بقلم: أماني موسى
بينما كان الجموع واقفين في الكنيسة يسبحون بمنتهى القوة قائلين (لكَ القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد أمين....)، وبينما كنت واقفة أتأمل أيقونة الصليب التي تُجسّد هول الآلام والمعاناة للمصلوب وكم المرارة التي تعتصر قلب أمه وتخترقه كالسيف.. تخيلت للحظات لو أن الزمان قد عاد بنا للوراء ودخلنا جميعًا في تلك الأيقونة لنعاصر عن جد رحلة الصليب، فيا تُرىَ أي نوع من المحيطين به في تلك الرحلة سأكون أنا؟ وراودني سؤال آخر: إذا كان مفترض بي أن أقدم رسالة واحدة للمصلوب وهو مرتفع على صليبه وأنا تحت قدميه، فماذا سأقول له؟ وأية كلمات وأية مشاعر تستطيع توصيف ما يدور بداخلي في تلك اللحظات؟
وجدتني صامتة تمامًا، لا أستطيع أن أجيب على كلاً من السؤالين.......
فبالنظر لمن كانوا يتبعونه في رحلة الصليب ستجد أن كلاً منهم سلك مسلك مختلف، فكثيرون منهم هربوا وتركوه وحيدًا خوفًا من بطش الجنود الرومان، وآخر أنكره، وآخر تبعه حتى الصليب، بينما ساعده القيرواني على حمل صليبه حين تعثر بالطريق، وآمن به اللص اليمين وطلب منه أن يكون له مكان معه في الفردوس، بينما تلميذه أسلمه؟!! وتساءلت: أي واحد من هؤلاء سأكون؟؟
-يهوذا: تلميذه الذي شمله الرب بعطفه وحبه، ولكنه أسلمه وباعه مقابل ثلاثين من الفضة، فهل شهوة اقتناء المال كانت لديه أقوى من حبه لمعلمه؟، وهل أنا ألوم يهوذا وأسخر من تصرفه بينما أبيعه كل يوم مقابل العديد والعديد من الشهوات؟! هل سيكون ليَّ رجاء في رحمته وقبوله لي متى أعلن التوبة؟ أم سيتملكني اليأس وأفقد رجائي لاستسلم مثل يهوذا؟
-بطرس: ذلك التلميذ القوي في إيمانه وحبه أيضًا، والذي أعلنها قائلاً: لو الكل باعك وأنكرك فأنا لا أفعل، ولكنه لم يكن كذلك حين قُبضَ على يسوع، حيث تملّكه الخوف الشديد وأخذ يتخفى بين الجموع وأنكره ثلاث مرات، متنصلاً من معرفته!!
ولكنَّ رجاءه في إلهه وعمق حبه ورحمته التي لمسها في معلمه جعلته يثق بالغفران حين بكى وطلب المغفرة، فهل أكُثر من الحديث عن حبي له ووقت الجد لا أملك إلا الفرار والتنصل من معرفتي به؟!.
-المريمات: كنَّ في منتهى الشجاعة حيث تبعونه طوال الرحلة وهن ينوحن ويبكين لأجله، ومنهن مَن حاولت تجفيف عرقه ودمائه، وأخرى حاولت أن تُسقِه، وأخرى تبكي تحت صليبه ولم يخشين بطش الجنود، فهل أسلك معه هكذا بمنتهى الحب دون التفكير في عاقبة أن أتبعه آنذاك؟ هل أحاول تخفيف ألمه مثلهن، هل سأترك لمشاعري العنان لتعبّر بقوة عن مدى حبي له؟!
-الجموع: التي هتفت قائلة أصلبه أصلبه، وهم ذاتهم الذين كانوا يصيحون قبلها بأيام قليلة حين دخل أورشليم بأنه ملك اليهود وخلعوا القمصان ليفرشوها على الأرض ترحيبًا به!! فهل أن متقلبة ومتغيرة المشاعر تجاهه وتجاه حبه الفياض، فيوم أهتف له وأسبحه ويومًا آخر أصلبه وأشارك في إيلامه؟!
-بيلاطس البنطي: الذي تأكد من براءة يسوع ولكنه خشيَّ على ضياع منصبه ومن هياج الشعب ضده، فتخلىَ عن أمانته وضميره وغسل يديه ليتبرأ من دمه!!! فهل أخشى على مناصبي وممتلكاتي الأرضية ولا أشهد بالحق غاسلةً يدي معلنة التبرأ من الخطأ؟ فلا أظن إن الاغتسال الكُلي في أكبر محيطات العالم سيرفع وزر خطية تفعلها وأنت مدركها وبعدما تفعلها تغتسل!!
-يوحنا الحبيب: الذي لُقبَ بـ "التلميذ الذي كان يسوع يحبه"، حيث تبعه في محبة بالغة وعميقة حتى الصليب، دون خوف أو تردد أو إنكار.... فهل لمس في يسوع حب غامر تملّك على كيانه وفاق عنده على كل مشاعر الخوف فجعله يصحبه طوال رحلة الألم؟، فهل ملامستي ومعايشتي لمدى حبه ورحمته سيجعلانني أتبعه دون خوف رغم فرار باقي التلاميذ؟
-اللص اليمين "ديماس": الذي آمن بالمصلوب ربًا وإلهًا وهو يراه في عمق الألم والوهن طالبًا منه الصفح والغفران، وفي خلال لحظات تحوّلت حياته من منتهى الشر والخطية إلى التوبة والتجدد، من الظلمة إلى النور، فهل ستتحول حياتي أيضًا وأطلب منه الغفران وأن يكون لي مكان بجواره بالفردوس؟
-اللص الشمال: صاح قائلاً لو أنك إله بحق فخلّص نفسك وخلّصنا، وكان يتألم ويؤلم مَن حوله بصراخه واستهانته بحجم جرمه الذي هو مصلوب لأجله، وطلب من الرب أن يخلصه من الألم فقط دون أن يحاول أن يتفهم أو يتلمس ما يحويه الموقف من معاني عميقة -لعله كان حصل على توبة-! فهل أنا كذلك أصرخ بوجهه لحظات الألم طالبة الفرار دون أن أتفهم الحكمة من وراء الألم أو ما يجب عليَّ فعله؟
وهناك الكثير من الأنماط المتنوعة من الناس الذين تبعوه في رحلة الصليب، فيا تُرىَ عزيزي القارئ أي نوع منهم ستكون؟
أما عن إجابة السؤال الآخر فلن أجد من الكلمات ما يكفي ليعبر عن مشاعري تجاهه ولكني أعتقد أن الدموع ستكون هي سيدة الموقف ولن أقول إلا بحبك جدًا، أشكرك من عمق قلبي، سامحني واغفر لي، فبموتك منحتني الحياة. وأنت عزيزي ماذا ستقول له؟؟ |