بقلم: جرجس بشرى
لست أعلم أين كانوا المُطالبين بالإصلاح والتغيير قبل ظهور الدكتور محمد البرادعي المُدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية على مسرح الحياة السياسية في مصر؟!! ولماذا انتظروا زمانًا هذا مقداره إلى أن ظهر البرادعي على شاشة المسرح السياسي في مصر؟! وماذا كان سيكون حالهم لو لم تظهر شخصية بحجم وثِقل البرادعي على الساحة الساحة السياسية في مصر؟!! هل كانوا سينتظرون قدرهم إلى أن ترسل لهم العناية الإلهية شخصية مثل البرادعي؟!! هذه كلها أسئلة دارت بذهني وربما تكون دارت في أذهان البعض، فما يحدث الآن من مجعرة ــ نعم إنها مجعرة سياسية ــ يقوم بها البعض مُطالبًا بترشيح الدكتور البرادعي لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية التي ربما ستشهدها مصر في 2011 ( ربما).. أمر مدهش بحق ويدعوا إلى العجب والضحك في نفس الوقت!!
الغريب أن هناك بعض المواقع الإليكترونية في مساندتها للدكتور البرادعي تتحدث وكأن فوز البرادعي في الانتخابات الرئاسية المقبلة أمر مُحتم ومقضي به ومؤكد، ولا يظن أحد أنني ضد ترشيح ضد البراعي لرئاسة الجمهورية، أو ضد انتخابه في حالة إذا ما قدَّم برنامجًا انتخابيًا يلبي الطموحات المشروعة لكل المصريين دون استثناء في حياة كريمة، كما أنني لا أشكك في مساعي ونوايا الدكتور البرادعي في الإصلاح والتغيير، ولكن ربما يكون المزمرون والمصفقون والمهللون بل وحتى المُكتئبون بسبب دخول البرادعي معترك الحياة السياسية في مصر قد تناسوا أو بمعنى أدق تجاهلوا الواقع السيئ للحياة السياسية في مصر، والذي نجح النظام الحاكم في الوصول بها إلى مستويات غير مسبوقة، لدرجة جعلت المواطن المصري يعيش حالة غير مسبوقة من الإحباط واليأس وإدراك عدم إحراز أي تقدم في مسيرة الإصلاح السياسي والديمُقراطي في مصر..
فهناك سوابق لدى رجل الشارع البسيط بأنه حتى لو شارك في الانتخابات الرئاسية، فإن النتائج ستكون محسومة لصالح مرشح الحزب الحاكم، وهناك الكثيرون ممن يرون عدم جدوى مشاركتهم لأن الانتخابات "ها تتزور ها تتزور!".. والأخطر أن المناهج التعليمية والبيت والنخبة المثقفة والأحزاب السياسية قد فشلوا جميعًا في تربية جيل مشارك وطموح وغير محبط ومشارك في الحياة السياسية في مصر، ومن المؤكد أن النظام الحاكم ارتكب هذه الجريمة البشعة عن عمد في تربية أجيال محبطة ويائسة وفاقدة الأمل في إحراز تقدم ولو ملحوظ في الإصلاح السياسي في مصر، فالشعوب هي التي تصنع مصيرها ومصير أجيالها وليست الحكومات، كما أن الحكومات هي التي تستمد شرعيتها وقوتها وسُلطاتها من الشعب، وكان أولى بهؤلاء المصفقون والمهللون أن يضطلعوا بمسئولياتهم كنخبة مثقفة في تغيير ثقافة الجماهير وتعبئتها للمشاركة بفاعلية في الحياة السياسية والتأكيد عليهم بأنهم متى فعلوا ذلك ستتغير مصر للأصلح.
الغريب بل والمُفجع أن هناك كثيرين أخذتهم الحمية وأعلنوا أنهم سينتخبون البرادعي ربما تنفيسًا عن حالة الإحباط التي يعيشونها أو لأملهم في أن يأتي رئيسًا يلبي رغباتهم المشروعة ليحكمهم، أو لمجرد تغيير في الأشخاص والوجوه!!
والحق أقول إن الواقع السياسي الذي يشهده الشارع المصري وصل لمستويات مزرية وغير معهودة، ويدلل الواقع أيضًا على أنه حتى لو طالبت المؤسسة الدينية المسيحية أو الإسلامية اتباعها لاختيار شخص مُعين، فإنهم سوف لا يستجيبون لها، وذلك لأن الشعب البسيط ذكي ولماح ويعرف بمهازل "سلق" الانتخابات، ويؤكد على ذلك د.سعد الدين إبراهيم في مقال له بعنوان "النفور الشعبي من الرئيس وشيخ الأزهر والبابا!".. والذي أشار فيه إلى أنه وبرغم أن الرئيس مبارك وجَّه نداءًا للشعب المصري إبان الاستفتاء على التعديلات الدستورية بأهمية المشاركة في الاستفتاء والتوجه الى صناديق الاقتراع، وتلاه في ذلك فضيلة الإمام محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر وقداسة البابا شنودة الثالث، إلا أن المراقبين للانتخابات رصدوا هزال نسبة المشاركة في الاستفتاء والتي لم تتجاوز 5% من المُسجلين في جداول الانتخابات!!
وقال سعد الدين إبراهيم: (إن أحد المراقبين الدوليين للاستفتاءات قد ذهب وطاف بأماكن يتجمع فيها المصريون وسألهم: "لماذا لم يشاركوا؟ ولماذا لم يستجيبوا لزعامتهم المدنية (حسني مبارك) وزعامتهم الدينية (طنطاوي وشنودة) ــ على حد قول سعد الدين إبراهيم"، فسمع ما جعله يعيد التفكير والتأمل في العقل للجماعي للشعب المصري)، فرغم ما يُشاع عن رهبة السلطة بالنسبة للمصريين (مبارك) وعميق تدينهم واحترامهم للرموز الدينية (طنطاوي وشنودة)، إلا أن ثقة المصريين في صدقية أو مصداقية هذا الثلاثي هي في تناقص مستمر.. وإن الشعب المصري بمسلميه وأقباطه لم يعر دعوات الشيخ والبابا أي اهتمام، إما اعتقادًا من الشعب أنهما يجاملان رئيس الجمهورية، أو مضغوط عليهما من الأجهزة الأمنية..
وقال سعد إن هذا المراقب الحقوقي قال إن الكلمات التي كانت أكثر تكرارًا بين الذين التقى بهم أيام الاستفتاء هي "تهريج" و "مسرحية" و"مهزلة" و "سيناريو لتوريث جمال مبارك خلفًا لأبيه!..
ومن المؤسف أيضًا أن المنظمات الحقوقية رصدت تدني نسبة المشاركين في الانتخابات البرلمانية، حيث شارك فقط في الانتخابات نسبة 23 % فقط من المقيدين في الجداول الانتخابية، وهذا دليل واضح على ذكاء المصريين!..
إن المسئولية تقع الآن على الحزب الحاكم في رفع القيود المفروضة على المرشحين المحتملين في الانتخابات الرئاسية، كما تقع المسئولية أيضًا على الأحزاب والمطالبين بالتغيير في تبني حملات توعوية صادقة لإحداث التغيير المنشود بعيدًا عن المصالح والصراعات الشخصية ومتى حدث ذلك ربما يحدث تغيير حقيقي في مصر! |