خالد منتصر
نحن لسنا ضد الضحك ولا يزايد علينا أحد فى الدفاع عن حرية الإبداع، لكن أن يخرج علينا مسلسل فى هذا الوقت العصيب الذى نحتاج فيه أى لمسة تعاون مع أفريقيا ويصف أهل تنزانيا بأنهم من أكلة لحوم البشر ويسخر منهم بهذه الطريقة المستفزة فهذه مقامرة بمصلحة الوطن وليست مغامرة لصالح الفن! تنزانيا بالذات ورئيسها وشعبها وقفوا إلى جانبنا فى محنة العزلة الأفريقية الأخيرة
وليس هناك أى داع للسخرية من هذا الشعب الطيب الجميل بهذه الصورة المقززة، خاصة أنك فى مسلسل كوميدى اسمه الكبير قوى ولست فى معرض توثيق تاريخى لمسيرة تنزانيا! كان من الممكن لأحمد مكى أن يطلق أى اسم على البلد التى سافر إليها حزلقوم، يسميها شنخبار أو باكاكا داسا أو لو مزنوق قوى فى تنزانيا يسميها شنشانيا... أى اسم كوميدى مختلق، ما هو الداعى وما هى الزنقة وما هى الحبكة الدرامية الخطيرة العويصة التى تستدعى أن يضطر أحمد مكى لهذه السخرية من تنزانيا ولماذا تنزانيا أصلاً؟! ولماذا أفريقيا من أساسه؟، اضحك وهزر كما شئت يا مكى وسافر
وغيّر مناظر وديكورات واضحك مع أهل البلد وليس على أهل البلد، الفنان لا يحلق فى فضاء سرمدى لازوردى شفاف بلا قيود ولا فرامل ولكنه يتحرك فى إطار بلده ومجتمعه ووطنه ومصلحة وطنه، والسؤال الذى يفرض نفسه: لماذا؟ أنا لا أرى ذرة من أهمية درامية كوميدية إبداعية لهذا اللغو الفارغ، هذه العنصرية فى الدراما المصرية صارت شيئاً كريهاً، فالإنسانية قبل الفن، والإبداع حس وذوق
لا ينفع وليس من الذوق والإنسانية أن تتبنى الدراما، سواء سينما أو تليفزيون أو مسرح، حدوتة السخرية من اللون الأسود واستخدامها بغلاسة وفجاجة لصنع الإفيهات المستهلكة مثل «انتى لسه طالعه من الفرن أو إيه الهباب ده أو باين علينا دخلنا النار»... إلى آخر تلك الإفيهات التى شبعنا منها فى الدراما المصرية، فن الكوميديا شىء واستباحة الإحساس وتدمير الإنسانيات والضغط على أعصاب الضعفاء
هذه جريمة، ما نفعله مع الأقزام على سبيل المثال، هل هذا فن؟، أن نأتى بالقزم لنصفعه على قفاه وندحرجه على الأرض ونسبّه ونشتمه من أجل قروش نستغل بها حاجته وفقره لاغتصاب ابتسامة صفراء من مشاهد مخدر الإحساس متبلد المشاعر، يشاهد القزم وهو يتمسخر ويظل يقهقه ويستلقى على قفاه من الضحك على هذا الغلبان الذى ساقه قدره التعس إلى التسول بعاهته تحت اسم الفن. ما حدث من أحمد مكى عيب وتجاوز، وما يحدث من الممثلين العنصريين هو جريمة مكتملة الأركان. |