عن وجهها ؟ ... هل النطر الى وجه صبوح , جميل هو نوع من الكفر والزندقة ؟ ... ام انهم اعتادوا ان يخالفوا الاخرين في كل شيء , ان لا يفقدوا سلطتهم الدينية والدنيوية ... قوامون على النساء , ياْمرونهم بما هو حق وباطل , ان تبقى المراْة سلعة ومتعة ... ام انهم يريدون ان يعيدوننا الى قرون بعيدة , متناسين ان في وقت ما من الزمان كانت النساء , هن من يقدن المجتمع , وكن صاحبات القرار في شتى مناحي الحياة بما فيها السياسية والاقتصادية ...فالزمن لا يقف ابدا عند قناعة او ظاهرة ثابتة ... والتطور يكتسح كل بال ومتخلف ورديء , في حين يغني كل ما يتماشى وروح العصر ... ولا اجد حرجا ان اقول لذلك البعض الذي يصر ان على البقاء في مؤخرة الركب , ان احد كبار المسلمين وقادتهم , واعتقد انه علي بن ابي طالب , قال ذات مرة ما معناه , علموا اولادكم غير ما تعلمتم ذلك اهم سيعيشون زمانا غير زمانكم ... فا}ين انتم من هذه الحكمة العظيمة .
ان اؤلئك الذين صارت لحاهم وكي جباههم وقصر ((دشاديشهم)) دليلا على الورع والتقوى ... لن يستطيعوا ان يواكبوا التقدم والتمدن ذلك ان احساسا بالدونية يلازمهم وهو ما يدفعهم الى مثل هذه البدع والخزعبلات . لقد التقيت كثيرا من النساء المحجبات والمنقبات , وحين كنت اساْلهم عن الاسباب كانوا يجبن ... هكذا يريدون ازواجنا او ابائنا واخواننا ... انهن مرغمات غير مخيرات , مع وجود استثناءات لبعض الحالات .
نقلا عن الحوار المتمدن |