CET 00:00:00 - 09/04/2010

مساحة رأي

بقلم : أُبيّ حسن
غادر السيد (إبراهيم. ف) البرازيل, منذ أكثر من عشر سنوات, تاركاً أرزاقه وأملاكه في ريو دو جانيرو, حيثُ ولد وعاش وتربى وعمل وتثقف, قادماً إلى مدينة طرطوس؛ فقد فضّل الاستقرار فيها مع زوجته وأولاده الأربعة, رغبة منه  بأن يكون أولاده عرباً "أقحاح", وأن يتشبعوا بثقافة الأجداد, محافظين في الوقت ذاته على صلة الرحم مع أقارب لهم في إحدى قرى المحافظة التي هاجر منها والده في النصف الأول من عشرينات القرن الماضي, من دون أن تسعفه الظروف برؤيتها مجدداً.

المأساة التي يعاني منها السيد إبراهيم هي أنه, مذ استقرّ في سوريا حتى تاريخ كتابة هذه الأسطر, لم يقدر أن يحصل على الجنسية التي هي من حقه وحق أبنائه بناء على القوانين المعمول بها(كما هي من حق السيد عمر بن أسامة بن لادن, وفقاً لـ"نضال" بعض السوريين والسوريات من عاشقي وعاشقات الأضواء أكثر من عشقهم للحق وهيامهم به), مع العلم أن قدومه –إبراهيم- إلى سوريا فيه من الفوائد العائدة على البلد أكثر من النفع الراجع له هو, هذا إذا ما قسنا الأمور بميزان الربح والخسارة على الصعيد المادي. وبالرغم من المعاناة شبه اليومية, التي يلاقيها وأولاده, بسبب عدم تجنيسهم يأبى الابتعاد عن سوريا! 

مناسبة ما سلف ذكره, هو الحملات شبه المستمرة التي تقوم بها جمعيات ومنظمات نسويّة و"حقوقية" سوريّة, تطالب بحق منح المرأة السوريّة جنسيتها إلى أبنائها. والمفترض أن ينظر مجلس "الشعب" في هذه المسألة عما قريب, على عهدة بعض الأخبار غير الرسميّة التي قرأناها مؤخراً. يمكننا في هذا السياق أن نأمل صادقين بألا تكون غالبية أعضاء المجلس الموقر المفترض أن تناقش موضوعاً كهذا, أميّة أو شبه أُميّة على غرار عضو المجلس السيد أحمد الفحل راهناً, أو السيد محمد اسكندر سابقاً, على سبيل المثال لا الحصر, وأن يكون السادة الأعضاء مؤهلين علمياً وثقافياً لنقاش قضية كهذه من مختلف جوانبها.
من الطبيعي أن نجد من ضمن "قادة" الحملة التي نعني الكثير من هواة حب الظهور وعشّاقه, ولا ضير في هذا. ومن المؤكد أن نسبة المتاجرين بقضايا المرأة لا بأس بوفرتها في بلادنا(كتجارة بعض المنظمات والجمعيات في سوريا بحقوق الإنسان), ومع ذلك لا يكفّ بعضهم عن المطالبة (عن غباء عادة) بالمساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء.. كل شيء(التأكيد لهم وليس لنا).. ما عدا خدمة العلم الإلزامية التي يُعفى منها النساء و"اللي إمّو رضيانة عليه بهالبلد" ومن يكون وحيد والديه على حد سواء. وتبلغ تجارة من نعني  حداً لم يعودوا يميزون فيه بين الوظائف البيولوجية الخاصة بكل من الرجل والمرأة, إلى درجة يكادون معها أن يطالبوا الرجل بالحمل والرضاعة! وأنا هنا لا أمزح و لا أتظارف أو أتغالظ.

غني عن البيان أني من حيث المبدأ مع حق منح المرأة جنسيتها لأبنائها, لكن إذا خضتُ في  بعض التفاصيل التي لا بدّ منها, سأتريث بعض الشيء, وأعتقد أن كثيرين آخرين سيتريثون في ذلك أو هكذا أظن, وقد يكون من ضمنهم نساء.
قبل الولوج في بعض التفاصيل حيث يقيم "الشيطان", لا بأس من الاستطراد للقول صراحة: إن لا وجود للمساواة في الكرامة بين الذكر والأنثى في الوعي الثقافي لأهل الضاد, وتلك المساواة والمطالبة بها, هي ما علينا أن ننشده جميعاً. طبعاً, ليست السماء وحدها(من خلال دياناتها الموسوية والمسيحية والمحمديّة)  من حرمتهم  تلك المساواة, بل وعينا نحن أيضاً فعل ذلك.. ألسنا ننسب الابن إلى أمه إذا ما أردنا تحقيره, وإذا ما أردنا الإعلاء من شأنه ننسبه إلى أبيه؟! أليس من ضمن شتائمنا اليومية قولنا لزيد من الناس: "ابن العاهرة" أو "ابن الشر.. طة" من دون أن يكون ضمن بذاءاتنا ما يشير صراحة أو ضمناً لمن نريد شتمه أنه "ابن عاهر"! أو "ابن شر..ط". إذاً, حتى في بذاءاتنا لا وجود للعدل بين الجنسين(مع التنويه بأن التمييز في البذاءات كائن في الثقافات الغربية كذلك), وغياب العدل هنا لا دخل للسماء (بأديانها الثلاثة) به.

الآن, إذا أردت الدخول إلى حيث يقيم "الشيطان" سأتطرق, من دون الاتكاء إلى أرقام ودون خجل أو حياء, إلى السوريّات المقترنات بعرب من شبه الجزيرة العربية(السعودية وما حولها من محميات غربية يُقيم فيها عرب), وأفترض أن نسبتهم معتبرة. ولعلنا جميعاً ندرك أن نسبة منهن تم زواجهن وفقاً للزيجات التي يبتكرها –على مدار الساعة- العقل السياحي/اللاهوتي الجنسي الخليجي من قبيل (المسيار, المسافر, المصياف, الونّاسة, والمتعة باعتبار أن إيران دخلت على الخط) وهي زيجات فيها من التحقير للمرأة وبها ليس بالشيء القليل.

ولا نكون قد هتكنا سرّاً إذا ما قلنا إن أنواع الزواج المذكور آنفاً قائم في جوهره على النزوات العابرة, لقاء حفنة من المال يقبضها أهل الفتاة التي غالباً ما تكون قاصراً(ثمة دراسة تفيد أن 17,7 بالمئة من السوريّات يتزوجن قبل بلوغهن سن الثامنة عشر- "تشرين" نقلاً عن موقع الجمل 22/9/2009)؛ ومن البدهي أن ينجم أبناء عن العديد من حالات الزواج تلك, يتركهم الزوج للزوجة من بعد أن يقضي وطره منها بـ"الحلال" عقب انتهاء سياحته الجنسيّة في بلادنا وغيرها من بلاد؛ وفي هذا الصدد سبق أن ذكر الكاتب نضال نعيسة في إحدى مقالاته إن "مليونا طفل مشردين في شوارع القاهرة من جرّاء السياحة الجنسيّة الخليجية". أتفهّم أن الدولة مسؤولة عن ارتفاع نسب البطالة في البلاد, وانتشار الفقر واتساعه, وعن استشراء الفساد, وعن تقهقر الحريّات العامة وتغييبها... الخ, لكني لا أستطيع أن أتفهّم كيف تكون الدولة(وهي سوريا هنا)مسؤولة عن نزوات أبناء الخليج الغربي/العربي؟! من ثمّ هل استطاعت الدولة, في سوريّا, إيجاد وظائف وفرص عمل لأبنائها من أبوين سوريين حتى نطالب بتجنيس من يُفترض أن له دولة ينتمي إليها؟ هل أنا وغيري من السوريين سنتحمّل مسؤولية من "يبيع" ابنته لمن يدفع له أكثر, أو لمن تهب جسدها لمن يدفع مهراً أغلى وما شابه ذلك, مع المعذرة عن التعبير؟

في السياق ذاته: لماذا لا تكون المعاملة في هكذا قضية بالمثل؟ بمعنى أن يحق للمرأة السوريّة منح جنسيتها لأولادها إذا ما كان زوجها يتبع لدولة تحترم دساتيرها وقوانينها المرأة بكل ما لكلمة احترام من معاني, بمعنى احترامها لحريتها وكرامتها وحقها في منح جنسيتها لأبنائها.. الخ. أما في حال كان زوج السوريّة ينتمي إلى دولة ما تزال فيها المرأة عورة بما يترتب على تلك النظرة الدونيّة من سلوك متخلّف وثقافة رثّة نخاف أن تُصاب بلادنا بعدواها, فمن الأفضل للسوريين ومستقبلهم أن لا يتم منح الأبناء الجنسيّة السوريّة مع بالغ تقديرنا لمعاناة بعض الأسر السوريّة وهي بطبيعة الحال قليلة وتبقى الاستثناء لا القاعدة؛ على أن يحصل ذلك الحق في المنح إذا ما تمّ تغيير ما في البنية المجتمعية والفكرية والثقافية والقانونية لأمثال تلك الدول وأبنائها, وإلا فالكارثة محيقة بنا بلا ريب. نسوق ذلك من دون أن نقدم على تذكير نساء سوريّا بالمعاملة المهينة والبغيضة التي يُعامل بها السوريون في منظومة دول الخليج, والإهانة تبدأ من إخضاع السوريين لنظام الكفيل العنصري, مروراً بعدم حق التجنيس أياً كانت الأسباب ومهما طال زمن الإقامة, وهنا قمة العنصرية واللا إنسانية, وأشياء أُخر لاداعي لذكرها في هذا المقام.

من جانب آخر, كان الأجدر بالمرأة السوريّة, وهي التي حققت انجازات عدة, بعضها نالته بنضالها فاستحقته عن جدارة, وبعضها الآخر بمعونة الأنظمة التي تتالت على البلاد ابتداء بنظام الرئيس حسني الزعيم وانتهاء بنظام الرئيس حافظ الأسد, أن تطالب بالمساواة في الكرامة, وهذه المساواة تبدأ من الدعوة لإسقاط المهر الذي يشيّئ المرأة ويسلّعها تحديداً في أوقاتنا هذه كما نعتقد.. من الجائز جداً بأن المهر كان في صدر الإسلام وفجره وحتى ثلاثين عاماً مضت ضرورة بحكم الواقع الذي كان, لكن ما حاجتنا إليه الآن؟ وإذا لم يكن بمقدور المرأة السوريّة ومن يتزعمن حركتها الآن المطالبة بإلغائه, فليطالبن على الأقل بالتخفيف من غلوائه, وهو غلواء يصل حد الفجور في بعض الحالات.. المساواة بالكرامة تبدأ من العمل على إلغاء شرعنة تعدد الزوجات والنضال في سبيل منعه رسميّاً.. كما أن الكرامة والمساواة بها تدفعنا للعمل إلى إيقاف أنواع الزواج الزائف الذي يترتب عليه مشاكل نحن بغنى عنها, من المسيار إلى المتعة وليس انتهاء بالمصياف والونّاسة, ولا ندري ماذا تخبئ لنا مخيلة "أشقائنا" العرب في شبه جزيرتهم في الغد القريب من أنواع أخرى للزواج!

أشياء كثيرة ينبغي علينا العمل عليها سوية قبل أن نطالب بحق منح المرأة جنسيتها لأبنائها, وعندما نحقق على أرض الواقع شيئاً من مبتغانا ونصبح قدوة لغيرنا, ونرى دول الجوار العربي تقتدي بنا, حينذاك سيكون من دواعي سرورنا أن تهب المرأة السوريّة جنسيتها لأبنائها, ولن يكون لنا أي تحفظات, وسأكون أوّل المطالبين بحق منح السيد عمر بن أسامة بن لادن وأشقائه وأخوته الجنسيّة السوريّة حتى لو لم ينلها السيد (إبراهيم. ف) وذريته مكتفين بالحلم في نيلها.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق