CET 00:00:00 - 18/04/2010

مساحة رأي

بقلم: د. أحمد الخميسي 
نشرت هيئة قصور الثقافة مؤخرًا في سلسلة الدراسات الشعبية كتاب "مقدمة في الفولكلور القبطي" لعصام ستاتي. وللباحث كتابان آخران صدرا من قبل وهما "السمسمية بين الواقع والأسطورة"، و "شم النسيم  أساطير وتاريخ".

ويكتسب الكتاب الجديد أهمية خاصة لندرة الأبحاث في ذلك المجال، ولكشفه عن الجذور المشتركة في ثقافتنا القومية في وقت يزج فيه التعصب بالبشر وراء متاريس المواجهة حتى العنف. وكل كشف عمّا هو مشترك يمثل خطوة نحو التعارف والتآلف الإنساني والفكري.

يرتكز "عصام ستاتي" على وجود أدب شعبي مصري عام مشترك يتضح في أغاني الحصاد والعمل والصيد والأعراس والأحزان، ويبقى الاختلاف الوحيد قائما في مجال الأدب الشعبي ذي المسحة الدينية وفيه تبرز الفوارق التي يفرضها اختلاف العقيدة بين المسلمين والمسيحيين المصريين. وحتى في الأدب الشعبي الديني سنجد أن المصريين يحفرون قواسم الهوية المشتركة، فالغناء في الحالتين يعتمد على قوالب موسيقية واحدة بل وعلى نفس النصوص مع تغييرات طفيفة لتلائم العقيدة.

وإذا كان أخوتنا المسيحيون يهتفون للسيدة العذراء "يا عدرتنا يا منجدة يا أم الشموع القايدة" فإن المسلمين يهتفون للسيدة زينب "يا سيدة يا منجدة يا أم الشموع القايدة".
والموالد رغم طابعها الديني بركة للجميع سواء أكان مولد سيدي البدوي أو مولد السيدة العذراء، وفيها تحوّلت نذور قدماء المصريين للآلهة إلي نذور للقديسين والأولياء.

وتغذي الجذور الحضارية القديمة الأدب الشعبي بكل تنوعه، فقد كانت إيزيس إلهة القمر عند قدماء المصريين تظهر في صورة امرأة لها قرنان بينهما نور القمر، وهو ما نراه في صورة العذراء والسيد المسيح وحولهما النور.
أيضًا فإن فكرة النور ذاتها امتدت إلي مولد السيدة زينب حيث يقال لها "يا أم العجائز" أي يا من تنيرين طريق العميان. وفي هذا النسيج الوطني الذي دمجه الزمن والصراع المشترك ضد الطبيعة يستقبل أطفال المسلمين شهر رمضان المبارك بعبارة كنسية هي "حلو يا حلو" المأخوذة من كلمة "حلول" القبطية التي تعني التهنئة، ومن هنا جاءت  العبارة الشعبية الشائعة "يا حلو لي" أي –تهنئة لي– أي يا هنايا! وسنجد في أغاني الأطفال الغنوة الشهيرة "يا مطرة رخي رخي"، وكلمة رخي قبطية تعني اغسلي ونظفي! 

أقول يكتسب كتاب "عصام ستاتي "أهميته من كشف ما هو مشترك حتى على صعيد الأدب الشعبي الديني، لأن المسلمين الذين نشأوا على ثقافة دينية إسلامية لا يرون الجانب الآخر بحكم النشأة، كما لا يرى المسيحيون الجانب الآخر من ثقافة المسلمين الدينية. وفي مجال الثقافة الدينية تحديدًا يكمن خطر هوة الانفصال، الهوة التي تجعل أبناء مصر من الطرفين مثل عينين: تنفتحان معًا، وتنغلقان معًا، وتطرفان معًا، لكن لا ترى كل واحدة منها شقيقتها في الحياة والطموح.

ورغم تقديري للكتاب، فإن لدي ملاحظتين...
الأولى: هي أن عصام ستاتي ينطلق من أن القبطية –بالمفهوم التاريخي القديم للكلمة– هي المصرية، ومن ثم فإننا جميعًا –مسلمين ومسيحيين- "أقباط". لكن مصطلح "القبطية" ينطوي على مفهوم ملتبس يراوح ما بين الدين والقومية. ويتضح هذا اللبس في الفصل الخامس المعنون "الأدب الشعبي القبطي"، فإذا كانت القبطية هنا هي المصرية لوجب الحديث عن الأدب الشعبي المصري عامة، لكن القبطية تبرز في هذا الفصل بمفهومها الديني، فنقرأ فقط صفحات من الأدب الشعبي المسيحي حيث نطالع قصة "البتول" و"سيرة ماري جرجس" والأمثال المسيحية.

الملاحظة الثانية: تتعلق بالفصل السادس الأخير المعنون بـ " اللغة المصرية"، إذ أن كل ما أورده "عصام ستاتي" في هذا المجال بحاجة لنقاش آخر موسّع.

جدير بالذكر أن كتاب عصام "ستاتي" هو الثاني من نوعه بعد كتاب "في الفولكلور القبطي" تأليف "روبير فارس" والذي صدر عن هيئة قصور الثقافة.

ما أحوجنا إلي المزيد من هذه الكتب لتجلو لنا جوهر وحدتنا الوطنية.

تحية للكاتب ولجهده ولتثبيته لتلك السير الشعبية الجميلة التي أقرأها للمرة الأولى فأشعر أنها مدت في ضميري نور التعرف إلي ذاتي. 

كاتب مصري
Ahmad_alkhamisi@yahoo.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق