يعيش السودانيون حالة من التفاؤل المشوب بالقلق بسبب التجربة الديمقراطية التى ابتعدت عن البلاد، قرابة ربع قرن، فمع بداية نظام الإنقاذ لم يتم إجراء انتخابات برلمانية وكان أعضاء البرلمان يأتون بالتعيين، إلا أن المخاوف من تزوير الانتخابات وفقدان الثقة فى الديمقراطية تثير قلق الكثيرين من احتمال الارتداد عنها نحوالعنف.
ويزيد خوف السودانيين من التزوير، ما حدث خلال رصد تعداد السكان، حيث استحال الوصول إلى بعض المناطق، خاصة فى الجنوب، وبالتالى لم يتم إجراء التعداد فيها، كما تم استبعاد معسكر «كلمى» فى دارفور، والذى يمثل أكبر كتلة سكنية هناك، بخلاف استمرار حالة الطوارئ فى الإقليم المضطرب، رغم رفعها عن باقى أجزاء الجمهورية.
وتسببت إعادة توزيع الدوائر الانتخابية، فى إحجام الكثيرين عن المشاركة فى الانتخابات المقبلة حيث تم ترسيم عدد كبير من الدوائر فى مناطق نفوذ «المؤتمر الشعبى» الحاكم، بينما تم تقليل عدد الدوائر الانتخابية فى مناطق نفوذ القوى السياسية المعارضة، وهوما جعل الكثير من المراقبين يؤكدون أن الرئيس عمر البشير تجاوز نصف طريق الاحتفاظ بالرئاسة عبر لعبة تقسيم الدوائر وضمن لحزبه الحاكم الفوز بعدد كبير من المقاعد حتى قبل بداية الانتخابات، معتبرين لعبة التقسيم هى الخطوة الأولى نحوتزوير الانتخابات.
هذه المخاوف كانت قد بلغت ذروتها برفض الحركة الشعبية نتائج التعداد السكانى الخامس التى اعتمدتها مؤسسة رئاسة الجمهورية فى السادس من مايوالماضى، وأظهرت النتائج النهائية للتعداد أن إجمالى عدد سكان السودان يبلغ ٣٩ مليون نسمة، يعيش ثلاثون مليوناً منهم، بنسبة ٧٩% من السكان فى الشمال، بينما يعيش ثمانية ملايين نسمة، يشكلون ٢١% من السكان فى الجنوب.
ورأت الحركة أن هذه النسب أثرت سلباً فى تمثيل الجنوب فى الدوائر البرلمانية القومية، لتنخفض نسبته من ٣٤% إلى ٢١%، مشيرة إلى أن هذا الانخفاض سينسحب سلباً على المعايير القياسية التى اعتمدتها اتفاقية السلام الشامل فى تقسيم الثروة.
ومن هنا جاءت معارضة الحركة الشعبية على تقسيم الدوائر الجغرافية، وإعلان مقاطعتها للانتخابات القومية فى جنوب كردفان ومنطقة أبيى. وهوما يشكل عقبة صعبة فى طريق الانتخابات القومية، إذا لم يتفق الجميع على معايير مهنية وسياسية تخرج العملية الانتخابية من هذا النفق المظلم. ولأهمية المخاوف من حدوث التزوير وكثرتها، قلل مستشار رئيس الجمهورية للأمن القومى، الفريق أول صلاح عبد الله قوش من خطورتها، خاصة فيما يتعلق بقوات الشرطة والأمن ودورهم فى العملية الانتخابية،
وقال قوش: إن حماية الانتخابات مسؤولية أمنية وشرطية، وأن تلك الأجهزة مسؤولة عن حماية الدستور. وأضاف: «حتى إذا افترضنا تزوير المؤتمر الوطنى للانتخابات، فهذه الأجهزة مطلوب منها، منع التلاعب، وتسليم السلطة لمن يستحقها».
كان الحزب الاتحادى الديمقراطى «الأصل»، لم يستبعد الانسحاب من الانتخابات «فى أى مرحلة من مراحلها»، متى شعر بأنها لا تجرى «وفق الأسس القانونية»، وأعلن عضولجنة الانتخابات بالحزب، على أحمد السيد، فى مؤتمر صحفى، أن الحزب قد يقاطع الانتخابات متى شعر بأنها تجرى وفق أسس غير سليمة ومخالفة للقانون.
وقال: إن حزبه «لم يتأكد حتى الآن من نزاهة الانتخابات»، مجددا اتهام الحزب لمفوضية الانتخابات بمخالفة القانون.
كما وجه الحزب مذكرة إلى الرئيس عمر البشير، طالبه فيها بإقالة الولاة والمعتمدين من مناصبهم، متهما «بعض الولاة» بالتدخل فى العملية الانتخابية للتأثير عليها، وقال: «إن البشير نفسه يتعين عليه أن يستقيل لضمان نزاهة الانتخابات وحيدتها».
ويرى البعض أنه من المحتمل حدوث «ردة عن الديمقراطية» نحوالاستبداد أوحتى النزاع المسلح وهوالأمر غير المستغرب فى الديمقراطيات الناشئة، مثل رواندا وأنجولا وليبيريا.
وأخطر ما يمكن أن ينتج عن تلك الردة هوفقدان الثقة بالديمقراطية ذاتها كما حدث سابقا مع حكومات الصادق المهدى فى الديمقراطية الثالثة، وهوما منح حكومة الإنقاذ القدرة الأساسية على إقصاء معارضيها.
ويزيد من حدة هذه المخاوف أن الإرث الانتخابى السودانى رغم تاريخه الطويل الذى يرجع إلى عام ١٩٥٣م، فإنه تاريخى متقطع بفعل الانقلابات العسكرية، ولا يشكل منظومة يمكن الاستفادة من مرجعيتها فى حل المشكلات والنزاعات السياسية التى تبرز إلى حيز الوجود أثناء العملية الانتخابية وبعدها.
ورغم المخاوف فإن هناك مؤشرات تدل على أن فرص نجاح التجربة الديمقراطية المقبلة أكبر من سابقاتها، إذ ستكون أول جمهورية رئاسية ديمقراطية فى تاريخ البلاد، كما أن الاستقرار الأمنى «النسبى» الذى عاشته البلاد خلال السنوات الخمس الماضية، زاد من فرص الاستثمار والنموالاقتصادى، وبالتالى توسيع فرص نموالطبقة الوسطى. |