CET 00:00:00 - 15/04/2010

مساحة رأي

 بقلم : محمود غازي سعدالدين
هل وصل غالبية المسلمين إلى الدرك الأسفل من الانحطاط وهزاله التفكير والتطبيق الفعلي لهذه الأفكار من خلال ممارساتهم وأفعالهم وأقوالهم , تراهم في كل مكان يهيمون , يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون , ما نراه ونشاهده من تفكير عقيم يعكس هذا الهزال الذي أصاب جسدنا , وأصبحنا بؤرة لفيروسات وميكروبات عديدة اخترقته شلت معه قدرة تفكيرنا السليم , مع أن الوقاية وتجنب معظم الجراثيم الخطيرة كان سهلا وممكنا. جراثيم التعصب والتخلف والبداوة والقتل والإرهاب وظلم الغير والنفاق والاستئثار بكل شيء والتصفيق للحاكم المتكبر والدعاء له بالنصر المؤزر على الشعوب المسكينة , كلها وغيرها أصبنا بها ,
كنا قادرين ونحن قادرون على أن نعالجها لو وضعنا أيدينا على العلاجات الحقيقية ونحظى بجسم وعقل سليم معافى , وكما تقول الحكمة فالعقل السليم في الجسم السليم . هل نحن قادرون على التخلص من هذه الجراثيم شيئا فشيئا في ظل وجود بؤر كثيرة وحاضنات تربى فيها أجيال متعاقبة لهذه الجراثيم الخطيرة ويتم نشرها بشتى الطرق والوسائل ؟ الجرعة الوقائية الأولى التي تقينا من اخطر تلك الفيروسات القاتلة , وكما يقال فدرهم وقاية خير من قنطار علاج , يجب علينا أن نتخلص من الوعظ الديني المنافق , والوعاظ الذين سلطوه على عقولنا طوال عقود وعقود , حتى أصبحنا نتحدث فقط عن المظالم والانتهاكات والجرائم التي وقعت عبر تاريخنا ونسرد قصص الأنبياء وعدلهم وأمانتهم دون أن تتحرك العقول الصماء لمن يخطبون على منابر المساجد للتحدث عن ظلم الرئيس وجبروتهم هم وحاشيتهم , ومن ثم نعجب بفيلم الرسالة ومسلسل النبي يوسف وعمر المختار أيما إعجاب , ونتناسى مظالم ألقذافي الليبي وأمراء آل سعود وحاكم سوريا وبو تفليقة ومبارك واحمد نجاد وولي الفقيه وصدام المقبور ومن يسير على شاكلته في العراق وغير العراق ,

لا بأس من قراءة التاريخ وذكر فضائل من لهم من الفضائل وننكر المظالم والجرائم , ولكن أن يصبح شغلنا الشاغل هو فقط التحدث عن عدل يوسف ومحمد وموسى وعيسى وعلي , ونلعن ونتحدث عن ظلم الفراعنة المتكبرين وبنو أمية والعباس وهشام بن الحكم ومعاوية ويزيد فقط , ونغفل عن ما يحدث في عصرنا الراهن فهذا هو الخسران المبين . مسلسل النبي يوسف هو من إنتاج 2008 شركة سيما الإيرانية لاقى صداه ومشاهديه في العالم الإسلامي وفتح مع عرضه مساحة واسعة للنقاش بين الاعتراض والتأييد , عرض مسلسل النبي يوسف الصديق في العديد من القنوات العراقية وقناة الكوثر( التابعة لولي الفقيه ) , وتزامن عرضه في وقت واحد وهو في شهر رمضان , البعض ذهب من فقهاء الأزهر ومشايخ الوهابية , إلى أن المسلسل والمؤسسة المنتجة
( الشيعية الإيرانية) لم تأخذ برأي المؤسسة الدينية في مصر متمثلة بالأزهر , وفقهاء المذهب الوهابي السلفي لما في المسلسل من أخطاء وخصوصا في

تجسيد شخصيات الأنبياء والصالحين ( حسب أرائهم) فقد التقت أرائهم في هذا الشأن , حتى أفتى وخرج المجمع الفقهي للبحوث في الأزهر( على لسان الدكتور رأفت عثمان وأكد أنه لو فتحنا الباب لتمثيل الرسل والأنبياء فقد نفاجأ بمن يقوم بتمثيل الأنبياء والرسل في فيلم سينمائي أو مسرحية أو مسلسل ثم يقوم بعد ذلك بدور سكير مثلاً أو أي دور يسيء إلى الشخص العادي، وطالب عثمان بصفته المقرر المناوب للجنة الفقهية داخل مجمع الأزهر بوقفةٍ حاسمةٍ مع مثل هذه المسلسلات). وقال: \"بما أن التمثيل محاكاة للأصل، خاصة في الشخصيات التاريخية، فإننا نطرح سؤالاً هو: هل كانت هناك صور أو تماثيل تصور أو تجسد أشخاص هؤلاء الرسل في عصورهم حتى نقول إن الشخصية التي مثلت دور الرسول أو النبي تماثل الأصل؟ والإجابة: لا يمكن؛ لأنه لم يحدث إطلاقًا. وطالب علنا بوقف عرض المسلسل في القنوات المصرية) . الايجابية الجيدة التي ظهر بها المسلسل الإيراني هي تجسيد شخصيات الأنبياء والصالحين , وغيرها من المسلسلات الأخرى التي أنتجتها شركات إنتاج إيرانية , هنا حتى بعض المرجعيات الشيعية تتناقض مع نفسها, فهم مع تجسيد شخصيات الأنبياء كيوسف وهارون وموسى ويعقوب ومريم العذراء وصحابة أجلاء كحمزة وعمار وأبي ذر, دليلنا في ذلك هو موافقة الوقف الشيعي في لبنان لتجسيد شخصيات فيلم الرسالة , في الوقت نفسه يقفون معارضين متصلبين في أن لا تجسد شخصيات أهل البيت في أفلام ومسلسلات تصور تاريخهم الإنساني وحقيقة ما حدث عبر التأريخ , ويجيزون رسوم الرسامين المبدعين وهم يتفننون في رسم شخصيات آل البيت ويبدعون فيها , وفي حال جسدتها على سبيل المثال شخصية سينمائية كحسين جعفري الذي قام بدور يوسف في الصغر أو مصطفى زماني في الكبر فهذا أمر محرم ولا يجوز الخوض فيه , فلو تجاوزوا ذلك فأنهم قد يدفعون عنهم جميعا صفات الإلوهية والربوبية والاتهامات التي تدور حول طائفة صغيرة من المعتقدين بإلوهية البعض من آل البيت , ولكني وصلت إلى حقيقية مفادها أن غالبية من يقفون عثرة في هذا الطريق يعشقون الجمود وثقافة الأصنام وعبادتها. العديد من الوعاظ ذهبوا بان هذه المسلسلات أفضل من متابعة الدراما التركية الهابطة حسب رأيهم , التي تم إيقافها أثناء الشهر ( المبارك على الحكام والوعاظ) لخلق مزيد من الازدواجية والخلط في العقول ودون الحكم على أي شيء بعقلانية وتمحيص . أخشى ما أخشاه أن تحول هذه المسلسلات والأفلام الهادفة من قبل منافقي المنابر في قم ومكة والأزهر إلى وسيلة لتخدير العقول أكثر ماهية مخدرة في الأصل ويتحول المصل الوقائي إلى فيروس خطير آخر يشل قدرتنا على التفكير والتحليل . مجموعات من الأصدقاء والأصحاب كانوا دائما كلما التقيت بهم تحدثوا عن أحداث المسلسل وعدالة الصديق يوسف في السجن وخارجه , ويطول الحديث في أحداث المسلسل حتى بتنا نسمع السارق والظالم والمرتشي والمجرم ومن ينتهك الحقوق يروج لأحداث المسلسل ( كنت انا شخصيا من احد متابعيه ) , فلم أتمالك نفسي في إحدى المرات تلك فقلت تتحدثون عن عدل يوسف وصدقه وأمانته وتناسيتم انتم ومن تقفون ورائه من يؤم صلاتكم , وصمته وسكوته المطبق عن ظلم وفسق وجرائم وسرقات المسئولين الكبار في هذه البقعة الصغيرة الموبوءة بهم ( ولا تخشى في قول الحق لومه لائم ) . فكان ما كان من جوابهم ( أن ما علينا هاية سياسة ما علينا بيها ولا تورطنا بهيج قضايا ) وهذا مسلسل ديني نأخذ منه العبر والمواعظ , وبعد فترة ليست بالبعيدة رأيت معظم هؤلاء قد علقوا صور الطغاة على جدران محلاتهم وصدورهم ترغيبا وترهيبا , مردفين قائلين ما العمل هذه شريعة الله على الأرض منذ أن خلق آدم يأكل القوي الضعيف , وهذا حال الدنيا . قد يطل علينا الجزء الثاني في شهر رمضان القادم ( شهر الصيام ومظاهر صلوات الجماعة الزائفة بالتزامن مع الغلاء والنفاق والطغيان والتعسف والجور وحتى الإرهاب ) , ولعل هذه الأسطر القليلة البسيطة قد تفتح عقول البعض منا لنتحرك قليلا , بعيدا عن وعظ المنافقين على المنابر . مصيبتنا الكبرى أننا دائما نوقع أنفسنا نحن المسلمين في جدال عقيم آخر لا غاية منه ولا جدوى هذا يرفض أن يجسد شخصيات الأنبياء والصالحين وذاك في الطرف الآخر يفتى بجواز ذلك , ولا يجيزها في حالات أخرى ذكرناها . هذا أيضا تعكسه تناقضات أحاديث الصحاح في البخاري ومسلم فلا بأس أن نجسد أبانا ادم \" ع س\" الذي طوله ستون ذراعا وان الله خلق آدم على صورته ولجبريل ستون جناحا وان الله يضع الأرض على إصبع والسموات على اصبع والشجر على أخرى (وسبحان رب العزة عما يصفون ). بين خطب المنافقين على المنابر بين من يجيز ومن لا يجيز بقينا نراوح مكاننا واستغفلنا من جديد وبتنا نتحدث عن عدالة يوسف الصديق ونسينا مظالم وهفوات رئيسنا وطاغيتنا, ولم يبقى لكم سوى أن تهتفوا بحياتهم وتهتفوا ...... الله يخلي الريس والله يطول عمرة .

nelson_usa67@yahoo.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق