ناجح إبراهيم
وقف الرجال حول بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الهجرة يترقبون نزوله من بيته كى يضربوه ضربة رجل واحد، وبينما هم يحاصرون بيته إذا بأحدهم يقترح التعجيل بالأمر والقفز على سطح البيت ودخوله والقضاء عليه.. فإذا بالجميع يستهجنون هذا الرأى ويستنكرونه، قائلين: أنتسور على بنات العم؟ وكأنهم جميعاً، مسلمين وغير مسلمين، قد اتفقوا على تنحية النساء عن الصراع السياسى..
ووضع قواعد أخلاقية راقية للتعامل معهن حتى فى أشد حالات الحرب والنزال والصراع.. بل إن أبا سفيان بن حرب، قائد قريش، رفض أن يحتجز زينب بنت النبى، صلى الله عليه وسلم، كنوع من الثأر من أبيها وجيشه الذى هزم جيش قريش بعد غزوة بدر وأبى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن تحتجز جيوشه بنت حاتم الطائى، وأكرمها من أجل أبيها وأحسن وفادتها وأمر بعض جنده ليوصلها إلى موطن قبيلتها طيئ، مما حدا بها أن تقول لأخيها عدى بن حاتم: اذهب إليه فإن يكن ملكاً فسوف يكرمك وإن يكن نبياً فآمن به. لكن هذه القواعد ضربها تحالف الشرعية والحكومة معاً فى مقتل.. فقد زج الإخوان والتحالف بالنساء فى كل الاعتصامات والمظاهرات بل والاشتباكات والفعاليات الخطرة..
بل وجعلهن فى المقدمة، عكس المعمول به فى كل حياتنا، ويشاركن مشاركة فعالة فى الاعتداء على أساتذتهن، خاصة فى الأزهر، وضرب عميدات الكليات الخاصة بالبنات وشتمهن ومحاولة إغلاق الكلية.. وكان هناك شبه تعمد خطير لإشراك النساء فى هذه الفعاليات الخطرة.. وعدم الاستفادة من أول درس من دروس مآسى فض اعتصام «رابعة»، الذى غابت عنه الحكمة والحنكة وتميز بالقوة المفرطة، ما جعلها نقطة سوداء عالقة فى علاقة الدولة المصرية بالإخوان خاصة والإسلام السياسى عامة..
رغم أن معظم القتلى من العوام والبسطاء والغلابة وليسوا من القادة الكبار ولا المتوسطين الذين تركوا الميدان قبل الفض تاركين النسوة والأطفال والبسطاء غنيمة باردة للشرطة، التى لم تفرق وقتها بين معتصم غلبان وآخر مسلح ضرب وهرب ولم يصبه أى شىء، فلحقت الكوارث بالأطفال والنساء والفتيات الطاهرات ذوات الأنفس البيضاء، ثم وقعت الدولة المصرية فى خطأ أكبر وهو القبض على الفتيات ومحاكمتهن وإعطاء أحكام لا علاقة لها بالواقع من جهة ولا تتناسب مع الحدث من جهة أخرى ولا مع طبيعة البنات، فى سابقة نادرة فى التاريخ المصرى ثم ألغيت معظم هذه الأحكام بعد أن أضرت بسمعة الدولة.
واليوم، تبرز على السطح قصة محاولة اغتصاب إحدى الطالبات عن طريق ضابط شرطة فى المدرعة.. وأعتقد أن جزءاً من القصة قد يكون صحيحاً وأن هذا الضابط فعل ذلك لأنها أهانته وشتمته.. وهذا ما خبرته طوال حياتى من النساء؛ فعندما يزج بهن فى أتون الصراع السياسى فالنتيجة فى الغالب تكون مأساوية.. وعموماً فقد تعلمت فى حياتى كلمة كان يرددها كبار الضباط: «يا ويلك من الملازم أول»، فاللواء والعميد يشتكيان من كبر وشموخ الملازم؛ حيث يرى الدنيا كلها تحت قدميه، ويظل كذلك فترة حتى يدركه العقل وتصله حكمة الحياة، مدركاً أن الجاه والرتب لا توازى شيئاً فى ميزان الله أو عند أى مرض له أو مصيبة تحل به أو بأحد أحبته.
والخلاصة هى ما قلته قديماً للإخوان والتحالف: «نحّوا النساء عن الصراع السياسى وأماكن المواجهة الخطرة»، ولكنهم لم يدركوا قولتى إلا بعد عام كامل؛ حيث أصدروا تعليماتهم اليوم لكل بناتهم وأقاربهم بعدم النزول فى المظاهرات. أما الدولة فأطالبها بالإفراج الفورى عن أى بنت أو امرأة محكوم عليها.. فمن العار على الحكومة أن «تعمل عقلها بعقل بنت صغيرة فى عمر الحماسة السياسية»، وأن تدرك أن القبض على البنات يضرها أكثر مما ينفعها ويسىء إليها أكثر من أى شىء آخر. وجماعة الإخوان: أبعدوا النساء عن الصراع السياسى.
ويا حكومة، اكتفى بالعقوبات الإدارية الجامعية للطالبات اللاتى يخرجن على القانون أو العقوبات الوظيفية للموظفات. ولتذكر كل امرأة مسلمة أن السيدة عائشة ندمت فى آخر حياتها على دخولها فى الصراع السياسى بينها وبين سيدنا على بن أبى طالب، رضى الله عنهما، وذهابها إلى معركة الجمل.
إن الله لم يفرض على المرأة المسلمة الجهاد ضد العدو الخارجى، فهل من المعقول والمقبول واللائق أن يفرض عليها البعض الدخول فى أتون معارك وصراعات حزبية واستقطابات أيديولوجية حادة وتنازعات على السلطة لا تنتهى ولن تنتهى، تدمر أنوثتها، وتحرق أمومتها، وتذهب بحيائها، وتقطع أرحامها، فكم قطعت أسر الإخوان أرحام كل من يخالفها الرأى السياسى، وكم أساءت إليه، ظناً منها أن المعركة بين الكفر والإيمان والحق والباطل، وهذا ما لا يتحمله قلب المرأة الرقيق، وقد لخص رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كل هذه المعانى فى كلمة واحدة من كلام الوحى المعصوم عندما قال: «رفقا بالقوارير»، أى النساء.
نقلآ عن الوطن |