أمنة نصير
رمضان يحمل ذكريات كثيرة بالنسبة لي منذ أن كنت في الخامسة من عمري، وذلك في قريتي الصغيرة «موشا» بمحافظة أسيوط بصعيد مصر، وعرفت في بيت العائلة الكبير كيف كان والدي الحاج محمد نصير يحيي ليالي الشهر الرمضانية بالمقرئين المشاهير في أسيوط، وكان يأتي لمنزلنا العديد من الضيوف والمسؤولين وكبار القوم والناس العاديين لإحياء سهرات رمضان.
وهذه الذكريات لم تذهب أبدا من ذاكرتي وكأنها حدثت بالأمس، وعشت في هذا المناخ وهذا الجو الرمضاني طوال الليل بقراءة القرآن وتبادل الحديث مع مشايخ الأزهر وأهل قريتنا، المسلمين والمسيحيين، والقرى المجاورة، الذين كانوا يحضرون لجلسات الإفطار والسحور كأنها أفراح طوال شهر رمضان.
وعندما التحقت بمدرسة أجنبية ومكثت بها 12 عاما في القسم الداخلي، طلبت أن أصوم، وقتها حدثت ضجة؛ لكني انتصرت وسمح لي بالصوم أنا وأربع طالبات أخريات في المرحلة العمرية الأولى، ثم ذهبت إلى الجامعة في كلية البنات جامعة عين شمس وسارت الحياة وطعم رمضان يجوب في خاطري. وكنت أحرص دائما على العودة إلى دوار أبي (وهو المنزل الكبير للعائلة في القرية) لأنهل من هذه الليالي وهذه الأحاديث التي كنت أسمعها من خلف الجدران، وبعد أن تزوجت نقلت طابع بيت والدي في ليالي رمضان بشكل مصغر إلى منزلي
بحيث يفطر على مائدتي بناتي وأحفادي وأقاربي ممن يأتون من الصعيد والإسكندرية وصديقاتي من الدول العربية والإسلامية، ومنزلي في القاهرة لا يخلو من ضيوف يأتون من هنا أو من هناك. وأتذكر أنني صمت وأنا في سن مبكرة جدا، في السادسة من عمري، وكانت والدتي تشفق عليّ لأن حر الصعيد كان صعبا، ومع هذا كنت أصر على الصوم رغم أنه فوق طاقتي الضئيلة الصغيرة، حيث كان جو منزلنا في الصعيد يعطينا بهجة ويغرس عقيدة الصوم لدينا.
ومن أسعد المناسبات التي أتذكرها في رمضان، عندما سافرت إلى هولندا وأراد ثلاثة أشخاص أن يعتنقوا الإسلام، سيدتان ورجل، وكان ذلك في ليلة 27 رمضان، وبفضل الله لقنت السيدتين الشهادة وقام شيخ المسجد بتلقين الرجل.
العميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر
نقلآ عن الشرق الأوسط |