بقلم : هاني رمسيس
كان الظلام مازال باقياً يخيّم على أورشليم .... بأسوارها ... و أحزانها ... فجر الأحد .
بعد أن باتت المدينة المقدسة غارقة فى الألم ، فما زالت آثار دماء الناصرى لم تجف ، فوق أحجار الجلجثة ، وقد خضّبت الأرض و العشب .
كان اليهود قد انتهوا من فصحهم ، احتفل من احتفل ، و أكل من أكل ، و حزن من حزن .
لكن بلا شك كان للكل فصحاً مختلفاً و يوماً فريداً ، فقد أظلمت السماء ، و تزلزلت الأرض ، و تشققت الصخور ، و تفتحت القبور .... و قام كثير من أجساد القديسين الراقدين و دخلوا المدينة المقدسة .
وانتشر بين ملايين الحجاج أخبار يسوع الناصرى و صلبه و موته ، و ما صاحب ذلك من ظواهر .
* * *
كان الظلام مازال باقياً يخيّم على أورشليم .... بحدادها ... و سوادها ... فجر الأحد .
و العذراء وقد جاز فى نفسها السيف " تحفظ جميع هذا الكلام متفكّرة به في قلبها " .
* * *
كان الظلام مازال باقياً .
وخلف جدران بيوت اليهودية و السامرة و الجليل ، بنات أورشليم ينتحبن ، و رجالها يسترجعون أحداث اليوم الجلل ، تجفف السامرية دموعها عند البئر ، يتجول المفلوج حول بحيرة بيت حسدا ، يحملق الأعمى فى مياه بركة سلوام ، يتفكّر معلم اسرائيل نيقوديموس ، يتحاور مع السيد ، كيف يولد الإنسان ثانيةً.
خلف الجدران أيضاً و الأبواب مغلّقة ، نظرات السيد و هو يمر بين دارىّ حنان و قيافا ، لا تفارق بطرس ، توجع قلبه ، تعتصر صدره .... تتهدج أصوات يوحنا باكيا و هو يتكئ على صدر المعلم .... يحتارُ يعقوب .... يكتئبُ مرقس ... يشكُ توما ... تتجمد القلوب و تنسى العقول .
و خلف الجدران كذلك ، قيافا و صحبه و مجْمعه ، ممزق الثياب منشق حجاب الهيكل ، يضحك مستهزئاً ، يظن أنه تخلص من الفتى الجليلى إلى الأبد ، و ها هى تجارته و حماه حنّان ، سوف تعود رائجة فى الهيكل ، و ها سلطانه لن يهدده أحد .
* * *
كان الظلام مازال باقياً .
لكن عينا المجدلية قد سبقتا وقت السحر ، نهضت قبل أن تفتح أورشليم أبوابها ، تسللت مع أول شعاع أحمر للشمس ، يسّيرها الرجاء ، و يدفعها الحب ، تقود أخريات و معهن حنوط للجسد .
أحست الزلزلة العظيمة ورأت الحجر مرفوعاً عن القبر ، ظنت أولاً أنهم أخذوا جسد سيدها ، هذا ما قالته و هى تبكى ، وإذ بالرب يتراءى لها كالبستانى ، حتى تسقط الغشاوة من على عينيها ، فتصرخ مبشّرة بالقيامة .
و فى ظهيرة الأحد ظهر السيد لتلميذى مدينة عمواس - لم يكونا من الإثنى عشر- على بُعد سبعة أميال جنوب أورشليم .
و فى مساء نفس اليوم ظهر للتلاميذ-فى غياب توما- و هم مجتمعون فى العليّة و الأبواب مغلّقة ، و إذا به فى وسطهم قائلاً "سلام لكم ".
* * *
كان الظلام مازال باقياً .
لكن بقيامة الإله الظاهر فى الجسد ، تبددت الظلمة ... وإن كان ميلاد المسيح هو محور التاريخ ، فقيامته هى صك تلاشى التاريخ ، و إعلان نهاية الموت ، فالموت الذى كان فاصلاً بين الأزمان قد اندحر ... فلم يعد هناك موت بل انتقال .
h_ramsis@yahoo.com |