بقلم: شاكر فريد حسن
في إطار السجال والنقاش الثقافي تُطرح مسألة في غاية الأهمية وهي (غياب النقد من حياتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية) كأحد أعراض الأزمة الراهنة التي تعيشها شعوبنا ومجتمعاتنا العربية، فهنالك مَن يريد الاستعاضة عن النقد البناء وثقافة الحوار الهادف والنقاش الفكري الحضاري بالمهاترات والتجريح المرفوض حتى إن الشتيمة غدت بديلاً عن الحجة ونهش لحوم الناس بديلاً لمواجهة مواقفهم.
وبكلمات أخرى تجري محاولات مسمومة لتلويث حياتنا العامة وضرب النسيج الاجتماعي.
إن النقد لا يشمل الأدب فقط ولا يعني بأي حال التجريح والتصفيق المنافق الكاذب والمصطنع، وإنما النقد يعني الكشف الموضوعي عن الايجابي والسلبي والمساهمة في إضاءة الواقع والفكر والثقافة والدعوة إلى التفكير الحر والمستقل والموضوعي الهادف للحقيقة والصالح العام.
فقد شهدت حياتنا الثقافية العربية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي حركة نقدية جادة وفاعلة مطعمة بالقيم الثورية والوطنية والديمقراطية والجمالية الروحية، وهذه الحركة ساهمت في صياغة الذوق الفني والجمالي الشعبي وتوجيه الحركة الثقافية العربية وطنيًا وديمقراطيًا، وعرفنا الكثير من الوجوه النقدية المغامرة الساطعة التي كان لها دور واضح وبارز في إنعاش وتطور النقد والذائقة الجمالية، منها :طه حسين ومحمد مندور وغالي شكري وحسين مروة ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس ورجاء وفريدة النقاش ومحمد دكروب وفيصل دراج وهشام شرابي وادوارد سعيد وغيرهم كثيرون.
وبرأيي المتواضع إن أهم أسباب غياب النقد من حياتنا هي: انعدام الحرية والديمقراطية عدا عن سيطرة ثقافية العولمة الاستهلاكية وانتشار النزعات الفردية والذاتية والنرجسية المريضة واضمحلال القيم الإنسانية العليا والتوجهات النقدية العقلانية، وكذلك تراجع المعارك الأدبية والثقافية والمطارحات القلمية والسجالات الفكرية بين النخب والأوساط الأكاديمية والمثقفة بالإضافة إلى تصاعد القمع والكبت والإرهاب الفكري الديني ضد المثقفين والمفكرين والمبدعين العرب.
وما من شك إن الأصولية بأسم الدفاع عن الهوية والأصالة قد قامت بأكبر عملية اغتيال للنقد وتدمير للتراث العربي الإسلامي عندما أعطت حق الفتوى في العلم والثقافة والأدب، وانطلاقًا من بيانات "الأزهر" النقدي فإن علينا أن نرمي بكل تراثنا النقدي العربي إلى مزبلة التاريخ في حين إن تراثنا الفلسفي كان يتداول من دون التهديد بسيف الحسبة ومن دون تكفير المرتد. لذلك فإن حياتنا ومجتمعنا وثقافتنا المعاصرة بحاجة ماسة إلى النقد الشجاع والمسئول والموضوعي الواعي الذي يعتمد التحليل والاستنتاج العقلي.
النقد القادر على رسم المعالم الحقيقية للمستقبل والنهضة العلمية الحديثة وإحياء المشروع القومي الحضاري بالإضافة إلى إغناء تراثنا الفكري والفلسفي والثقافي وتذويب القيم العليا، العقلانية والنقدية التي حملتها ثقافتنا العربية الإسلامية. |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|