بقلم: د. ماجد عزت إسرائيل
هناك بعض المناطق بالقدس شهدت مواقف تاريخية في حياة المخلص (يسوع المسيح)، سوف يظل التاريخ يذكرها، أرصد هنا بعضها بمناسبة أسبوع الآلام، وكل عام وأرجاء المسكونة بخير:
دير حبس السيد المسيح
دير للأرمن واقع خارج أسوار مدينة القدس القديمة، وهو واقع في حي النبي داود على جبل صهيون. فيه كنيسة تُعرف باسم "كنيسة حبس المسيح" به هيكلاً صغيرًا به إكليل الشوك، وقطعة من الحجر الذي دحرج على فم القبر المقدس، وكانت أصلاً منزلاً لقيافا رئيس الكهنة، وإليه اقتيد السيد المسيح لسؤاله عن تلاميذه وعن تعاليمه، قبل أن يأتوا به إلى بيلاطس في دار الولاية وخارجها. يقع المكان الذي أنكر فيه بطرس الرسول معرفته بالسيد المسيح عندما سألته جارية ـ وهو واقف ـ عما يجرى.
وقد أشار العديد من علماء الآثار والكتاب والمؤرخين إلى المغارة التي بكى فيها بطرس، عندما صاح الديك بعد منتصف الليل، وكان السيد المسيح قد ذكره من قبل بأنه سينكره ثلاث مرات قبل صياحه، وتوجد قرب سور القدس الجنوبي من جهة باب هيكل سليمان الجنوبي وعلى بعد 100متر من دار قيافا، وكان يصلي فيها المسيحيون قديمًا، وبها آثار للفسيفساء، وحولها بعض مبانِ قديمة، لعلها كانت من بقايا كنيسة قديمة باسم بطرس وقد بقيت أطلالها حتى عهد الصليبيين.
وكنيسة حبس المسيح عبارة عن مغارة رطبة جدًا في جوف الأرض، كانت تستخدم أساسًا كسجن لكبار المجرمين وفيها مقطرة، وهي عبارة عن منضدة صخرية بها ثقبان مستديران، يقال إنهم أجلسوا السيد المسيح على المنضدة ودلوا ساقية داخل الثقبين ثم ربطوا قدميه بالسلاسل أسفل المنضدة، وبهذا الشكل قضى السيد المسيح ليلته قبل أن يُقدم للمحاكمة في مجمع السنهدرين. وفي اليوم التالي في دار الولاية "إيوان بيلاطس"، وفي ساحة الدير يوجد عدد من قبور بطاركة الأرمن وأساقفتهم المتأخرين.
كنيسة القبر المقدس (القيامة)
هناك خمس طوائف لها حقوق في كنيسة القيامة وهي:
الروم الأرثوذكس، الآباء الفرنسيسكان (اللاتين)، الأرمن الأرثوذكس، الأقباط الأرثوذكس، والسريان الأرثوذكس.
وكانت هناك منازعات بين الطوائف المسيحية حول أحقية كل منهم في دخول القبر المقدس، ومن أجل فض بعض تلك المنازعات عقد مجلس في دار المحكمة الشرعية سنة 1542م، وبحضور ممثلي الطوائف المسيحية وحدد طريقة الدخول إلى قبر السيد المسيح ومواعيد الزيارة وأملاك كل طائفة.
عندما تطالع كنيسة القيامة التي أسستها الملكة هيلانة 325م، من الخارج، ترى قبتين كبيرتين، الواحدة أكبر من الأخرى قليلاً وكبراهما وهي تلك الموجودة إلى الغرب، القائمة فوق القبر المقدس، والأخرى التي إلى الشرق، تمثل قبة كنيسة نصف الدنيا. وتقدر مساحة الأرض القائمة عليها كنيسة القيامة بطول ثمانين مترًا وعرض ستة وستين مترًا.
كما يوجد أمام كنيسة القيامة فناء واسع يعرف بـ (ساحة القيامة)، وفي المدخل الخارجي توجد ثلاث درجات، عليها بقايا أعمدة المدخل القديم، لم يتبق منها سوى عمود واحد يرجع تاريخه إلى القرن التاسع الميلادي. على يسار الداخل إلى كنيسة القيامة، توجد مجموعة من الكنائس منها يعقوب الصغير، مار يوحنا، الأربعون شهيدًا، الملاك ميخائيل، وإحدى كنائس دير السلطان. ولكنيسة القيامة بابان متجاوران، سد أحدهما في عام 1880م (أيام السلطان عبد الحميد الثاني) والثاني هو الباب الوحيد للدخول إليها.
وعند دخولنا كنيسة القيامة، نرى أمامنا (حجر المغتسل) وهو من الرخام الأبيض طوله نحو مترين وعرضه متر واحد، وفي هذا المكان ذكر أن" يوسف الرامي" و"نيقوديموس" اليهوديان أنزلا جسد السيد المسيح من على الصليب، ووضعاه على هذا الحجر، ولذلك وضع تذكار لتطييب جسد السيد المسيح ولفه بالكتان قبل وضعه في القبر، وفوق الحجر علقت ثمانية قناديل كبيرة الحجم، أربعة منها للروم الأرثوذكس، وواحد لكل من الأقباط الأرثوذكس، اللاتين، الأرمن، السريان، والسريان الأرثوذكس.
وإلى اليسار من حجر المغتسل، توجد دائرة رخامية يعلوها قبة معلق في وسطها قنديل كبير، وحسب التقليد، أن هذا المكان يشير إلى الموقع الذي وقفت فيه المريمات، وهن يشاهدن أين وضع الجسد بعد لفه بالأكفان. هذا الموقع حاليًا يختص بطائفة الأرمن الأرثوذكس. وبدخولنا إلى جهة اليسار، نصل إلى الدائرة التي تحوي القبر المقدس، شيد بناء القبر المقدس، بشكله الحالي سنة 1810م، وهو من المرمر الخالص. والكنيسة تحوي ثمانية عشر عمودًا ضخمًا، وارتفاع قبتها 30 مترًا أما قطرها فحوالي 19.30 متر.
بناء القبر المقدس مستطيل الشكل، له باب صغير من جهة الشرق، تعلوه مجموعة من القناديل والأيقونات الخاصة بالقيامة. عند الدخول إليها، نجد أولاً حجرة صغيرة تسمى "معبد الملاك" يبلغ طولها ثلاثة أمتار ونصف المتر، وعرضها حوالي ثلاثة أمتار، هذه الحجرة هي المكان الذي ظهر فيه ملاك الرب للنسوة بعد أن دحرج من على باب القبر، وبشرهم بالقيامة. وفي وسط الحجرة توجد قاعدة رخامية مرتفعة قليلاً، ويحفظ فيها قطعة من الحجر الذي وضع على باب القبر، وهذا الحجر مغلق بالرخام عدا سطحه العلوي، فقد ترك مكشوفًا حتى عام 1944م، وفي وقت لاحق غطى بالزجاج، ويعني "معبد الملاك" قناديل تغمر بالزيت النقي، والكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية لها قنديل كبير، تهتم بإنارته يوميًا. إلى اليمين واليسار في "معبد الملاك" فتحات يعطى منها النور المقدس خلال احتفالات سبت النور عند الكنائس الشرقية.
ومن خلال باب صغير يرتفع نحو متر ونصف المتر في حجرة معبد الملاك، يمكننا الدخول إلى كنيسة القبر المقدس، والذي يصفه لنا مرقس الرسول "قبر كان منحوتًا في صخر"، وعلى يمين الداخل نشاهد "المضجع السيدي" وهو المكان الذي وضع عليه جسد السيد المسيح، وهو يرتفع عن أرضية القبر بنحو 60 سم، والمضجع السيدي مغلف بالمرمر، ويعلوه قناديل فضية فخمة وللكنيسة الأرمنية قناديل.
وهناك مجموعة من الكنائس بداخل كنيسة القيامة وهي:
1- كنيسة المريمات
وهي كنيسة صغيرة وتقع حيث ظهر السيد المسيح للمريمات وأمرهن أن يذهبن ويخبرن تلاميذه – المجتمعين في علية صهيون – بأنه قام من بين الأموات وسيذهب إليهم ليلتقي بهم في الجليل، وقد أشار البعض إلى أن موضع هذه الكنيسة هو موضع كنيسة القديس يعقوب الرسول، ولكن المرجح غير ذلك لأن كثيرين قالوا إن كنيسة هذا الرسول كانت في شرق هيكل سليمان أي في محل استشهاده، حيث ألقاه اليهود من فوق الهيكل ثم ضربه أحدهم بمدق فسقط شهيدًا. وقد كانت هناك كنيسة أخرى في شمال كنيسة المريمات، أمام مدخل حصن داود، وصارت فيما بعد بيتًا للسكن في أوائل القرن العشرين.
2- كنيسة الجلجثة الثانية ومار يوحنا
وكلتاهما تقع داخل ساحة كنيسة القيامة أمام القبر المقدس.
3- كنيسة القديسة هيلانة
وبالقرب من كنيسة الجلجثة ومار يوحنا من هذا المكان يوجد سلم حجري مكون من 26 درجة يؤدي إلى كنيسة القديسة هيلانة، وشيدت هذه الكنيسة في المكان الذي وقفت فيه الملكة "هيلانة" لتشرف على عملية التنقيب عن حشبة الصليب المقدس، وتعرف باسم كنيسة "ماركريكور لوسافوريتش".
4- كنيسة طريق الآلام
طريق الآلام، هو الطريق الذي سار فيه السيد المسيح حاملاً الصليب من قصر بيلاطس حتى الجلجثة، أي عبر القدس من الشرق إلى الغرب. ويقسم إلى أربع عشرة مرحلة، وعلى هذا الطرق بنى الأرمن كنيسة حديثة في أوائل القرن العشرين.
5- كنيسة قبر السيدة العذراء الجثسيمانية
وهذه الكنيسة خارج أسوار مدينة القدس القديمة، وهي تقع عند مفترق الطرق المؤدية إلى القدس وسلوان وجبل الزيتون عبر وادي قدرن شرقًا، في المكان المسمى بالجثسيمانية (وتعني معصرة الزيت)، ويقول الأرشمندريت الروسي( Grethevios) الذي زار الأرض المقدسة في سنة 1400م، إن للأرمن والأقباط والسريان مذابح في هذه الكنيسة. وأكد برناردينو ( Bermadino) سنة 1993م في كتابه الشهير
إن للأقباط مذبحًا في الشمال وهيكل القديسين يواقيم وحنة، ومع أن في حوزة الأرمن الأرثوذكس قسمًا كبيرًا من كنيسة قبر السيدة العذراء فإنهم مع ذلك استولوا على المذبح الذي كان ملكًا للأقباط، ولما طالب به نيافة الأنبا باسيلييوس الكبير (1856 – 1899م) رفض الأرمن تسليمه وآل وضع الأقباط إلى مجرد حق إقامة القداس الإلهي في ذلك الهيكل في يومي الأربعاء والجمعة طوال السنة، أما في أثناء فترة صوم السيدة العذراء( 7 – 22 أغسطس)، فتقام القداسات يوميًا.
ومما هو جدير بالذكر، أن هناك اتفاقًا بين الأقباط وأرمن القدس بأن يتبادل كلاهما الصلاة على مذبح الآخر مرة كل سنة حيث يصلي مطران الأقباط بالقدس قداس ليلة عيد الميلاد المجيد على مذبح كنيسة الأرمن ببيت لحم، مقابل أن يصلي الإكليروس الأرمني قداس عيد الصعود المجيد على مذبح الأقباط على جبل الزيتون.
وللأرمن الكاثوليك بطريركية أنشأها النائب البطريركي "أنطون يواكيم تومايان"، وكان ذلك سنة ( 1886م)، ولهم دير بني في الموضوع الذي التقت فيه السيدة العذراء بالسيد المسيح وهو ذاهب للصلب، وكنيسة أسموها "أوجاع العذراء".
ويقوم على حراسة كنيسة القيامة بمدينة القدس، عائلتان إسلاميتان هما عائلة آل جودة وعائلة آل نسيبة، وقد اتفقنا على أن جودة هم الذين يحتفظون بمفتاح الكنيسة، وأن آل نسيبة هم الذين يفتحون الكنيسة في مواعيدها المقررة، ومتى فتح هؤلاء الباب، أعادوا المفاتيح إلى أولئك، وهكذا دواليك، ويرجع توليهم هذه الوظيفة منذ أن دخل العرب المدينة.
ويُعرف طاقم الحراس والمشرفين على كنيسة القيامة باسم "القواسين" وقد صار القواسون شخصيات مألوفة على مدى مئات السنين المتعاقبة، حتى إنهم تعلموا عدة لغات أجنبية وأصبحوا يتحدثونها بطلاقة. |