بقلم : أنطوني ويسلون
تحذير: هذه القصة للكبار فقط
كانت عفاف تظهر تقدماً ملحوظاً في كل ما تتدرب عليه.. وكانت تحمل معها دائماً الى اي مكان تذهب اليه مع روجينا، حقيبتين، واحدة تضع بها ادوات التجميل والعطور الثمينة، وواحدة لا تعرف ما بداخلها، فقط عليها ان تحملها.. انها الأوامر.. وعفاف وصلت الى مرحلة الطاعة العمياء. تجلس في المكان الذي تحدده لها روجينا ولا تتحرك إلا بإذن منها. اذا جاء من يطلبها للرقص عليها أن لا تنهض إلا إذا أشارت اليها روجينا بغمزة سريعة من عينيها. أما اذا أدارت رأسها في اتجاه معاكس فهذا يعني عدم الموافقة.
خلال الاشهر الستة، هذه، خرجت مع سوسو ايضا، وطبيعي كان يتكلم معها باللغة العربية التي علمها له فريد.. لكن عفاف كانت قد قطعت شوطاً واسعاً في تعلم اللغة الانجليزية. لم تشعر بفارق كبير بين سوسو هذا وروجينا.. فهو رجل بالشكل والمظهر فقط. اما بطريقة حديثة ومعاملته للرجال فهو أقرب الى الانثى منه الى الرجل. كان تصرفه مصدر تساؤلات عندها. لكنها كانت تتغلب على تساؤلاتها بجملة واحدة (أنا في أستراليا وكله ماشي.. وماحدش عارف حد.. الست زي الراجل.. والراجل زي الست).
الدوامة التي تعيش عفاف في وسطها جعلتها مشلولة التفكير والحركة. أصبحت مثل دمية جميلة، تصطحبها معها روجينا الى حيث تذهب او تتوجه. دمية تضعها فوق كرسي بجوارها، وتعطيها للغير ساعة تشاء. دمية تتحدث بما تمليه عليها صاحبتها وتسكت عن الكلام عندما تطلب منها ذلك. نسيت كل شيء، زوجها، أهلها، بلدها، حتى انها نسيت استراليا. لم تعد تعرف أين هي ولا من هي.. أصبحت مثل ريشة تتقاذفها رياح المدام، لتتلقفها أيادي روجينا.. ولا تعرف شيئاً عن مهمة زوجها او عن وضعه مع المدام. في الليل هي في حال.. وفي النهار هي في حال آخر.. رجال كثيرون.. ونساء كثيرات.. وهي مثلهن، أحيانا تبدو سيدة محترمة، ترتدي أفخم الملابس وأحدث الأزياء، وأحياناً تبدو وكأنها طالبة مثل باقي الطالبات اللواتي تتواجد بينهن في حفلات الرقص الذي يطلقون عليه إسم (ديسكو).
لم تكن تدخل قاعة الحفلات من الباب الرئيسي مثل الطلبة والطالبات، بل كانت تصل قبل الجميع ومعها الحقيبة الكبيرة المحرم عليها فتحها او معرفة ما بداخلها.
أما فريد فقد نفذ ما طلبت منه المدام، إذ أحضر زوجة صبية وجميلة وسلمها لها، خاصة انها ارسلته على نفقتها للزواج.. وسهلت له أمر إحضارها معه. فهي امرأة معروفة ولها يد قوية في كل المصالح الحكومية. خُيل اليه انه افرحها عندما اخبرها عن الحشيش الذي احضره معه.. ولم يعد الى منزله بل ظل مرافقاً لها كظلها، لا يتركها لحظة واحدة، أو بالاحرى لم تتركه يغيب عن نظرها حتى وهو بعيد عنها للحظات فكانت تتابع كل تحركاته. وصلته رسالة من أهل زوجته تحمل خبر وفاة والدها.. فسأل المدام ماذا يفعل، هل يخبر عفاف؟.. أم ماذا؟!.. طلبت منه ان يترك الامر لها، وان يكتب رسالة تعزية مرفقة بمبلغ من المال، بغية مساعدة العائلة، على الحياة، مع الوعد بإرسال مبلغ مماثل مع بداية كل شهر، مما جعل فريد في حيرة من أمره.
لم تعرف روجينا سبباً وجيهاً لاهتمام المدام بالبنت (المفعوصة البلدي دي).. وتذكرت كم للمدام من أفضال عليها هي بالذات. فقد نامت في العراء ولم تبلغ السادسة عشر من عمرها.. انفصل والداها.. خرجت امها من المنزل برفقة عشيقها، وأدارت ظهرها لوالدها قائلة له:
- باي باي.. انا خارجة مع صاحبي ومش راجعة تاني.. انت حر، عايز تطلق.. طلق، مش عايز مش مهم عندي..
-والبنت الوحيدة دي.. حا تسيبيها لمين؟
- البركة فيك.. مش انت أبوها؟!
صمت الأب ولم ينبس ببنت شفة، وإن كان لسان حاله يقول:
- الله أعلم ان كانت بنتي أو بنت غيري؟
ظلت روجينا مع والدها فترة من الزمن. إلى ان جاء اليوم الذي طردها فيه من المنزل. أصبح سكيرا لا يطيق رؤيتها، لأنها تذكره بأمها الخائنة. كان يحقد عليها ويؤنبها دون اي ذنب ارتكبته.. يضربها.. يحرمها من أبسط متطلبات الحياة، لم تعد تستطيع الذهاب الى المدرسة. خرجت الى الحياة دون ملجأ يأويها. نصحها البعض بالذهاب الى المسؤولين لعلهم يجدون لها مأوى تلجأ اليه. وبالفعل بعد دراسة لحالتها، أرسلوها الى مكان خاص بأمثالها من البنات والصبيان. فتاة جميلة في مقتبل العمر.. طردت من منزلها بسبب شهوات والديها.. ونظام حكومي يشجع مثل هذا العمل في مجتمع حضاري، من المفروض فيه ان تكون الأسرة نواته، وعليها تنبني فضائله ونجاحه وتقدمه.
في الملجأ تعرفت على سام.. شاب في مثل سنها، ومشكلته تكاد تطابق مشكلتها، وان اختلفت مأساته. انفصل والديه.. عاش مع امه وصديقها " البوي فرند " واعتدى هذا البوي فرند عليه جنسيا دون ان تردعه تلك الأم التي إرتمت في أحضان المخدرات والجنس الرخيص. إستمر العشيق في إغتصابه والاعتداء عليه بالضرب وإهانته، مما دفع به الهرب من المنزل.. وشاءت الاقدار أن يوضع في نفس الملجأ الذي وضعت به روجينا.
ارتبط سام وروجينا ببعضهما البعض بطريقة تختلف كلياً عن علاقات من في الملجأ.. كانت ترتاح اليه، وكان يأنس بوجودها.. ذات مساء قررا الهرب من الملجأ والخروج من دائرته التي لم تحم احداً من ارتكاب الرذيلة، ولم تساعد أحداً على ممارسة الفضيلة.
هربا معاً دون عناء او مشقة.. اقتادتهما اقدامهما الى بؤرة الفساد في سدني.. الى حي السياحة والاباحة.. الى الكينجز كروس..
وجد سام عملاُ بسرعة، إذ تلقفته ايدي محبي اللواط.. وبقيت هي الفتاة العذراء التي تخشى ممارسة الجنس، لانها تحس في قرارة نفسها ان الجنس هو الذي دمّر عائلتها.. لو لم تترك أمها المنزل هرباً وراء شهواتها الجنسية، لما وصلت هي الى هنا.
سام.. أقسم لها بأنه لن يسمح لأحد بان يلمسها او يعتدي عليها او ينام معها.. اذا لم ترغب هي بذلك وبكامل حريتها. أما المأكل والمشرب فبإمكانه تأمينهما عن طريق الدولارات التي يحصل عليها.. وكان قد أخبر (القواد) أنها شقيقته، عرض عليه القواد التقاط صور عارية لها وبأوضاع مختلفة، على ان يدفع لها بسخاء.. فوافقا وفرحا بهذا العرض فرحاً عظيماً.
بعد سنوات من العمل المرهق، وصلت شهرتهما إلى سمع المدام، فطلبت من احد اعوانها ان يدفع (للقواد) مبلغاً كبيراً من المال بغية شرائهما.. وضمهما الى قصرها.
تغيرت الحياة تماما عند المدام.. لم يعودا مراهقين كما كانا من قبل. لقد ناهزا العشرين من عمرهما.. أعجبت المدام بجمال روجينا وقوامها.. كما لمست في سام فحولة رغم شذوذه الجنسي، بعد مرور عامين تزوجته المدام في احتفال كبير.. وأصبحت روجينا هي المرأة الوحيدة المقربة من المدام. بل صارت ساعدها الأيمن في ادارة مملكة الشر التي تتزعمها. بعد سنوات انضم فريد الى تلك المملكة. فأمتلك بشكله الشرق اوسطي ولكنته الانجليزية حواس ووجدان روجينا، لاحظت المدام ذلك، فرفعته من موزع للمخدرات الى مقرب اليها مع سام وروجينا.. وأصبح فريد د يك (البراري) بين الثلاثة، روجينا احبته، سام أحبه، والمدام ايضا.. وكم كانت المفاجأة عظيمة عندما وجد ان روجينا ما زالت عذراء.
كبرت المنظمة السرية التي كانت تديرها المدام، وأصبحت مملكة قائمة بذاتها، لها رعاياها من رجال الأمن وكبار رجال المخدرات والعاملين في الدعارة. أصبح لها سطوة على كل شيء.. تستطيع رفع أسعار الكيف، وتستطيع نشر بائعات الهوى في أي مكان في سدني.. لا حدود لسطوتها وقدرتها على التحكم في شارع الشر والفساد.
شعر فريد بالحنين الى بلده مصر واراد ان يذهب في زيارة خاطفة، عرض على المدام فكرة سفره وزواجه وإحضار دم جديد ينضم اليهم، وتكون لهم القوة للسيطرة عليه.. وفي الوقت نفسه الدخول بها الى الدوائر التي ما زالت مغلقة امامهم، نظرا لأمانة بعض رجال الشرطة ورفضهم الخضوع للمدام والانضمام لرعاياها.
اقتنعت المدام بالفكرة.. وعاد فريد ومعه عفاف التلميذة الفقيرة البريئة. وها هي الاشهر تمر على وجودها معهم دون ان تحدث مشاكل او يشتبه بها احد. كانت تدخل تلك المناطق المحرمة برفقة روجينا التي طالما غيرت من شكلها الخارجي حتى لا يتعرف عليها أحد. تماما كما كان سوسو يفعل.. وعفاف تتجاهل كل هذه التغيرات.. لأنها لا تدري بما يدور حولها.
في الليلة التي سبقت الاحتفال الكبير الذي تنوي المدام اقامته لعفاف، جلست مع فريدي وقالت له:
- فريدي احنا عايزين نعمل احتفال كبير لمراتك.. وعندي فكرة أن أغير اسمها من عفاف الى فنيسا.. وفيه شوية حسابات بيني وبينك عايزة أصفيها علشان مراتك بعد الاحتفال لازم تكون لها حياة جديدة ودور فعّال معانا..
فوجيء فريد بكلام المدام. بدأ يفكر فيما قالته عن الحسابات التي تريد تصفيتها معه.. ماذا فعل دون أن يدري؟ وما هي الحسابات التي تريد تصفيتها؟. فجأة ومضت في ذهنه فكرة الحشيش الذي أحضره معه. هل علمت بما اخفاه.. يا تُرى؟
يبدو ان المدام انشغلت عنه لفترة حتى يصل بنفسه الى الحسابات التي بينهما.. فالتفتت اليه وقالت:
- ايه يا فريدي.. يعني ما سألتنيش عن الحسابات اللي عايزه أصفيها معاك.
- (في لجلجة وتلعثم) أنا.. انا تحت أمرك يا مدام.. انت عارفه ولائي وامانتي معاكي مالهاش حدود..
ضحكت ضحكة عالية، وفي حركة مسرحية أستدارت اليه بعد ان كانت قد اولته ظهرها وهي تضحك مادة ذراعها وهي تشير باصبعها اليه.
- كان ولاؤك مالهوش حدود.. وكانت امانتك محل شك عندي.. لكن كنت با سيبلك في الصغيرة.. أما الكبيرة فأنا بعتبرها خيانة.. فاهم.. خيانة.. وإنت عارف القواعد عندي.. إيه جزاء الخاين يا فريد؟
طأطأ رأسه الى الارض ولم يتكلم..
- مالك سكت ليه.. عرفت اني اعرف كل حاجة..
سكتت وذهبت الى مكتبها وأخرجت «صور» ألقتها في وجهه وهي تصرخ بصوت عال تعتري نبراته رعشة الغضب والشر:
- بص شوف إيه الصور دي..حقائب مراتك والحقائب بتاعتك في الجمرك وانت داخل. الأوامر انها لا تفتح ولا تفتش، لكن تؤخذ لها صور تظهر أدق ما في الحقائب.. وصلتني الصور في نفس اليوم اللي شرّفت فيه. كنت منتظرة الامانة انك تيجي وتقولي على كل حاجة.. لكن خيبت أملي فيك..عايز تشتغل لحسابك.. تقول أنك جبت اربع ترب حشيش وأنت جايب ثمانية. والالماظ اللي في الصورة.. ليه ما جبتش سيرة عنه!! آه بقيت كبير وحتقدر تستغل الغلبانة مراتك.. مش كده برضه..
- يا مدام انت ما ادتنيش اي فرصة.
- ولك عين تتكلم يا مجرم.. ما انا سبتك لما وصلت بيتك واخذت الحقائب ودخلت الجراج.. وتحت البيت فتحت الخزنة السرية وخبيت فيها الالماظ والحشيش اللي ناوي تخبيه عني.. تحب اقولك وإيه اللي عملته كمان؟ أيوه مراتك فتحت خزانة الملابس وشافت صورة روجينا العريانه وشخطت فيها وهددتها، وبعدين شافتها وهي لوحدها وبصّت في المراية وبدأت تخلع ملابسها وتقلدّ الصورة.. كنت انت وصلت وشفتها ودخلت عليها ومسكت خاصرها ووضعت ايديها على كتفك. في اللحظة دي خليت سوسو وروجينا يخبطوا على الباب وبشدة.. صحيح كلامي.. ولا.. لأ.
سكت ولم يجب.. استمرت في حديثها:
- مع الأسف أنا كنت فاكرة انك أذكى من كده كثير.. خليتك دراعي اليمين.. وتقريباً خليتك تعرف كل حاجة عن عملنا.. لكن فاتت عليك إني أنا المدام.. وأنا الي أنتشلتك من الوحل ولعب البوكر ماشين وتطليق مراتك الاولى وخروجك من البيت حافي.. فاكر يا فريد!!
- سامحيني يا مدام.. الشيطان غواني وضحك علي..
- شيطان.. شيطان مين يا.. حيوان..
ضغطت بأصبعها على زر خاص.. فتح الباب، دخل اثنان من الحراس.. أمرتهما بالقبض عليه، نادت على روجينا بواسطة ميكرفون موضوع فوق المكتب.. فجاءت مهرولة، هالها منظر فريد وهو بين أيدي الحراس.. نظرت الى المدام مستفسرة.. فقالت لها المدام:
- شفتي حبيب القلب.. الراجل اللي حبتيه وكان أول راجل سلمتيه نفسك.. شفتي يا روجينا.. خاين (أشارت الى الصور) بصي في الصور دي.. شوفي الخيانة مجسمة.. إيه رأيك يا روجينا نعمل فيه إيه؟
- الأمر امرك يا مدام..
- الخاين عقوبته إيه؟
- اللي تؤمريني بيه يا مدام نافذ المفعول..
- عايزه اسمع منك انت بالذات حكمك على فريد الخاين ايه..
سكتت روجينا احتارت ولم تعرف بماذا تجيب..
- آه لسه بتحبيه.. ما انا كمان حبيته وخليته الراجل بتاعنا.. لكن خان يا روجينا.. نعمل فيه إيه؟
- الخاين لازم.. لازم..
- لازم ايه يا روجينا.. إتكلمي
- لازم.. لازم يموت يا مدام..
ساد المكان صمت رهيب، ووقف الجميع بانتظار المدام، التي تحركت باتجاه مكتبها.. جلست وراءه، ورأسها بين كفيها.. بعد فترة خالها الجميع دهراً، رفعت رأسها وقالت بصوت حزين..
- خذوه، ما تسيبهوش، خلوه تحت الحراسة المشددة لغاية ما أدبر أموري.
همّت روجينا بالخروج مع الحراس، لكن المدام استبقتهها معها وقالت لها:
- روجينا.. خليكي معايا علشان عايزة ننظم احتفال كبير لعفاف، والمناسبة هي انضمامها معانا.. مش بس كده.. لأ.. دي رايحة تحل محل جوزها فريد..
- أمرك يا مدام.
ساد الصمت من جديد، لكن روجينا قطعته بصوت متردد:
- مدام.. معلهش سامحيني.. رايحه تعملي إيه مع فريد؟
(يتبع) |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|